كنت قد قررت من أكثر من سنة التوقف عن الكتابة بسبب الوضع الشاذ الذي عليه العراق وأوساطه السياسية والاجماعية والثقافية، لكنني ما استطعت إلا أن أعود لأكتب، والمفارقة أن عودتي تأتي للسبب ذاته الذي جعلني أتوقف عن ذلك.
ونحن نواجه الدكتاتوريات في العالم، ولاسيما في الوطن العربي، نتساءل لماذا يفعل الدكتاتور ما يفعله مما يعتقد أنه يقود إلى الاحتفاظ بحكمه، مهما قاد إليه ذلك ببلده وبعائلته وبه شخصياً من نتائج؟ نعتقد أن هناك ثلاثة أسباب رئيسة تقوده إلى ذلك، كما قادت دكتاتوريين، مثل صدام وزين العابدين والقذافي ومبارك وعلي عبدالله صالح والأسد و(؟)، وهي:
– الدكتاتور محبٌّ لنفسه، حد التأليه وربط نفسه ووجوده بالإرادة الألهية أحياناً، وعليه فمن المنطقي وفقاً لهذا التفكير غير المنطقي، أنْ يسعى هذا الدكتاتور إلى يبقى في السلطة إلى الأبد، وإلى الهيمنة أو السيطرة على كل شيء، يدعمه في ذلك ويغذّي نزعته المريضة حاشية دائماً ما تكون موجودة من حوله، وترتبط مصالحها وربما حياتها به وببقائه وحياته.
– وتعلّقاً بذلك، معروف أن كل دكتاتور لا يتعضّ بتجارب من سبقوه، لأنه ببساطة يرى أنه لا يشبه أحداً قبله وهو، هو فقط، المحقّ وما يفعله هو الصحيح لأنه لا يُخطئ. وعليه فكل أعماله مبرَّرةٌ له، مهما اشتملت هذه الأفعال على مخالفات وأخطاء وخطايا، يدينها الشرع أو العرف أو القانون أو القانون الدولي.
– وفي النتيجة يُبيح الدكتاتور لنفسه، كما يبيح حاشيته وأعوانه لأنفسهم فِعْل كل ما مسموح وغير مسموح، الأمر الذي يضعه معهم من حيث يريد ويريدون أو لا يريد ولا يريدون أمام المساءلة الشعبية أو الثورية، والقانونية أو الدولية، في حال أن ترك الحكم أو أُزيح عنه.
وهكذا، في ضوء هذه الخصائص والسلوكيات الثلاث، وما تقود إليه من نتايج لا مناص منها، يستميت الدكتاتور، ومعه حاشيته وأعوانه للبقاء في السلطة، لتكون النتيجة، في حال أن لا ينجح في البقاء، إحدى الاحتمالات الثلاثة الآتية:
• الوصول إلى اتفاق سياسي، وغالباً ما يكون بإشراف أو رعاية دولية، كما حدث في اليمن مع علي عبدالله صالح. لكن هذا نادراً ما يُطمئن الدكتاتور، لأن القانون لا بد أن يأتي به يوماً ما دام باقياً في البلد، وعليه فالبديل هو مغادرة الوطن إلى بلد يهيّئ له ملجأً، كما حدث لزين العابدين بن علي.
• مقتل الدكتاتور حين يستميت في الدفاع عن عرشه، وأكثر من ذلك عن نفسه، ومعه مرة أخرى حاشيته وأعوانه، إما لأنه يرى في نفسه هو وهو فقط، كما قلنا، على حق، أو أنه محميّ بإرادة غيبية إلهية أو غير إلهية، ليقود ذلك في النتيجة إلى هكذا استماتة تؤدي إلى مقتله، غالباً وسط فوضى وثورة شعب غاضب، كما حدث للقذافي ومن قبله صدام.
• نجاح القوى الثائرة عليه، أو القوى المنافسه، أو الحكم الشرعي الديمقراطي البديل، في إلقاء القبض عليه، وفي النتيجة تقديمه للمحاكمة القضائية، ثورية أو اعتيادية، كما حدث لحسني مبارك، ومحمد مرسي، ومن قبلهما صدام حسين.
والآن، مهما حاول من حاول أن يُقنع أي دكتاتور بهذا كله، فإن هذا الدكتاتور، ونتيجة للأسباب التي ذكرناها، لن يقتنع وسيسير في ما هو عليه إلى إحدى السيناريوهات أو النهايات الثلاث السابقة، وهي التي تنتظر بالتأكيد بشار الأسد، ونوري المالكي. ولأن هذا برأينا قضاء حتمي ندعو الله فنقول:
اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللّطف فيه.