أقرت الدول العربية –بتحفظ العراق فقط- في القمة العربية في دروتها الـ26 المنعقدة في شرم الشيخ الأحد الماضي في ظل أجواء العملية العسكرية المسماة “عاصفة الحزم” على اليمن العربية، أقرت “إنشاء قوة عسكرية تشارك فيها الدول العربية بشكل اختياري، تضطلع بمهام التدخل العسكري السريع وما تكلف به من مهام أخرى لمواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء وسيادتها الوطنية وتشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي بما فيها تهديدات التنظيمات الإرهابية بناء على طلب من الدولة المعنية”.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها مثل هكذا قرار من الدول العربية، فقد صدر قبله وتحديداً في سنة 1950 ما سمي في حينها بـ”معاهدة الدفاع العربي المشترك و التعاون الاقتصادي” لتنسيق دفاع مشترك للجامعة العربية وانشأ على ضوء هذه المعاهدة “مجلس الدفاع المشترك للجامعة العربية”.
وقعت هذه المعاهدة في حينها ستة دول عربية هي مصر والعراق والسعودية ولبنان وسوريا واليمن!
وانضمت إليها دول عربية أخرى لاحقاً، ليصبح مجموع الدول العربية الموقعة على المعاهدة خمسة عشر دولة آخرها دولة الإمارات في سنة 1978م.
تضمنت المعاهدة (13 بند) وملحق عسكري من خمس بنود ، وبروتوكول إضافي، لن أخوض في تفاصيل بنود المعاهدة ولا ملحقها العسكري ولكن يهمني كثيراً أن أذكر ما جاء في نص البروتوكول الإضافي حيث جاء فيه:
” تؤلف هيئة استشارية عسكرية من رؤساء أركان جرب جيوش الدول المتعاقدة للإشراف على اللجنة العسكرية الدائمة المنصوص عليها في المادة الخامسة من المعاهدة ولتوجيهها في جميع اختصاصاتها المبينة في البند الأول من الملحق العسكري. وتعرض عليها تقارير اللجنة العسكرية الدائمة ومقترحاتها لإقرارها قبل رفعها إلى مجلس الدفاع المشترك المنصوص عليه في المادة السادسة من المعاهدة.
وتقوم الهيئة الاستشارية العسكرية برفع تقاريرها ومقترحاتها عن جميع وظائفها إلى مجلس الدفاع المشترك للنظر فيها وإقرار ما يقتضي الحال إقراره منها. ويكون لهذا البروتوكول قبل الدول الموقعة عليه نفس القوة والأثر اللذين للمعاهدة وملحقها وخاصة فيما يتعلق بتنفيذ أحكام المادتين الخامسة والسادسة من المعاهدة والبند الثالث من ملحقها العسكري. “
مع العلم إن المادة الخامسة من المعاهدة تنص على:
” تؤلف لجنة عسكرية دائمة من ممثلي هيئة أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة لتنظيم خطط الدفاع المشترك وتهيئة وسائل وأساليبه وتحديد في ملحق هذه المعاهدة اختصاصات هذه اللجنة الدائمة في ذلك وضع التقارير اللازمة المتضمنة عناصر التعاون والاشتراك المشار إليهما في المادة الرابعة:
وترفع هذه اللجنة الدائمة تقاريرها مما يدخل في دائرة أعمالها إلى مجلس الدفاع المشترك المنصوص عنه في المادة التالية.”
والمادة السادسة من المعاهدة تنص على:
” يؤلف، تحت إشراف مجلس الجامعة، مجلس الدفاع المشترك بجميع الشؤون المتعلقة بتنفيذ أحكام المواد 2، 3، 4 و5 من هذه المعاهدة ويستعين على ذلك باللجنة العسكرية الدائمة المشار إليها في المادة السابقة.
ويتكون مجلس الدفاع المشترك المشار إليه من وزراء الخارجية والدفاع الوطني للدول المتعاقدة أو من ينوب عنهم.
وما يقرره المجلس بأكثرية ثلثي الدول يكون ملزماً لجميع الدول المتعاقدة. “
والبند الثالث من الملحق العسكري ينص على:
” ترفع اللجنة العسكرية الدائمة تقارير مفصلة عن نتيجة بحوثها وأعمالها إلى مجلس الدفاع المشترك المنصوص عليه في المادة السادسة من هذه المعاهدة كما ترفع إليه تقارير سنوية عما أنجزته خلال العام من هذه البحوث والأعمال.”
وأغلب ما جاء في نصوص هذه المعاهدة مطابق لما يتم طرحه حالياً.
ومن لطائف الصدف- ولا صدفة- إن اليمن ممثلة بالحكومة المتوكلية وقتها أبدت تحفظها على بعض النقاط هي والحكومة العراقية!
نقاط التحفظ مختلفة وما يهمني منها حالياً هي النقاط التي تحفظت عليها الحكومة اليمنية وهي وأنقل نص التحفظات:
” أولا: فيما يتعلق بمضمون المادة الثانية لا تعتبر اليمن الاعتداء اعتداء على أية دولة من الدول العربية إلا إذا كان الاعتداء لذات الدولة لا لارتباطها بمعاهدة واتفاقيات مع أية دولة أخرى ولا لوجود جيش أجنبي في أراضيها لأي سبب آخر.
ثانياً: يتحفظ اليمن نحو مضمون الفقرة الأخيرة – من المادة السادسة وذلك لأن الحكومة المتوكلية اليمنية تتوقع حصول بعض الظروف التي تجعل من المناسب أن تتخذ اليمن منها موقفا خاصا بها ولهذا قررت اليمن أن لا تعتبر قرارات مجلس الدفاع المشترك نافدة عليها إلا وافقت على تلك القرارات وذلك باعتبار موقعها الجغرافي وإمكانياتها العامة واعتباراتها الخاصة.
ثالثا: إن الحكومة اليمنية لا تعارض ما جاء في البند الأول من الملحق العسكري لكن بعض الاعتبارات الخاصة بها قد تجعل من المتعذر عليها تطبيق الأمور المطلوبة منها فحرصاً على إمكانية ما يطلب منها قررت ما يلي: “أن الحكومة اليمنية توافق على ما جاء في البند الأول من الملحق العسكرية ما عدا ما في الفقرتين الرابعة والسادسة فالمعتبر ما ستوافق عليه الحكومة المتوكلية اليمنية في حينه.”
والمقارنة بين تحفظات اليمن وقتها والوضع بوجود “عاصفة الحزم” ينبئنا بوضوح عن خطأ الوضع القائم.
مع توقيع هذه الاتفاقية بالبنود التي ذكرنا المهم منها هنا، مرت الدول العربية بمشاكل وحروب ونكسات لم يكن نص المعاهدة وبنودها حاضر في أي منها، ولم يكن لها أي أثر يذكر.
من هذه النكسات والحروب والأحداث على سبيل المثال:
كل تغييرات الحكومات العربية وقتها من مصر سنة 1952م والعراق سنة 1958 واليمن سنة 1962 وغيرها، إذ لم يكن للمعاهدة ومجلسها أي دور يُذكر.
العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956.
نكسة سنة 1967م.
الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية سنة 1982م.
وغير ذلك من الأحداث.
فخلال 65 عام من عمر المعاهدة لم تتمكن الدول العربية من التنسيق عسكرياً بينها إلا في حالات محدودة فقط، وما عداها فتاريخ مليء بالتناقضات والخذلان والهزائم.
في تصوري إن ما سينتج عن مؤتمر شرم الشيخ –إن انتج- لن يكون إلا نسخة مطابقة لتلك المعاهدة إن لم تكن بصورة أسوء لاعتبارات كثيرة، ونحن تجاه أمام هذا الوضع في انتظار المزيد من النكسات ومواقف التناقض والخذلان والهزائم.