22 ديسمبر، 2024 8:17 م

الدعوة وفزاعة البعث

الدعوة وفزاعة البعث

يمر العراق بالمرحلة الأصعب والأسوء في تاريخه المعاصر يعصف به الارهاب ويستشري فيه الفساد وتترسخ الطائفية ناهيك عن التمزق الاجتماعي والتراجع الاخلاقي وانهيار منظومة المبادئ النبيلة والقيم الأصيلة وأخيرا وليس أخرا الدور التحريضي والطائفي لغالبية رجال الدين وتأثيرهم السلبي على فئة الشباب تحديدا ، ولعل مايثير الدهشة والسخرية في آن واحد هو ان هذا الكم الهائل من الاخفاقات قد حدث في ظل حكم تيار الاسلام السياسي الشيعي وتحديدا حزب الدعوة منذ عام 2005 !! وهو الحزب الذي كان رأس حربة المعارضة العراقية ضد حكم البعث ما كون له صورة بطولية في الوعي الجماعي الشيعي.
ان من الطبيعي أن تبلغ موجة التذمر الشعبي من هذا الواقع المأساوي الى الذروة لتتبلور بمظاهر احتجاجية مثل الانتقادات والمظاهرات وحتى الاعتصامات ، لكن من غير الطبيعي أن يتم وصف أي حراك مطالب بالاصلاح أو التغيير أو بتحسين الواقع الخدمي أو بالحقوق المسلوبة بالبعثي ! لنكون أمام حزب ذو قاعدة جماهيرية عريضة لو صدقت هذه الادعاءات المزيفة ، لقد ترسخت مبادئ حزب البعث في المجتمع العراقي نتيجة طول فترة حكمه أما رغبة (في الوسط السني) أو رهبة (في الوسط الشيعي) حيث أدت انتفاضة آذار 1991 والغزو الأمريكي 2003 للكشف عن حقيقة هشاشة قواعده في المناطق الشيعية والكردية وبدا واضحا بأن عمقه الاستراتيجي لا يتعدى المناطق السنية كما هو حال شقيقه السوري الذي أثبتت مجريات الثورة السورية ان الساحل السوري هو ملاذه الأخير ! وهنا يحق لنا أن نتسائل ما المقصود بالبعثي في أدبيات الاسلام السياسي الشيعي عامة ؟ وحزب الدعوة الحاكم خاصة ؟ وذلك لا يتم الا باستعراض مسيرة البعث العراقي بعد العام 2003 بمعزل عن أي رؤية سياسية مؤيدة أو مناوئة له.
لقد رفض البعثيون العملية السياسية منذ البداية وشهروا سلاحهم بوجه القوات الأمريكية والقوى الأمنية الأمنية العراقية و تحالفوا في ذلك مع جحافل المرتزقة العرب والتي دخلت العراق بحجة الجهاد ومجاميع اسلامية محلية الا انهم وبسبب ماضيهم الاستبدادي وأفكارهم القومية اللادينية أخذ نفوذهم بالانحسار تدريجيا وتراجع تأثيرهم لصالح الجماعات الاسلامية ذات الباع الطويل في العمل المسلح ضد القوات الأجنبية لنزعتها الجهادية وتجارب أقرانها الناجحة في أفغانستان والشيشان وفلسطين وأدى ذلك بالتالي لضعف دورهم السياسي عموما برغم مايقال عن صلاتهم ببعض السياسيين الحاليين ووجود دعم اقليمي لهم ومع ظهور داعش وحملتها الشرسة ضد جناحهم العسكري (النقشبندية) عقب انهيار التحالف بينهما أصبح الحزب في موقف لايحسد عليه سياسيا الا ان ذلك لم يحول دون استمرار استخدام حزب الدعوة لعودته كفزاعة لعوام الشيعة لحملهم على القبول بحالتهم المزرية والتغاضي عن الفساد الكبير المؤثر سلبا على واقعهم المعيشي .
وبالعودة لسؤالنا عن ماهية البعثي فأن الاجابة لا تخرج عن 3 احتمالات على النحو الأتي :
1.أن يكون المقصود به هو المؤمن فعلا بمبادئ الحزب وأهدافه وهو احتمال ضعيف لعلم القيادات السياسية الشيعية بضعف موقف الحزب الحالي وتشتت أفراده ، كما ان السنوات السابقة أثبتت بأن الأسباب الحقيقية لمعارضة صدام حسين لدى البعض لم تكن بعثيته بالدرجة الأولى وانما لسنيته تارة وللرغبة بازاحته عن حكم العراق الغني تارة أخرى وهو ما أكده اندفاع الاسلاميين الشيعة خصوم البعث العراقي للقتال دفاعا عن البعث السوري داعم قاعدة الزرقاوي بحجة الدفاع عن المراقد المقدسة !
2.أن يكون المقصود به هو السني عموما وهو الانطباع الذي ولدته حملة اجتثاث ضباط الجيش وموظفي الدولة من البعثيين والتي جرت بانتقائية شديدة وعلى أسس طائفية واضحة في الغالب ، في الوقت الذي تم توصيف كل تحرك سني داخل العملية السياسية وخارجها على حدا سواء بهذه التهمة .
3.أن يكون المقصود به كل تحرك معارض وساعي لتغيير الواقع المزري وهو ماكشفت عنه التظاهرات الشعبية والمدنية المطالبة بالاصلاح والاعتصامات الصدرية مؤخرا فأصبحت تهمة البعث أو التواطأ معه جاهزة لكل صوت معارض للطريقة السيئة التي تدار بها البلاد ولو كان بين صاحبه والبعث خصومة قديمة وشرسة مثل الشيوعيين أو السيد مقتدى الصدر نفسه ! وهو الخيار الراجح .
ليس لحزب الدعوة مانع يذكر في استخدام فزاعته البعثية المفضلة ولو بعد 50 عام من الآن طالما انها تضمن له بقاءه على سدة الحكم لكنه لايدرك اننا اليوم في العام 2016 وأن تلك الحيل لم تعد تنطلي على شعب فقد صبره وشارع غاضب يسوده الشباب الذي فتح عينيه على مرارة حكمه فيما بقي ظلم الحكم البعثي مجرد قصص مروية عن الأباء والأجداد لن يكون لها تأثير عليه قياسا بمن عانوا مباشرة منها وهو المتطلع (أي الشباب) اليوم لحياة كريمة وأمنة فشل الحزب الديني في توفيرها له وهو يحاكي حزب البعث في ظلمه واستبداده ليصبح وريثه
الشرعي بأمتياز ويزيد عليه أضعافا مضاعفة في الفساد مسيئا لتراث السيد الشهيد محمد باقر الصدر ومعطيا انطباعا سلبيا عن الحركة الاسلامية السياسية ومشوها صورة الاسلام عموما والتشيع خصوصا والأدهى من ذلك كله ان الدعوجية لايزالون غير مدركين لحقيقة سير حزبهم وبخطى ثابتة نحو مصير مشابه لحزب البعث الذي لا يمكن نكران استفادته من كل تحرك شعبي غاضب على العملية السياسية الحالية دون أن يعي هو الأخر بأن الحالمين بالتغيير والداعين للاصلاح اليوم ليسوا بوارد اعادة عقاب الساعة الى الوراء بقدر تطلعهم نحو مستقبل مشرق بعيدا عن الذكريات الأليمة حصيلة الاستبداد القومي والمحاصصة الطائفية .