أدمنت بعض الأسر العراقية مشاهدة المسلسلات التركية التي اجتاحت القنوات الفضائية العربية والتي تجاوزت الدراما العربية بكثير ربما لأسباب تتعلق بجوانب فنية أو إنتاجية ، في رأي بوجد جانب أكثر أهمية في انتعاش رواج هذه المسلسلات ربما لا يكون خافيا على أصحاب المهنة ولكن خافي على المشاهد العربي والعراقي هذا الجانب يتعلق بتشابك الإحداث وتعدد الشخصيات المؤثرة وتصاعد الحدث أفقيا وليس عموديا حتى لا يصل إلى ذروته ويفقد دينامكيته مما يساعد على إطالته حيث نهاياته ستكون مفتوحة مما يساعد على إنتاج حلقات قد تصل إلى المئات تدور على جزئيات الحدث بحبكة أدرامية متقنة مما بجعل المشاهد ينشد إليها ولاستطيع أن يتنبآ بما ستؤول عليه الإحداث في الحلقة الأخيرة مما شجع بعض القنوات على وضع جوائز لمن يتمكن من التكهن بالنهاية .
هذه المقدمة كان لابد منها للدخول على دراما العملية السياسية في العراق منذ انطلاقها في 2003 وحتى هذه اللحظة ، فالمتابع للحدث العراقي منذ الاحتلال الأمريكي حتى خروجه عسكريا انه اتبع إستراتيجية تتمحور حول تخريب البني التحتية للعراق المتمثلة بالجانب العسكري والأمني والاقتصادي واعتمد على تمزيق النسيج الاجتماعي المتعايش على ارض العراق. منذ تأسيس مجلس الحكم الذي عمد في تشكيله على المحاصصة الطائفية والعرقية والذي كان الأساس في إيجاد التفرقة بين أبناء الشعب الواحد على أساس عرقي وطائفي ومذهبي وجهوي ومناطقي،إذ كان الإشارة الأولى لبداية التصارع بين من ادعوا تمثيل هذه المكونات على السلطة والمال والجاه ونقل صراعهم إلى الشارع الذي لأول مرة في تاريخ العراق الحديث ينزلق إلى حرب أهلية قذرة خلفت ما خلفت من قتل وتهجير وتعصب ديني ومذهبي وكرست إلى دعوات الفدرلة والتقسيم والانغلاق على مطالب جهوية وفئوية وتراجع الحافز الوطني . ثم تلاقفت الأحزاب والكتل هذه الإفرازات النتنة لتجعل منها مادتها الأساسية في لعبة الوصول إلى السلطة ولتستحوذ على أصوات الناخبين تحت شعارات وممارسات عمقت الانقسام وساعدت على التباعد عن المشتركات الوطنية والدينية لتنتج مجلس نواب غير منسجم وغير قادر على قراءة المرحلة التاريخية الصعبة التي يمر بها العراق ، مجلس مفرق غير جامع لمكونات المجتمع وساهم بشكل ملفت في الوصول إلى هذا المنعطف الخطير الذي نعيشه الآن من خلال صراع الكتل على كل شيء عدا مصالحهم الشخصية ،بل ذهبوا ابعد من ذلك في محاولات إشعال الفتنة بين المواطنين من خلال التصريحات النارية للبعض منهم ،هذا البرلمان الذي توافق على حكومة محاصصة مشلولة تتقاذفها الصراعات الحزبية وتعطلها المناكفات والاجتهادات والتسقيط السياسي والفساد الإداري والمالي والتي انعكس على الفشل في تقديم الخدمات للمواطنين في ظل اكبر موازنات يشهدها العراق .
أزمة تلد أزمات ، حدث ينتج أحداث ، خلافات تتحول إلى اختلافات و حور يلحقه مقاطعات فأصبحت العملية السياسية علة سياسية على العراقيين وباتوا يتابعون مسلسل نظام الحكم بخوف من المجهول ويتطلعون إلى الحلقة الأخيرة من دراما العراق الديمقراطية .
اسمح لنفسي القول أن الشعب على استعداد لتخصيص جائزة كبرى تمنح لمراكز البحوث أو للسياسيين أو المحللين الاستراتجيين أو الكتاب، ممن يستطيعون التنبؤ بأحداث الحلقة الأخيرة .
والدعوة عامة للجميع!
[email protected]