لا اجد حرجا اذا ما قلت ان تجربة الحكم ، بعد سقوط نظام البعث عام 2003 الى يومنا هذا كانت تجربة مؤسفة ، كشفت عورات كان سترها اولى من كل بهرجة المناصب وحطام هذه الدنيا ، وقد يرد اعتراض على ما اقول بالاسطوانة المشروخة التي بتنا نسمعها يوميا ، تردد بشكل مقرف مثير للغثيان ، تذكر من ينتقد الحال بما كان عليه الحال ايام حكم الطاغية صدام حسين ، وكأن الذي يردد هذه الاسطوانة المقرفة يخيرك بين الموت والحمى ، من دون ان يتذكر انه هو نفسه اذا ما كان يهرب من الموت فهو ايضا يهرب من الحمى ، بل ان الحمى اذا لازمته ثلاث عشرة سنة ستجعله يحلم بالموت ، وعليه فارجو من كل الذين يحتفظون بهذه الاسطوانة بين اغراضهم وفي ادراج مكاتبهم ، بمن فيهم انا ، ان يتلفوها الآن ومن دون اي تردد ، ويعترفوا معي اننا كنا نعيش ايام الدكتاتورية في حقبة الموت ، اما اليوم فنحن نعيش في حقبة الحمى التي دخلناها بعد انقشاع حقبة الموت ، ولم نغادرها حتى هذه اللحظة ، وليس في الافق ما يبشر بنهاية قريبة لهذه الحمى التي باتت تضيّق علينا ،
المشكلة اننا لم تهتز قناعتنا بالواقع الحاضر فحسب ، الواقع الذي راح يتصدع امامنا ويتشظى ، وينفلش ، ثم يعاد تشكيله بطريقة سريالية ، تشعرنا بالغربة ، عن اكثر المواقع حميمية من هذا الوطن العريق المتقسم طوائف واعراق وقوميات ومذاهب واديان ، وقبائل وعشائر وبطونا وافخاذا ، ووو الى ما لا نهاية من واوات لا تفيد العطف قطعا ، ولا المعية ، وانما هي واوات التقسم ، مع اعتذاري من نحاة البصرة والكوفة ، انما قناعتنا باتت تهتز بالماضي الذي صاغنا على هذه الهيئة الهشة ، ونحن نرى المسميات التي تعاملنا معها لا تتطابق مع الاسماء التي نحفظها في الذاكرة ، وان كانت بعض تلك المسميات قد غادرت ما كان في حوزتنا لها من اسماء قبل عام 2003 ، بعيد انخراطنا في تجربة عملية ملموسة اسقطت كل اوهامنا ووضعتنا وجها لوجه امام حقائق مؤلمة
سلّمنا بان الامل ضئيل ويتضاءل ، والياس يرخي سدوله مذكرنا بليل امرئ القيس الطويل الذي لا يبشر بصباح جميل ، نفضنا ايدينا من كل شيء مستسلمين لقدر قاس يتوعدنا بالسحق ، الا حقيقة واحدة لا سبيل الى نفض اليد منها ، لاننا ان فعلنا سننزلق الى متاهة اشد من تلك التي تاه فيها بنو اسرائيل ، حقيقة واحدة تاتي بعد ايماننا بالله تعالى وتصديقنا لرسوله الكريم محمد ص وحبنا له ولاهل بيته ع واصحابه رض ، آلينا الا نغادرها او ننفض ايدينا منها ، مهما كان الثمن الذي ندفعه ، تلك الحقيقة هي اننا كحركة جهادية اسلامية كانت تقارع اسوء حكم دكتاتوري دموي ، وكان يجمعنا عنوان واحد هو حزب الدعوة الاسلامية ، هذا العنوان جمع الساخطين على حكم البعث من المتدينين ، سواء اكانوا منتظمين في حزب الدعوة ام لا ، كانت الدعوة حلما جميلا يذكرنا بطهر الكلمة عندما تامر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، بسمو الموقف عندما يستقيم مع كلمة لا اله الا الله محمد رسول الله ، بقداسة مشهد الدماء عندما تسيل في سبيل الله ، كان هذا العنوان طاهرا وسيبقى طاهرا لا يمكن ان يتنجس ، قد ينحرف داعية ما ، وقد يسقط اخر ، وقد يتحول ثالث الى متسول مناصب ، او حرامي او نصاب او فاسق ، ولكن الدعوة كحزب بريئة من كل هؤلاء ، هي مثل الاسلام ، لا يتلوث بانحرافات المسلمين ، فالدعوة لا تتلوث بانحرافات بعض الدعاة ، وانا اقول هذا ارجو ان لا يفهم كلامي على انه ادانة لحزب الدعوة وتحميله تبعات الفشل وما ترتب عليه من سوء منذ عام 2003 الى يومنا هذا ، بل ان الانصاف يفرض علي ان اقول ان حزب الدعوة اذا ما قورن بشركائه السياسيين من كل الالوان ، فهو الانظف يدا ، الا انه ، ولكي لا يعترض احد ، يتحمل جزءً مما حدث ، حاله حال غيره من الذين يحكمون ، فهو ليس الحزب الحاكم ، كما يقول الذين يوهمون الناس بهذه الكذبة الكبيرة .
نفضنا ايدينا من كل شيء ولزمنا الصمت ، لا ندافع عن احد ولا نهاجم احدا ، الا الدعوة التي عشناها اصعب اوقات ، يتخطفنا بها الناس ، وتطاردنا المخابرات والفرق الحزبية ، وفصال الجيش الشعبي ، ولكنها اجمل الاوقات ، حيث كنا اذا قلنا يا الله سمعنا الجواب ، كان الله معنا فزهدنا بكل شيء ، ولست واثقا بعد كل هذا السوء ، اما زال الله جلّ وعلا معنا ، لا اخفي انني لم اعد اسمع ذلك الجواب عندما اصرخ يا الله ، لا يمكن ان نقبل بان يمس للدعوة طرف ، لاننا واثقون من اننا اذا رضينا بان تمس كرامتها وتدنس سمعتها ، نكون قد بعنا كل تاريخنا ، وتنازلنا عن كل ايماننا ، وتنصلنا عن كل موقف وقفناه ، ما كان يدفعنا اليه الا التفرب الى الله سبحانه وتعالى ، فنحن لا ننكر ان كثير من المسربلين بلباس الدعوة قد بانت عوراتهم وانكشفت حقيقتهم التي لا تمت الى الدعوة ونقائها وطهرها بصلة ، ولكننا ما زلنا واثقين وسنبقى الى اخر لحظة في حياتنا الدنيا هذه بنقاء الدعوة واحقية اهدافها وصوابية جهادها ، وواثقين ايضا بسوء سريرة من يحرص على النيل منها ، فلا يدع مناسبة الا وغمز من قناتها ، نعرف حقيقته التي لا يضيعها علينا ما ارتدى من جلباب دين ، وطلى تلك الحقيقة المزيفة بالفاظ التقوى والورع المزعوم .