كثير من جيل السبعينات والثمانينات يذكر مسلسل (فارس بلا جواد ) الذي تناول حقبة الاحتلال الإنكليزي لمصر وهو من بطولة محمد صبحي ، وقد تم عرضه في رمضان 2002..هذا المسلسل تناول قضية لم يسبق ان تناولتها الدراما العربية لامن قبل ولا من بعد، ألا وهي قضية ” بروتوكولات – خبثاء – صهيون ” وهناك من يشكك بصحتها أو بنسبتها أو بصيغتها ، أو بزمان ومكان تدوينها وظهورها ، وأبرزهم عبد الوهاب المسيري مؤلف موسوعة (اليهود واليهودية والصهيونية)، اضافة الى حادثة دنشواي، ومعاناة المصريين بسبب الاحتلال ، وتواطؤ الخديوي اسماعيل ، وكان متوقعا للمسلسل أن يحقق نجاحا باهرا على المستويات كافة ، الا أن الدعاية الخارجية الامريكية والصهيونية المضادة للمسلسل ، فضلا على الدعاية العربية المؤيدة له ، والتي سبقت عرضه بأسابيع طويلة قد أسهما بفشله فشلا ذريعا لأن مستوى الدعاية المسبقة المضخمة ولاسيما من قبل الولايات المتحدة والكيان المسخ واتهامه بأنه يعادي السامية ” وأن هذا المسلسل سيعرض على الكيان …ويعيد الثقة الى المواطن العربي .و يفضح الماسونية …ويفت في عضد الاحتلال …وسينصر القضية الفلسطينية …وسيصحح التاريخ الحديث ..وسينصف ضحايا – الاستدمار – الخ ” حتى كنا نعد الايام والساعات لمشاهدة المسلسل ،كلها قد أفشلت المسلسل وأصابته بمقتل ، وبالفعل فقد كانت الحلقات الاولى منه غاية في الروعة والترقب الا أن الحلقة الرابعة على ما أذكر ، وفور ظهور ، محمد صبحي ،بحركاته البهلوانية البلهاء المعتادة – الحقيقة ان هذا الممثل غاية في الروعة مسرحيا، إلا أنه في منتهى التهافت والوضاعة سينمائيا وتلفزيونيا – وبعد أن كبر البطل ، سقط المسلسل قياسا بالدعاية الفخمة التي سبقت عرضه وقد اقر صبحي بذلك مرارا فيما بعد في لقاءات عديدة …
رباط السالفة :
إن الدعاية المفخمة وغير المسبوقة لإنجازات الحكومة الحالية ، وأنها ستكافح الفساد ، والمخدرات ، وستحيل الفاسدين الى القضاء ، وستعمل على تعيين الخريجين ،وعلى زيادة رواتب الرعاية الاجتماعية ، وزيادة مفردات الحصة التموينية ، وأنها ستبني ، وتعمر ، وتحد من السلاح المنفلت ، ومن النزاعات والدكات العشائرية ، وستعمل على اعادة النازحين ، واعمار المناطق المدمرة ، ووووو الخ ، ولاسيما من قبل الذباب الالكتروني الذي تحول فجأة من القدح الى المدح ..ومن الذم والشتم الى الثناء بكل ثقة وحزم ..وفي ذات المواقع الالكترونية ، والصفحات والمنصات المعهودة ، ستسهم بالتقليل من شأن كل الانجازات – في حال تحققت واقعا ، جزئيا او كليا – لأن حجم الدعاية الهائل سيكون وبكل حال من الاحوال اكبر من الانجاز ذاته مهما كان كبيرا – واكرر، إن تحقق هذا الانجاز اساسا ، ورأى النور ولم يبق مجرد حبر على ورق بالقياس على ما مضى من وعود وعهود قطعتها الحكومات السابقة تباعا والنتيجة = لا ابو علي ولا مسحاته ، أو أواعدك بالوعد ، واسكيك ياكمون – ومت يا ربيع حتى يأتيك الربيع !
فالرجاء التخفيف من حدة الضجيج والمدح والثناء والتفاؤل الزائد عن حده لحين انقضاء الـ 100 يوم الاولى ، واقرار الموازنة لعام 2023 ، وتفعيل كل أو على الاقل جل ، ما يتم الحديث عنه حاليا من دون أن نرى شيئا ملموسا على ارض الواقع بتاتا …لأن الدعاية الكبيرة التي رافقت الحكومة الحالية تحديدا ، ليس لها نظير على مر الحكومات السابقة ، ومنذ عام 2003 وبما يثير الريبة ، والتساؤل ، والشكوك عن سر هذه الدعاية الكبيرة والعجيبة وبصيغة ” يكلك حيزيدون الحصة … يكلك راح يعينون …يكلك رواتب الرعاية والمتقاعدين راح تزيد ) فلا تكونوا فرسانا بلا جياد ..وانتظروا ، وتريثوا ، وقفوا على الحياد ، حيث لامدح ولا قدح ، لحين تحقق ولو 10% إن لم يكن أقل مما يتم إعطاء الوعود المعسولة بشأنه ، وقطع العهود المهولة حوله حاليا .
ودعونا نسأل ونتساءل، وماذا بعد التوصل الى أن مستشفياتنا تمرض الأصحاء ؟!
وماذا بعد الاكتشاف المذهل والمتأخر جدا ، بأن “من يدخل مستشفياتنا صاحيا فسوف يمرض أسوة بمريضه !!”، وماذا يعني اكتشاف بأنها تعاني من نقص حاد في الادوية ، والتجهيزات ، والمعدات الطبية ، إما لعطلها ، واما لتقادمها ، وأما لحوسمتها في وقت ما ، وإما لعدم وجودها اصلا ، أو لكونها من مناشيء – طك عطية – فهل سيشهد العراق وبعد كل هذه الاكتشافات المذهلة نهضة صحية ، وثورة طبية ، تقلب عالي التجاهل ، والاستخفاف بأرواح المواطنين ، والتقصير بحقوقهم ، سافله لتتمثل ببناء أكبر عدد من المستوصفات ، والعيادات الشعبية ، والمستشفيات الحكومية النموذجية ، والاهم هو سد النقص الحاصل في أعداد الأطباء ، والعمل على اعادة الطواقم الصحية الكفوءة ، والخبرات الطبية التي يشهد لها القاصي والداني بالنزاهة والكفاءة ، و قد هاجر الآلاف منها تباعا ، نتيجة الظروف المادية،أو من جراء الاغتيالات، والدكات والكوامات العشائرية ، والاعتداءات شبه اليومية، أم ترانا سنكتفي بتوبيخ، ومعاقبة الطواقم الطبية المهملة والمقصرة اداريا ، ونقلهم الى أماكن أخرى ، وليس بأيديهم شيء على الإطلاق في موضوعة بناء ، وإعمار المستشفيات ، وتجهيزها ، وتطويرها ، وتزويدها بالادوية والمستلزمات الطبية اللازمة، أنهم مجرد موظفين في دوائر ومؤسسات حكومية !
ومؤكد أنني لن أمدح أبدا مع المادحين ، ولن أصفق مطلقا مع المصفقين ، بناء على مقطع مقطع فيديو ، أو وثيقة مسربة في هذه المنصة أو تلك ولايلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ، حتى أرى بأم عيني ، مستشفى حكومي انموذجي جديد بكامل معداته وتجهيزاته وطواقمه الطبية يبنى في كل محافظة عراقية، ولاسيما منها المخصصة للأطفال ، والنساء ، ومرضى السرطان والامراض الخطيرة ، عافانا الله واياكم .
أما عن ما ورد في المقطع ، من نقص في الخدمات الطبية ، فكلنا نعلم ذلك جيدا ، وقد عايشه ، وشاهده ، وعاناه معظمنا ، بل وقد فقد من جرائه عزيزا أو اكثر من الاصدقاء ، والمعارف ، وذوي القربى بسببها ، وعلى مدار 32 عاما – منذ ايام الحصار الامريكي الغاشم – ولاجديد تحت شمسك ياعراق ، بإستثناء التهليل ، والتصفيق المتزايد بناء على تسريبات فيس بوكية ، ومقاطع فيديوية ، وسوالف مقاهي ، وأبواق تطبل ليلا ونهارا لعلها تحظى بمنصب ما ولو في ذيل القائمة ..ولو على الهامش !
وغني عن البيان بأن كل رؤساء الحكومات السابقة ، كذلك الوزراء ، والنواب ، والمحافظين ، وعلى مدار 20 عاما سبق لهم وأن تحدثوا كثيرا عن حتمية مكافحة الفساد، وتفعيل القوانين ،وإحالة المتورطين الى القضاء ، وحصر السلاح بيد الدولة ، ووقف النزاعات العشائرية ، ومراقبة المنافذ الحدودية ، والنقاط الجمركية وتنظيم عائداتها ، وحوكمة ملفاتها، والعمل على اعادة الاموال المنهوبة ، والاثار العراقية المهربة، وإنهاء ملف النازحين ، واعادة اعمار المناطق المدمرة ، والحد من تهريب المخدرات ، وإعادة تأهيل وتشغيل المصانع المتوفقة، وتحسين الخدمات ، وتشغيل العاطلين ، وتحسين الواقع الزراعي ، وبناء الموانئ والمطارات ، وما الى من وعود ذهبية ، ذهبت كلها ادراج الرياح ، وكل حكومة تأتي تلعن سابقتها، وتحملها المسؤولية كاملة لتقع في ذات الخطايا والأخطاء لسلفها وخلال أقل من عامين من عمرها الافتراضي ، وما حكومة الكاظمي والتي لطالما جعجعت بمكافحة الفساد ، ومعاقبة المفسدين ، والورقة الاصلاحية ، وقانون الأمن الغذائي ، ثم اتضح وبعد زوالها ، غير مأسوف عليها، بأنها الأكثر فسادا و إهمالا في تاريخ العراق !
وأختم بأن الحكومات الناجحة في أرجاء المعمورة ، هي تلك التي تفتتح من المشاريع النافعة،والمجدية ، واقعا ما يفوق عدد الجلسات،والاجتماعات،والمداولات التي ملها الشعب ، وإن كنت أعجب فعجبي من حجم التطبيل الاعلامي الهائل ، ولما ينجز شيء بعد على أرض الواقع وكلها عبارة عن ” كتابنا وكتابكم ” وعلى قول أجدادنا – لادكول سمسم ، حتى تلهم- فيا أيها المطبلون والراقصون ، والمجعجعون حسبكم . اودعناكم اغاتي