لا اتصور يوجد في أي بلد آخر غير العراق عملية سياسية مستعصية لا يوجد فيها أي بصيص للأمل لا من قريب ولا من بعيد سوى تناحرات ومهاترات وتسقيطات مستمرة ممن يدعي التدين والوطنية !. إن المهزلة السياسية الجارية في العراق ستظل مستمرة إلى أجل غير مسمى بسبب عدم وضوح الرؤية بالعمل السياسي في العراق من قبل الكتل الحاكمة وفقدان الصدق والضمائر عند السياسيين والتلاعب بعواطف الشعب من اجل مكاسب تقودههم إلى امبراطورية دكتاتورية . مشكلتنا اليوم في العراق تكمن في الفساد المخيم على كل مرافق الحكومة ناهيك عن الكذب الإحترافي والعهر السياسي العلني بلا خجل او وجل والذي يحترفه قادة العملية السياسية ، وعندما يصل بنا الحال إلى هكذا مستوى فعلى العراق السلام . لقد فتحت فضيحة البنك المركزي ، وفضيحة صفقة التسليح الروسي وما كشف عنهما من مطاعن وشبهات ، والطريقة الارتجالية اللامسؤولة التي اديرت بها ، جرحا اضافيا في وجدان العراقيين ، وعلامة سوداء اخرى في جبين العملية السياسية عموما والمتهمين خصوصا ، ليس فقط لأن هذه الازمة تكشف عن إهدار الثروات الوطنية ، بل انها ايضا تثير الفزع حيال المستقبل إذ يُعهد مصير البلاد المالي والاقتصادي الى مشيئات متضاربة مطعون بكفاءتها او سلامة يدها او كفاية تحررها من الضغوط والاملاءات الخارجية . عانى البنك المركزي طوال عقد من السنين من ضغطين ثقيلين الاول محاولات انهاء استقلاله المشرّع في الدستور واخضاعه الى كابينة الحكومة والثاني من جيوب الفساد التي استشرت في مفاصله واخترقت حصاناته واربكت الكثير من مسارات الخدمات الاستراتيجية التي يقوم بها . كان ينبغي أن تكون حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي نموذجًا للحكم الديمقراطي في المنطقة ، لكنها تحولت إلى حكومة استئثار حزبي وطائفي أضرّ بالعملية السياسية ، وإلى التفريط في ثروات العراق النفطية . لقد انكر المالكي وبسبب ما أشيع ضد صفقة التسليح من فساد وجود دليل بهذا الشأن ! فيما تؤكد لجنة النزاهة البرلمانية أن التحقيقات أثبتت وجود فساد في الصفقة ! وهنا يرد سؤالا هاما ، إذا لم يكن هناك فسادا في صفقة التسليح فلماذا قام المالكي بعزل الناطق الرسمي بإسم الحكومة ؟! بالنتيجة وعلى خلفية ظهور روائح الفساد وإثارة الرأي العام حول الصفقة الروسية لجأ المالكي إلى عدة وسائل للتغطية ، منها إفتعال الأزمة مع الأكراد ، وإثارة ملف البنك المركزي . كل من شاهد وسمع تصريحات نوري المالكي وسامي العسكري وبهاء الاعرجي وجواد الشهيلي ينكشف له بأن اطراف هذه الازمة الجديدة يتعاملون مع مصالح العراق باعتبارها ورقة للسمسرة السياسية او التحشيد الانتخابي المبكر، او الترزق الحرام ، غير مبالين بنتائج هذه المواقف الشائنة ، كما يعتبرون العراق نفسه خرقة صالحة لمسح موبقات الصراع الفئوي والشخصي المتفاقمة ، فيما العراق بتاريخه ونبل الملايين من ابنائه يستحق الافضل ، وكان يمكن ان يصل الى مصاف الدول المتطورة والآمنة لولا انانية الكتل التي حكمت البلاد وسياساتها الفاشلة . وقبل أن اسدل الستار أذكر القاريء الكريم ببعض التراشقات الإعلامية من نخبنا السياسية !
1- وقال المالكي “إن من يقف خلف الفساد هم أشخاص يعملون في لجنة النزاهة البرلمانية اصلا”، مؤكدا أن أعلى صوت في اللجنة دفع 5 مليون دولار من أجل تعطيل عمل لجنة التحقيق في فساد البنك المركزي”.
2- قال النائب عن إئتلاف دولة القانون سامي العسكري إن رئيس لجنة النزاهة البرلمانية بهاء الاعرجي قدم مبلغ خمسة ملايين دولار لأحد قـُضاة التحقيق بشأن ملف الفساد في البنك المركزي لإغلاقِ وهو الذي قصده رئيس الوزراء نوري المالكي في مؤتمره الصحفي، وأضاف أن نائب رئيس مجلسِ النواب قصي السهيل وهو رئيسُ اللجنةِ التحقيقيةِ الخاصةِ بملفِ البنكِ رفض مبلغاً قدره عشرة ملايين دولار ، ودعا العسكري السيد مقتدى الصدر إلى التحقيق بوجود فساد لدى نواب ووزراء التيار الصدري .
3- صرح جواد الشهيلي للبغدادية ان “تصريحات العسكري محاولة لخلط الاوراق وصرف نظر الرأي العام عن المتورطين بهذه القضية “. وبين الشهيلي ان “كتلة ائتلاف دولة القانون دأبت على اتهام اي شخص يقف في طريقها بالفساد في اطار سعيها للقفز على القانون والتغاضي عن المفسدين الحقيقيين .
4- كشف رئيس لجنة النزاهة البرلمانية بهاء الاعرجي عن قيام رئيس الحكومة نوري المالكي بتهديده والضغط عليه لسحب يده من التحقيق في صفقة الاسلحة الروسية واصفاً النائب سامي العسكري بانه مطرود من حزب البعث واكثر دنائة منهم ، على حد وصفه.
وقال الاعرجي خلال استضافته في برنامج ستوديو الساعة التاسعة الذي تعرضه قناة البغدادية ان”رئيس الوزراء نوري المالكي ارسل رسالة تهديد بيد احد اعضاء لجنة النزاهة المنتمين لكتلته ، مبينا ان ” الرسالة انطوت على تهديد من قبل المالكي باستخدام اوراق ضغط تجاهي فيما لو انني اصررت على بقائي في اللجنة التحقيقية المختصة بكشف ملابسات صفقة الاسلحة الروسية ، مشيرا الى ان ” المالكي حرص على ان يتم اخراجي من اللجنة التحقيقية بأكثر من طريقة الا انني لا ازال فيها وسأستجوب وزراء ومسؤولين جدد في الفترة القادمة رغم كل الضغوط والاتهامات الموجهة ضدي من قبل رئاسة الحكومة ومن تبعها من النواب”. وتابع “اما بخصوص تصريحات النائب سامي العسكري الذي اتهمني فيها بالفساد في صفقة البنك المركزي فانني لن اجيب على شخص مطرود من حزب البعث المنحل ، فإذا كان حزب البعث بهذه الدنائة فأن العسكري اكثر دنائة منه”حسب قوله. واشار الاعرجي الى ان”العسكري يعد نقطة سوداء في العملية السياسية كما ثبت بانه عميل لدولة اجنبية “مبينا ان “العسكري وامثاله “فتنة ليقينا الله شرها”. وفي معرض اجابته عن لقاء النائب سامي العسكري بنائب رئيس البرلمان قصي السهيل قال ان”العسكري لا يساوي عند السهيل علبة سجائر”. لافتا الى ان ” جميع هذه المحاولات والاتهامات تهدف الى دفعي لترك التحقيق في قضايا الفساد وكشف المفسدين “. وبين ان” التحقيق في قضية البنك المركزي ذهب باتجاهات خاطئة ومعيبة كونه ابتعد عن الحقائق وخاصة فيما يتعلق بالملحقيات التجارية في كل من دبي وعمان واسطنبول والتي تعد رأس الفساد كما ان رئيس الوزراء خلط بين قضيتي البنك المركزي والمصرف لتجاري العراقي في تصريحاته خلال المؤتمر الصحفي الاخير”.