الدستور يُهان, من يحكم العراق القانون أم الدكَة العشائرية

الدستور يُهان, من يحكم العراق القانون أم الدكَة العشائرية

من يحكم العراق اليوم؟ هل هو الدستور الذي دفعنا من أجله دماء وأجيال أم التعصب القبلي الذي لا يزال يُسيّر الشارع العراقي وكأنه في زمن ما قبل الدولة؟
منذ أكثر من عقدين والعراقيون يتطلعون لدولة مدنية تحكمها المؤسسات وتُحتَرم فيها الكلمة الحرة لا تُكتم الأفواه ولا يُرهب المنتقدون, لكن ما نراه اليوم يعيدنا لزمنٍ كنا نظن أننا دفناه مع سقوط الديكتاتورية زمن العشيرة فوق القانون والتهديد العلني تحت ستار الغيرة،   والنخوة، والولاء الأعمى.
أين القانون من الدكَة العشائرية ألم يُصنَّف هذا الفعل في قانون مكافحة الإرهاب عام 2018 كجريمة؟ ألم يُعلن وقتها أن هذه الممارسة البالية تهدد السلم المجتمعي وتفتك بهيبة الدولة؟ كيف إذًا يُسمح لأفراد من عشيرة رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني أن يحاصروا منزل رجل عجوز، وحيد، لا سلاح معه سوى الكلمة؟ هل هذا هو الرد على من ينتقد الحكومة؟ التهديد والوعيد والتلويح بـالغضب العشائري.
الشاهد على ما جرى هذه الأيام هو الشعب العراقي بأكمله شاهدنا رجلًا كبيرًا في السن، هو عزت الشابندر، يُنتقد، ويُتهم، ويُحاصر لا لأنه خان أو فجر أو سرق بل لأنه تكلم فقط تكلم وكأن حرية التعبير صارت جريمة تستوجب القصاص العشائري,أين رئيس الوزراء من هذا؟ هل يسمح السوداني لنفسه وهو على رأس هرم السلطة التنفيذية أن يتوعد مواطنًا علنًا هل نحن أمام سلطة القانون أم سلطة الرد القَبَلي؟ بل أين الدولة من هذا المشهد المخجل؟ مشهد العشيرة تحل محل المحكمة والتهديد محل الرد السياسي والتجمهر المسلح محل الحوار.
حين عفا النظام السابق عن حسين كامل قال: الدولة تنازلت، لكنهم في ذات اللحظة قالوا,العشيرة لا تتنازل فهل نعيد اليوم نفس الخطاب بنفس اللغة ولكن بأسماء جديدة؟ هل نحن عاجزون فعلاً عن مغادرة عقلية الانتقام والشرف الزائف.
ليس في العراق اليوم دكَات عشائرية فقط بل دكَات دستورية تُهدد آخر ما تبقى من صورة القانون وما لم يقف الشعب والنخب والقضاء ومجلس النواب، بصرامة أمام هذه المهزلة، فلن تكون هذه الحادثة الأخيرة.
شاهدنا كيف تطوف عشيرة السوداني منزل رجلٍ أعزل، كبير في السن، لأنه قال رأيًا ولكننا لم نشاهد رئيس الوزراء يُدين هذا التهديد فهل يرضى أن يُكتب في التاريخ: في زمن محمد شياع السوداني
كان العرف أقوى من القانون، والعشيرة أعلى من الدولة.