كثيرا ما يجري انتقاد دستور 2005، وما فيه من ألغام، وكثيرا ما يجري تحميل الدستور مسؤولية كل سيئات العملية السياسية. وهنا لا بد من القول إن معظم سيئات العملية السياسية جاءت نتيجة الأداء السيئ لسياسيي الصدفة الطائفيين والفاسدين وغير الكفوئين وغير المتحرقة قلوبهم على الشعب العراقي، وغير المؤمنين حقيقة بالمواطنة ومبادئ الدولة الحديثة، وذلك أكثر مما يتحمل مسؤوليته الدستور نفسه، رغم الملاحظات المسجلة عليه، فإنه والتزاما بالموضوعية من أفضل دساتير دول المنطقة، وخاصة فيما ثبت في باب الحقوق والحريات، لكن السياسيين هم الذي انتهكوا الدستور ومبادئه. وهذا لا يلغي ضرورة إجراء التعديل الدستوري، وذلك بشكل جذري وشامل، وليس تعديلا ترقيعيا، ككل الأساليب الترقيعية التي اعتمدتها هذه الطبقة السياسية.
عام 2006، أي قبل اثنتي عشرة سنة، وبعد إعلاني استقالتي من حزب الدعوة، وذلك بعدما بدأ الافتراق السياسي والفكري بشكل متنامٍ ومتصاعد بيني وبين حزب الدعوة وعموم قوى الإسلام السياسي الشيعية، التي أنعتها بـ(الشيعسلاموية)، وذلك أثناء تجربتي معهم أثناء عضويتي في الجمعية الوطنية ولجنة كتابة الدستور، التي كنت فيها مقرر اللجنة الأولى المعنية بباب المبادئ الأساسية، التي كان يرأسها ممثل المرجعية أحمد الصافي، حيث كنت أسعى جاهدا للتخفيف من الصبغتين الإسلامية والشيعية للدستور. أقول بعد إعلان استقالتي من الحزب، الذي وصفته بأنه النسخة الشيعية العراقية لحركة الإخوان المسلمين، وعبرت عن عدم فهمي لاحقا كيف كنت عضوا في هذا الحزب طوال هذه المدة، بعبارة «بالتأكيد كنت أتمتع بقدر كافٍ من التخلف يؤهلني لأكون عضوا في حزب إسلامي»، لأني اكتشفت متأخرا إنه لم يكن يمثل عالمي، لكني انتميت إليه في لحظة ما قبل الرشد السياسي والفكري عندي، ومع هذا كنت متوهما إمكانية تحويله إلى حزب ديمقراطي مدني. أقول بعد استقالتي من الحزب، سرعان ما أخذت النزعة العلمانية التي كانت دائما كامنة في داخلي، تنمو عندي بشكل متسارع. ولأني عانيت من الشيعسلامويين في لجنة كتابة الدستور، لاسيما عبد العزيز الحكيم رئيس الائتلاف العراقي الموحد (169)، وهمام حمودي رئيس لجنة كتابة الدستور، وأحمد الصافي رئيس لجنة الباب الأول التي كنت مقررها، فكرت أن أطرح مشروعا لتعديل دستوري شامل، أسميته بـ «مشروع دستور 2025 .. الدستور العلماني للعراق» وقمت بمقارنة بين هذا المشروع المطروح آنذاك من قبلي ودستور 2005. رأيت في هذه المرحلة الحساسة، التي يشهد العراق احتجاجات واسعة، هي امتداد لما حصل عام 2011، ثم في عام 2015، ولكن هذه الأخيرة تتميز عما سبقها نوعيا، وليس كميا؛ رأيت أن أقدم أهم التعديلات الواجب إجراؤها، وفقا لرؤيتي الديمقراطية العلمانية، تاركا التفاصيل حاليا، وذلك ربما فيما سيستوعب عشرين حلقة، أو أقل قليلا أو أكثر قليلا.
وأبدأ في هذه الحلقة بالديباجة، رغم إن الديباجة ليست بتلك الدرجة من الأهمية، لكني ارتأيت عرض الديباجة البديلة، لكون الديباجة تعبر عن جوهر الدستور وتحدد مساره وأهم ملامحه، ولما اشتملت عليه ديباجة دستور 2005 من صبغة دينية وطائفية.
الديباجة البديلة المقترحة:
باسم الله وباسم الشعب
نحن شعب العراق سعيا منا لنصنع مستقبلنا بعيدا عن الاستبداد، والإرهاب، والعنف، والطائفية، لاسيما الطائفية السياسية، والمحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية، وبعيدا عن تسييس الدين، وعلى وفق مبدأ المواطنة، دونما تمييز على أساس الجنس أو القومية، أو الدين، أو المذهب، أو العشيرة، أو المنطقة، أو الموقع السياسي أو الاجتماعي أو الديني.
وإصرارا منا على تجاوز المحن المتعاقبة، والمضي قدما لبناء دولة القانون القائمة على مبدأ المواطنة بدلا من مبدأ المكونات، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتأكيد مبادئ الديمقراطية الحقة وأسس العلمانية، وانتهاج التعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، والتوزيع العادل للثروة، وتكافؤ الفرص للجميع.
تطلعا منا إلى تحقيق كل ذلك عبر إرساء نظام جمهوري اتحادي ديمقراطي علماني تعددي عصري، تتأكد فيه مرجعية الدستور، وسيادة القانون، ومبادئ حقوق الإنسان، ومبدأ المواطنة، وأسس العدل الاجتماعي والسياسي، والمساواة التامة غير المنقوصة للمواطن غير المنتمي إلى دين أو مذهب أو قومية الأكثرية بمواطني الأكثرية الدينية والمذهبية والقومية، وكذلك المساواة التامة غير المنقوصة للمرأة بالرجل في كل حقوق المواطنة بلا أدنى استثناء، ورعاية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وذوي الاحتياجات الخاصة والشرائح المحرومة، وإشاعة ثقافة التنوع والتسامح والسلام، ونبذ العدوان، ونزع فتيل العنف والإرهاب، وتحقيق العدل والرفاهية والتقدم، والتنمية الاقتصادية المستدامة، علاوة على استئصال الفساد المالي والإداري، ومقاضاة الفاسدين وسارقي أو مهدري المال العام، واسترجاع الأموال المسروقة.
آلينا على أنفسنا بكل مكونات شعبنا وأطيافه، أن نسن من منظومة القيم والمثل الإنسانية العليا، ومن مستجدات علم وحضارة الإنسان، ومن تجربتنا الذاتية وتجارب الأمم من عموم المجتمع الإنساني، هذا الدستور الدائم، الذي يحفظ الالتزام به للعراق وحدته أرضا وشعبا، تعبيرا عن اختيارنا الحر بكل مكونات شعبنا لهذه الوحدة، بعيدا عن المركزية، ويصون كرامة وحرية وحقوق الإنسان، ويحول دون الانتقاص من الأساسين الديمقراطي والعلماني للدولة، ويضمن للعراق سيادته الكاملة.
وسنتناول في الحلقات القادمة المواد والفقرات المقترح تعديلها أو حذفها أو إضافتها.