18 ديسمبر، 2024 9:46 م

الدستور العراقي بين التصويت والتحريف قراءة منهجية

الدستور العراقي بين التصويت والتحريف قراءة منهجية

تعتبر الدساتير في العالم الحر وثيقة عقد ترتقي الى حد القدسية بسبب انها تستمد شرعيتها من خلال استفتاء عام على جميع مواده لذلك تصبح هذة الدساتير محصنة من التغير والاضافة او الحذف إلا أذا وافق الشعب على ذلك من جديد. إن اضافة او حذف مجرد حرف في الدستور دون موافقة الشعب على ذلك يعتبر تجاوزا يصل الى حد الجريمة وهذا معروف ومسلم فيه. لكن المشهد في العراق بعد السقوط يختلف كليا بسبب بسيط ان الطبقة السياسية التي حكمت البلد لا تعير أهتماما برأي الشعب العراقي ولا تعير إهتماما بالمواثيق التي توقع عليها ولا بالقوانين التي تشرعها عند تعارضها مع مصالحها الشخصية والفئوية الضيقة. إننا في حقيقة الامر لم نستغرب كل ما يصدر عن هذة الطبقة التي تحكم العراق وفسادها الواضح للعيان والتي تعترف به في الاعلام لكن ما يثير إستغرابنا أن يصل الحال من السقوط لهذة الطبقة حدا يصل إلى تزوير الدستور الذي صوت عليه الشعب فهذة تعتبر من الجرائم المركبة والمستمرة في حق الشعب العراقي والدولة العراقية.
لنعود قليلا إلى الوراء كي نلقي الضوء على عملية التزوير التي مست الدستور العراقي بعد ان صوت الشعب عليه وكيف تم اضافة مواد جديدة أليه وكيف تم تغيير نصوص بعض المواد وكيف تم إضافة نقاط جديدة لبعض المواد كل ئلك حدث والشعب العراقي بعيدا عنه حتى بات واضحا ان مسودة الدستور الذي صوت عليها الشعب العراقي واصبحت قانونا تمثل دستور العراق تختلف كليا عن الدستور المزور الذي تستند اليه السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في تشريعها للقوانين والقرارات وفي إدارة الدولة العراقية.
نعود إلى سنة 2005، في هذة السنة تم توزيع مسودة دستور جمهورية العراق لغرض عرضه للاستفتاء عليه من قبل الشعب العراقي. هذة المسودة التي وزعت عبر العديد من المنافذ ومن أهمها منفذ البطاقة التموينية وصلت لكل عائلة عراقية واصبحت هي الوثيقة المطلوب الموافقة عليها او رفضها من قبل الشعب. المسودة الموزعة تحمل عنوان بالخط العريض “دستورنا بين ايدينا” ثم عنوان كبير كتب بالخط الاحمر “مسودة دستور جمهورية العراق” ثم بعد ذلك كتب بالخط الاخضر على اليسار “دستورنا خيمتنا”.
الان كمواطن قرأت هذة المسودة فوجدها في الصفحة الاولى والثانية هناك ديباجة حملت عنوان بين قوسين بعد البسملة (ولقد كرمنا بني أدم) ثم مواد الدستور التي بدأت بالصفحة 3 إلى الصفحة 52 وعدد المواد الدستورية في هذة المسودة 139 مادة دستورية اكرر ان عدد المواد 139 مادة دستورية. ثم يوجد ملحق يتضمن في الصفحة الاولى كلمة مذيلة باسم الشيخ الدكتور همام باقر حمودي وتحت الاسم كتب “اعداد رئيس لجنة مسودة الدستور” بعد ذلك من الصفحة 2 الى صفحة 22 يوجد شرح للبنود الذي تضمنتها هذة المسودة وعلى الغلاف من الخلف كتب من جديد بالخط الاخضر “دستورنا خيمتنا” ثم كتب اب/اغسطس/2005.
هذة المسودة تم الاستفتاء عليها من قبل الشعب العراقي في 15 تشرين الاول 2005 وقد تمت الموافقة عليها بنسبة 78% من المصوتين واصبحت تمثل القانون الذي يتم حكم العراق به حيث دخل حيز التنفيذ سنة 2006 وتوجد نسخة منه في كل بيت عراقي تقريبا واصبحت بحكم القانون لا يجوز إضافة او حذف ولو حرفا واحدا دون العودة إلى الشعب من جديد.
لكن ماذا حصل بعد ذلك؟
لقد تم تزوير هذا الدستور والتلاعب بنصوص مواده وإضافة مواد جديدة وكما يلي:
لندخل الان على موقع مجلس النواب العراقي للبحث عن نسخة الدستور المعمول فيها حاليا وتحكم الجمهورية العراقية، هل هي مطابقة للدستور الذي صوت عليه الشعب ام هناك إختلاف كبير بين النسختين؟
على موقع مجلس النواب توجد هناك نسخة من الدستور العراقي التي تختلف عن الدستور الاصلي هذة النسخة كتب على صفحتها الاولى “مجلس النواب” وتحتها “الدائرة الاعلامية” وتحتها بالخط العريض “دستور جمهورية العراق” وفي ذيل الصفحة في الوسط كتب “الطبعة السابعة” وتحتها “2013 م/بغداد”. عند تصفح هذة النسخة تجد هناك كارثة قد حدثت في أصل الدستور حيث تجد ان عدد المواد في هذا الدستور 144 مادة دستورية اما الدستور الاصلي يتكون كما قلنا من 139 مادة دستورية أي ان هناك خمسة مواد إضافية قد اقحمت في الدستور لم يصوت عليها الشعب.
السؤال الان ماهي المواد التي اضيفت؟
المواد التي اضيفت في الدستور المحرف:
اولا : اضيفت المادة (35) والمادة (36) مما أدى ذلك إلى ان المواد من 35 إلى المادة 57 في الدستور الاصلى اصبحت تحمل الارقام من 37 إلى 59 في الدستور المحرف.
ثانيا: المادة (57) في الدستور الاصلي تم تجزأتها إلى مادتين في نص الدستور المحرف أولا حمل رقم المادة 59 وثانيا حمل رقم المادة 60. مما أدى ذلك إلى ان المواد من 57 إلى المادة 109 في الدستور الاصلى اصبحت تحمل الارقام من 59 إلى 112 في الدستور المحرف.
ثالثا اضيف المادة (113) في النص المحرف مما أدى ذلك إلى ان المواد من 110 إلى المادة 137 في الدستور الاصلى اصبحت تحمل الارقام من 114 إلى 141 في الدستور المحرف.
رابعا اضيفت المادة 142 في النص المحرف مما أدى ذلك إلى ان المواد من 138 إلى المادة 139 في الدستور الاصلى اصبحت تحمل الارقام من 143 إلى 144 في الدستور المحرف.
سوف لن نأتي على ذكر نصوص المواد التي اضيفت بعد تصويت الشعب العراقي عليه وهي المواد 35، 36، 113، وتم تجزأت المادة 57 إلى مادتين ويمكن مراجعتها في النسخة الموجودة على موقع مجلس النواب المشار إليها أعلاه، ولكن لخطورة نص المادة 142 المضافة وخصوصا النقطة رابعا سوف نذكرها:
“المادة 142
أولا:- يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من أعضاءه تكون ممثلة للمكونات الرئيسية في المجتمع العراقي، مهمتها تقديم تقرير إلى مجلس النواب، خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر، يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراءها على الدستور، وتحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها.
ثانيا:- تعرض التعديلات المقترحة من قبل اللجنة دفعة واحدة على مجلس النواب للتصويت عليها. وتعد مقرة بموافقة الاغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس.
ثالثا:- تطرح المواد المعدلة من قبل مجلس النواب وفقا لما ورد في البند (ثانيا) من هذة المادة على الشعب للإستفتاء ، خلال مدة لا تزيد على شهرين من تاريخ إقرار التعديل في مجلس النواب.
رابعا:- يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحا، بموافقة اغلبية المصوتين، وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر.
خامسا:- يستثنى ما ورد في هذة المادة من احكام المادة (126) المتعلقة بتعديل الدستور، إلى حين الانتهاء من البت في التعديلات المنصوص عليها في هذة المادة.”
السؤال الآخر ماهي المواد التي تم التلاعب في نصوصها؟
المواد التي تم التلاعب في نصوصها هي المواد (1)، (3)، (4 ثالثا)، (8)، (9ج)،(18 اولا وثانيا) و المادة (131 اضيفت لها نقطتين خامسا وسادسا). وسوف نذكر هنا التلاعب في نص المادة (1) فقط ويمكن مراجعة البقية والمقارنة بين النسخة الاصلية المقرة من قبل الشعب وبين النسخة الموجودة على موقع مجلس النواب الطبعة السابعة.
المادة (1) في الدستور الاصلي تنص على
“جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي اتحادي”.
تم التلاعب بهذا النص واصبح يقرأ بالشكل التالي
“جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي اتحادي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق.”.
بعد كل هذا التحريف من اضافة مواد والتلاعب في نصوص مواد واضافة نقاط الى مواد نستطيع القول ان الجمهورية العراقية محكومة من 2006 ولحد الان من خلال دستور مزور لا يمت بصلة إلى الدستور الاصلي الذي صوت عليه الشعب وان تسلسل المواد قد اختلف مما يعني جميع التشريعات وغيرها استندت إلى مواد لا علاقة لها بالتشريع لو تم اسقاط هذا التشريع على مواد الدستور الاصلي، إنها بحق كارثة كبرى. كما اننا لاحظنا إن أغلب هذة التغيرات تصب في مصلحة جهة معروفة لدى الشعب. نقول للطبقة السياسية التي حكمت البلد بعد السقوط، ما هكذا تورد الابل، هل هو استغفال للشعب العراقي أم هو إنتقاص من هذا الشعب أو هو غباء من قبل هذة الطبقة…إنه بالتأكيد غباء وغباء مركب ايضا. إننا نستغرب لماذا لم يتم الاعتراض على هذا التزوير الحاصل في الدستور ونخص بالذكر السادة رؤساء الجمهورية المتعاقبين وأخرهم السيد برهم صالح وهم ملزمون بموجب المادة 64 في الدستور الاصلي على ضمان الالتزام بالدستور. كذلك نستغرب للسيد رئيس السلطة التشريعية والسلطة التشريعية عموما كيف وافقوا على اصدار تشريعات تستند الى مواد دستور مزور وكذلك السلطة التنفيذية كيف ارتضت ان تقترح مشاريع قوانين تستند إلى دستور محرف، واخيرا نضع هذة القراءة أمام السيد المدعي العام ونطلب منه فتح تحقيق بالموضوع فهو حق عام قد تم التجاوز عليه مما اثارس لدينا مجموعة من الاسئلة تحتاج إلى إجابة وهي:
من الذي تلاعب في نصوص الدستور واضاف مواد جديدة؟
لماذا لم تحترم لجنة إعداد مسودة الدستور الذي وزع على الشعب وتمت الموافقة عليه توقيعها؟
لماذا لم يعترض السيد رئيس الجمهورية الحالي؟
لماذا السلطة التشريعية والتنفيذية تصمت على ذلك؟…وغيرها الكثير.