23 ديسمبر، 2024 2:54 م

الدستور الدائم في العراق اعلان رسمي للصراع والتقسيم

الدستور الدائم في العراق اعلان رسمي للصراع والتقسيم

تعد الدساتير في دول العالم المتحضر رمزا وطنيا لايمكن التجاوز عليه وضمانات عليا لتطبيق القوانين وسير البلد على نهج منظم ومنتظم يكفل حقوق المواطنين وينظم العلاقة بين السلطات المتعددة في البلد . وتصاغ الدساتير المكتوبة بما يضمن عدم تلاعب القوى السياسية بها وتهدف الشعوب عادة من دساتيرها الى وحدة بلدانها واستقرارها السياسي بالدرجة الاساس ولكن الدستور العراقي الدائم الدائم النافذ حالياً والذي تم قبوله من غالبية الشعب العراقي في الاستفتاء الذي جرى تاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر 2005 بعد إقراره من قبل الجمعية الوطنية العراقية الانتقالية جرى على غير العادة المتبعة فتم اعداده على عجل وصياغته تجعله عبارة عن قنابل موقوتة يمكن ان تنفجر في اي لحظة فتسبب دمار من فجرها ومن فجرت عليه ولا يسلم منها من يحمل حرصا على العراق شعبا وبلدا .
 وعلى الرغم من ان الشعب العراقي قد وافق على الدستور وبنسبة كبيرة الا ان ذلك لايدل على صحة الدستور انما يدل على ضعف الوعي السياسي لدى عموم الشعب وعدم قدرته على التعبير عن رايه باستقلالية فتم توجبهه الى قبول الدستور من دون ان يقراه او يدرك معانيه الحقيقية والذي ساهم بذلك ايضا هم الكثير من الذين يسمون انفسهم ويسميهم الاعلام بالخبراء السياسيين والستراتيجيين والامنيين فقد اعتمد الكثير من العراقيين على مايقوله هؤلاء عن الدستور باعتبارهم يمثلون الطبقة المثقفة والمختصون بالموضوع الا انهم لم يكونوا بالمستوى المطلوب لفهم الدستور وتوضيح مبانيه ومعانيه الحققية فاعتبر من قبلهم ومن غيرهم بانه واحد من الدساتير الراقية عالميا وافضل دستور في المنطقة كما ساهم غالبية (رجال الدين) بنفس السياق والاتجاه فتم بالنتيجة قبول الشعب العراقي للدستور .
الا اننا نرى ان هذا الدستور مخالف في حقيقته لما وصف به فهو يحمل الكثير من المتناقضات التي تجعل تطبيقه صعبا كما تضمن العديد مما اعتبر حقوقا للمكونات الا انها موارد لصراعها وهو من الضعف الى درجة ان بعضا من مواده الرئيسية لم تفهم بشكل متفق عليه بين السياسيين والاكاديميين والمعنيين بذلك مما سبب صراعا كبيرا بين المكونات وسياسييها اضر كثيرا بالعملية السياسية والشعب العراقي . ونعتقد ان هذا الدستور هو بؤرة للصراع بين العراقيين ومقدمة لتقسييم البلد الى عدة دويلات ومن اجل بيان ذلك وتوضيح الحقيقة للشعب العراقي نقدم هذه الدراسة للدستور نثبت بها من خلال بعض مواده بانه اعلان للصراع والتقسيم عسى ان يستفاد منها من يهمه الامر من اهل العراق.
 (المادة 9) : اولاً: تتكون القوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية من مكونات الشعب العراقي بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز او اقصاء).
لقد ذهب الدستور العراقي بعيداً في مسألة تمثيل المكونات في اجهزة الدولة فاذا كان هذا الامر مطلوباً على الصعيد الحكومي والقانوني من اجل ضمان حقوق جميع المكونات عن طريق اشتراكها في رسم مسار الدولة وصياغة المشاريع واصدار القوانين واتخاذ المواقف المطلوبة وحسب المرحلة والحاجة اليها كما هي سمات التوافقية فان شمول الجيش والشرطة والاجهزة الامنية بهذه الاجراءات امر يثير الحساسية والمشاكل بين المكونات اكثر من كونه اداة لتكاتفها وتوحدها في مواجهة الاخطار اذ ان هذه الاجهزة والمؤسسات تكون في جميع الدول المتحضرة والمستقرة امنياً وسياسياً بعيدة عن الصراعات الحزبية والميول السياسية ولا تتدخل في عمل السلطة التنفيذية بل انها تكون ضامنة للعملية السياسية المبنية على اساس التداول السلمي للسلطة بسبب كونها اجهزة مهنية وتؤدي عملها بشكل مستقل عن الانتماء الحزبي او القومي او الديني او المذهبي. فالجيش يفترض ان يكون مؤسسة وطنية فوق الميول والاتجاهات واجبه الرئيسي حماية الوطن والشعب من اي اعتداء خارجي والسهر على السيادة الوطنية بالمحافظة على الحدود بحالتها المثبتة في المواثيق والمعاهدات الدولية وليس من مهامه ان يقف مع المسؤولين في صف واحد لقمع الشعب والتجاوز على كرامته وسلبه حريته وحقوقه التي قررتها الشرائع السماوية ونص عليها الدستور وليس من واجباته ولا من اخلاقياته ان ينحاز الى مكون معين ضد المكونات الاخرى. وكذلك الشرطة والاجهزة الامنية فانها يجب ان تحمل مبادىء وطنية واخلاقية سامية اذ ان طبيعة عملها حفظ امن الشعب والسهر على راحته بعيداً عن الانتماءات العرقية او الدينية او المذهبية او السياسية وانما يحكم عملها الدستور والقانون وتعمل هي على تطبيقة والدفاع عنه.
ان النص الدستوري المذكور انفا يشترط ان تكون نسبة تمثيل مكونات الشعب العراقي في المؤسسات والاجهزة العسكرية والامنية مساوية لنسبها الحقيقية على الصعيد السكاني وهذا يعني تقسيم مناصب القادة والامرين والضباط في هذه الاجهزة بين الشيعة والسنة والكرد والتركمان والمسيح والصابئة والايزدية والشبك وباعداد مناظرة للنسبة السكانية لكل مكون ويتبع هذا المعنى وينتج عنه ان عدم اعطاء مكون معين نسبة من اعداد الضباط والقادة تراعي وجوده العددي الحقيقي يعد عمل مخالف للدستور واقصاء لهذا المكون من هذه المؤسسات ويحق له ان يتقدم بشكوى الى القضاء للمطالبة باسترداد الحق المسلوب منه.
ومن جهة اخرى فان تطبيق هذا النص الدستوري يجعل الجيش والمؤسسات الامنية الاخرى ضعيفة في تماسكها وفي مواجهة الاخطار واداء الواجبات بسب تحولها الى قطاعات متنافرة تعتمد الانتماء الى المكون اساساً لعملها وبالتالي فانها تميل الى مكوناتها اكثر من ارتباطها بعملها، الذي تؤديه في هذه الحالة بعيداً عن المهنية والحيادية، مما يجعلها تعصي الاوامر الصادرة لها اذا كانت تتعلق بمكوناتها او افراد ينتمون اليها.ومن جهة اخرى فان هذا النص يعمق الصراعات المذهبية والقومية والدينية ويفسح المجال للاحزاب والقوى الشعبية ان تتدخل في عمل المؤسسات العسكرية والامنية عن طريق ارتباط القادة والضباط والمسؤولين العاملين فيها بالاحزاب والتنظيمات التي رشحتهم الى مناصبهم او التي تمثل مكوناتهم القومية او المذهبية حيث يكونون عينا لها ينقلون مايجري في مؤسساتهم الى الاحزاب التي توجههم وينفذون تعليماتها بعيدا عن الاوامر والتعليمات المهنية السليمة وبهذه الطريقة تنتقل الخلافات او الصراعات التي تحصل بين المكونات او التنظيمات او الاحزاب المتصارعة الى المؤسسات العسكرية والامنية مما يحولها الى اداة فوضى وصراعات بدلاً من ان تكون اداة لاحلال الامن والسلام وتثبيت النظام ومحاربة الخارجين عن القانون فالضابط الشيعي مثلاً لاينفذ الاوامر التي تصدر من القائد السني اذا كانت هذه الاوامر تسبب الاذى والضرر على افراد او قطاعات او مناطق تحسب على المكون الشيعي وكذلك الامر بالنسبة للضابط السني مع القائد الشيعي وذلك بسبب حالة انعدام الثقة بين المكونات والاحزاب وارتباط الضباط باحزابهم ومكوناتهم اكثر من ارتباطهم بمؤسساتهم العسكرية والامنية.
 ان النص الدستوري المذكور انفاً يمهد لخلق حالة من الفوضى والخلافات في المؤسسات الامنية بما ينعكس سلباً على الوضع الامني ويوفر نوعاً من الحماية للخارجين عن القانون والمطلوبين للعدالة.
 ومن اجل ان تؤدي القوات العسكرية والمؤسسات الامنية عملها بمهنية وحيادية عالية فانه يجب على قادة العراق الجدد وهيئاته التشريعية وجميع القوى التي تؤمن بوحدة العراق ارضاً وشعباً ان تعمل على تعديل هذه المادة لجعل الانتساب الى هذه المؤسسات على وفق شروط مهنية محددة كما هو معمول به في دول العالم المتحضرة ومن دون اي مراعاة لمسألة توازن نسب المكونات وبعيداً عن الانتماءات القومية او المذهبية او الدينية التي تسبب تعدد الولاءات في هذه المؤسسات.
 والمتابع للشان السياسي والامني يلاحظ تعالي اصوات حكومية وبرلمانية تنتمي الى مكون معين بالضد من بعض الاجراءات التي يطبقها في مناطق مكوناتهم كبار القادة العسكريين والامنيين الذين ينتمون الى مكون اخر كما جرى في بعض المناطق والمحافظات وكذلك يلاحظ استخدام بعض القادة والامرين سلطتهم على من دونهم من الرتب والمراتب لتوجيه اصواتهم الانتخابية الى مكونات معينة او حتى الى الاحزاب التي ينتمي او يميل اليها اولئك الضباط بشكل بعيد عن الحرية والكرامة وحقوق الانسان ومبادىء الديمقراطية
هذه المقالة مستلة من كتابي (الديمقراطية التوافقية العراق انموذجا ) الذي صدر عام 2011 في بغداد