18 ديسمبر، 2024 6:02 م

الدروس والعبر من مظاهرات والاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة في كازاخستان

الدروس والعبر من مظاهرات والاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة في كازاخستان

جمهوريات أسيا الوسطى الناطقة باللغة التركية الخمسة التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي السابق احيانا يخلط الكثيرون فيما بينها، بسبب قربها فيما بينها وتشابه نهاية أسمائها . ولكن هناك تتباين بين هذه الدول في درجات نموها وطبيعة أنظمتها السياسية ومدى استقرارها الداخلي ونوعية التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها منذ نشأتها واستقلالها عن الاتحاد السوفيتي السابق قرابة 30 عاما.
طبعا تبدو جمهورية كازاخستان التي هي الأكبر مساحة والأكثر نموا وتميزا لجهة النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي والاجتماعي .

والسبب الأول يـُعزى إلى ثروات البلاد الكثيرة من النفط والغاز الطبيعي والمعادن والفحم معطوفا على ما ورثته من الاتحاد السوفياتي في مجالات التصنيع والعلوم والكوادر الوطنية المدربة ونسبة المتعلمين في البلد 95% من السكان، والعامل الثاني القبضة الصارمة لمؤسس الجمهورية الحديثة رئيسها الاول بعد الاستقلال «نور سلطان نزارباييف» الذي تولى القيادة في 1990 ثم أعيد إنتخابه مرارا الى ان سلم السلطة الرئاسية الى الرئيس الحالي توكاييف.

في الدول الغربية يوصف الرئيس السابق نزارباييف بالديكتاتور، وينعت نظامه بالفاسد، لكن ما يميز الرئيس نزارباييف أنه سلك إلى حد ما مسلك المستبد العادل الذي قد يقسو لكن بهدف حماية بلاده ومواطنيه من الفوضى، وقد يستفيد شخصيا من بعض ثروات البلاد لكن يستثمر الكثير منها بالتزامن في رفاهية شعبه ونهضة بلاده.
وحوّل عاصمته الجديدة (أستانا- نورسلطان ) إلى مدينة تستضيف المؤتمرات والقمم والمنتديات الاقليمية والدولية، فذاع صيتها في العالم . ونقل بلاده إلى مصاف الدول المحترمة في المجتمع الدولي بموافقته الطوعية على التخلص من ترسانته النووية الضخمة المتبقية من زمن الاتحاد السوفيتي .
من هنا نجحت كازاخستان، على العكس من جاراتها ، في عملية المفاضلة بين الأمن والرخاء في مواجهة الديمقراطية والحريات، فصارت تتمتع بمناخ سياسي مستقر يصاحبه نمو اقتصادي مستمر، ونجحت كازاخستان في جذب الاستثمارات على الساحتين الاقليمية والدولية. مؤخرا بعد قرار الرئيس التنازل عن جزء من صلاحياته للبرلمان والحكومة في خطوة فاجأت المراقبين المحليين والدوليين .
ولكن البعض رأى في القرارمحاولة من الرئيس للتهرب من المسؤولية وتحميلها للحكومة والبرلمان. وهذا ماحصل بالفعل في الاضطرابات الاخيرة حيث قال الرئيس قاسم جومارت توكاييف، إن الحكومة تتحمل الذنب الاكبر بشكل خاص عن اندلاع الاحتجاجات في عموم البلاد مؤخرا.

أشار توكاييف، إلى أن ذنب الحكومة، يكمن في أنها سمحت بانفلات الوضع المتعلق بالاحتجاج على ارتفاع أسعار الغاز المسال ومن جهته أعلنت الشرطة في المدن الكازاخية التي اندلعت فيها الاحتجاجات أنها اعتقلت أكثر من مئتي شخص في الاحتجاجات التي هزت مدنا عدة في الدولة بسبب ارتفاع أسعار الغاز والمواد الغذائية الضرورية.
وأدت هذه التظاهرات بما فيها تلك التي فرقتها الشرطة في ألماتا، بالقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع ليل الثلاثاء الأربعاء إلى إقالة الحكومة بقرار من الرئيس قاسم جومارت توكاييف.
وأُعلنت حالة الطوارئ حتى 19 كانون الثاني/يناير في مناطق عدة بما في ذلك العاصمة الاقتصادية ألماتي حيث سيسري حظر تجول من الساعة 23,00 حتى الساعة السابعة بالتوقيت المحلي.وقالت وزارة الداخلية في بيان الأربعاء إن أكثر من مئتي شخص اعتقلوا لانتهاكهم النظام العام. واضافت أن 95 شرطيا جرحوا خلال هذه التظاهرات النادرة في كازاخستان التي كانت من احدى جمهوريات اتحاد السوفيتي السابق.
إن عدم الرضا من قبل أتراك كازاخستان الذي حدث في مدن متفرقة من كازاخستان بشأن ارتفاع الأسعار الغاز والمواد الغذائية ، مما تسبب في الكثير من أعمال الشغب وتخريب الممتلكات العامة . خلال ذلك اعتذر الرئيس الكازاخي توكاييف من الشعب، وأعاد الزيادة المزمع رفعها في اسعار الغاز إلى الوضع السابق .
طبعا أنا على يقين من أن الأحداث لن تنتهي بهذا الشكل في كازاخستان وأن مخاطر أكبر تنتظر جمهورية كازاخستان لان هناك ايادي خارجية لاتريد الاستقرار لجمهوريات التركية في اسيا الوسطى. ولن تكون من السهل أبدا أن تهدأ أمة انتفضت ضد حكومته ووقفت مجرد تقديم الاستقالة للحكومة الفسادة.
كانت الحكومة الكازاخية تتخذ خطوات في رفع الاسعار الغاز والمواد الاولية دون النظر للوضع المادي والمعيشي الحقيقي للشعب وتفكر الحكومة بأنها ستستمر على هذا النحو من دون ردود شعبية ضد قراراتها الظالمة. يجب أن تفهم السلطات في كل الجمهوريات أسيا الوسطى بأن الوضع في بلدانهم أكثر تعقيدا من كازاخستان ويجب أن تتخذ تدابير وقائية بشأن الزيادات الأخيرة في الأسعار المواد الاولية وكذلك الغاز والنفط . يجب أن يعرف الجميع أن عدم الرضا الشعبي التي يمكن ان تحدث في تلك البلدان لن ينتهي أبدا كما في كازاخستان وستكون له عواقب أشد.
الان في هناك في بعض المدن كازاخستان اعلنت حالة طوارئ. تم فرض قيود على حرية التنقل بما في ذلك المركبات الخاصة.
هناك احتجاجات حاشدة واشتباكات مع الشرطة ونزول المدرعات الى الشوارع وهناك إطلاق النار في بعض عشوائي من قبل بعض الدخلاء والمخربين واحرقت سيارات الشرطة واطلقت الغازات المسيله للدموع وقطعت الإنترنت وحجبت مواقع التواصل الاجتماعي – كل هذا كان نتيجة زيادة حادة في الاسعار الغاز من 60 تنغة إلى 120 تنغة وكذلك كانت هناك ارتفاع حاد في اسعار المواد الاولية.
في البداية قال رئيس كازاخستان توكاييف إن السلطات لن يتراجع من قراره وحث الجميع على التحلي بالحكمة والهدوء. رداً على ذلك، قام المتظاهرين بحرق سيارات الشرطة ورشقوا سيارات ومصفحات الامن الخاص الأومون المصفحة بالحجارة وقنابل المولوتوف وحرق قسم الكبير منها.

هنا لابد من القول إذا كانت دول المجاورة مهتمة بتدهور الوضع في كازاخستان، فلا بد من أخذ كافة التدابير الوقائية . طبعا هذا الامر ينطبق على كافة البلدان المنطقة مثلا إذا أخذنا في الحسبان أن التركيبة العرقية والجغرافية لأذربيجان هي معقدة على عكس كازاخستان، يمكن أن يكون حجم الخطر أكثر وكذلك في اوزبكستان وقيرقزستان وتركمانستان.
..