7 أبريل، 2024 6:59 م
Search
Close this search box.

الدروس السياسية المستنبطة من المعاهدات الأمريكية : نيو ستارت إنموذجآ !

Facebook
Twitter
LinkedIn

في 26 مايس 1972 تم في موسكو التوقيع على نتائج محادثات خفض الأسلحة الأستراتيجية التي سميت بـ ” معاهدة سالت 1 ” The Strategic Arms Limitation Talks (SALT) من قبل الرئيس السوفيتي ليونيد بريجنيف والرئيس الامريكي جيمي كارتر .
ثم امتدت سلسلة من المباحثات على هذه الاسس لتنتج عن اتفاق تم التوقيع عليه في فيينا بأسم سالت 2 بتاريخ 18 حزيران 1979 من قبل الرئيسين انفسهم للحد من تطوير صواريخ ونشر منصات صواريخ متعددة من ضمنها الصواريخ النووية المتوسطة المدى ,
إلا ان الرئيس كارتر ابلغ مجلس الشيوخ الأمريكي بعدم التصديق على الإتفاق بسبب الغزو الذي قام به الأتحاد السوفيتي لأفغانستان في 24 كانون الأول 1979 , ورغم ذلك تعهد الطرفان بالإلتزام ببنود الإتفاق رغم عدم دخوله الى حيز التنفيذ .
ثم جاءت معاهدة ستارت 1 الموقعة في 31 تموز 1991 من قبل الرئيس الروسي غورباتشوف والرئيس الأمريكي جورج بوش الأب , ودخلت حيز التنفيذ في 5 كانون الأول 1994 , وانتهى العمل بها في 5 كانون الأول 2009 , لتستبدل بمعاهدة جديدة تم التوقيع عليها من قبل الرئيس اوباما والرئيس الروسي ديمتري مدفيديف ,
سميت ستارت 2 وكانت بجوهرها المركزي بداية جديدة تحددت بها اسس العلاقات في مجال انشطة السلاح النووي والسياسة التي تتحرك بمنطق القوة , وبهذا كانت امتدادآ لمعاهدة ستارت 1 لتدخل حيز التنفيذ في 26 كانون الثاني 2011 .
الجدير بالذكر ان اول من دعا الى المباحثات للحد من الأسلحة الإستراتيجية هو الرئيس لندن جونسون عام 1967, إذ رأى من الصعب القضاء على الأسلحة النووية , بينما الحد من تطوير كل من الأنظمة الإستراتيجية الهجومية والدفاعية من شأنه ان يعمل على استقرار العلاقات بين امريكا وروسيا .
وتم تمديد المعاهدة الجديدة لمدة خمسة سنوات اخرى عام 2021 عندما تولى الرئيس بايدن مقاليد منصبه في إدارة الدولة , وهي المعاهدة الأخيرة التي كانت كسابقاتها بمثابة الكاشف الحدسي في المجالات السياسية المتصلة بحسن النية وصدق تجربة الحد من الاسلحة النووية واثرها في تحليل المواقف السياسية .
ولكن هل العلاقات الروسية – الأمريكية كانت تسير منذ انتهاء الحرب الباردة التي امتدت من 12 آذار 1947 الى 26 كانون الأول 1991 بشكل جيد ومنتظم من ناحية تنفيذ بنود المعاهدات والأتفاقيات وخاصة نيوستارت الاخيرة ؟ وماهو السبب ؟
الجواب : بالطبع كلا . والسبب هو دائمآ الولايات المتحدة الأمريكية , فهي منذ ان بدأت بتشكيل حلف الناتو في 4 نيسان 1949 , وضعت رأسها برأس روسيا وقامت بتصدير القلق لأوربا من اجل دفعها الى الإنضواء تحت جناحها , , إذ لم تكتف بدور الهيمنة على العالم مستفيدة من انهيار الاتحاد السوفيتي ,
بل عمدت على تأزيم الوضع في اوربا الشرقية خوفآ من ان تلتم الى جانب روسيا الأتحادية لاسيما انها بدأت تضع نفسها في فك الاقتصاد الروسي من ناحية وقود النفط والغاز, أو تتفكك الى الإستقلال بسياساتها بعد زوال الأتحاد السوفيتي وتفقد هي دورها في الشرق الأوربي ,
لذلك تم التخطيط على جعل اوكرانيا وهي الدولة الواسعة من الناحية الجغرافية لتكون كالقفل المانع الذي يضمن ديمومة ضعف روسيا الاتحادية بعد الإنهيار السوفيتي من ناحية , ويضمن القوة الروسية النسبية كدولة عظمى في العالم بعد تقاسمها الأسلحة مع دول الاتحاد السوفيتي المستقلة من ناحية اخرى.
بهذا التأزيم في شرق اوربا انساقت روسيا الإتحادية الى الحرب مع اوكرانيا بسبب مخاوفها الأمنية التي دأبت امريكا على تجاهلها لغاية ان فقدت روسيا توازنها لتجد نفسها في حرب طاحنة سيتقرر عليها مصيرها كدولة عظمى منافسة لأمريكا .
وهكذا فعلت امريكا بمفهوم المدرسة السياسية القديمة التي إتبعتها كل الإدارات الأمريكية والتي شيّدت بها علاقاتها مع الغرب والعالم , وهكذا فعلت من قبل عندما ذهبت الى الشرق الاوسط لتضع اقطاره العربية في لعبة القلق من العراق قبل السقوط والقلق من ايران الاسلامية بعد حرب الثمان سنوات لتضمن هيمنتها على ثرواتها ,
ففي العراق , وهو البلد الذي يهمنا شأنه السياسي , سعت امريكا الى إضعافه ومن ثم تدميره لإقفال مساحته الجغرافية امام تهديد الكيان الصهيوني , وللسيطرة على دول الخليج العربي التي اعتادت على التكنولوجيا المعاصرة والثقافة الأوربية للهروب من رتابة الحياة مقارنة بالدول العربية الفقيرة , وهاهي دول الخليج الآن , معسكر شرق –اوسطي مقيّد عن دعم حركة النضال العربي الفلسطيني ضد الإحتلال الصهيوني من ناحية ,
وعن دعم روسيا في الوقت الحاضر , او الانحياز لها من كافة النواحي السياسية , بل هذه الدول الخليجية اصبحت مدموغة بالطابع السياسي الأمريكي , وتابعة له بالكامل وخاصة دول التطبيع مع الكيان الغاصب , كما هو حال المعسكر الغربي الذي فقد مصداقيته في المثل والقيم التي يدعوا اليها والتي اظهرت تناقضآ واضحآ في اثناء الحرب الروسية – الاوكرانية , فضلآ عن خططه بالتملص من الفك الأقتصادي الروسي الذي بدأ يتسلل منه بأوامر وخطط من امريكا من ناحية اخرى .
بهذه السياسة الموالية لامريكا التي خضعت لها بعض الدول العربية ودول الاتحاد الاوربي , لابد ان تتم مراجعة للمعاهدات والإتفاقيات المبرمة بين الدول وبين امريكا والنظر اليها بواقعية والاستفادة من الدروس التاريخية للمعاهدات السابقة التي مهدت الطريق الى هذه السياسة الموالية ,
لأن نجاح الدول في ناحية السيادة والأستقلال ليست بتوقيع المعاهدات مع الدول الكبرى التي تسعى بها الى التفكيك بعد إعادة انتاج القادة السياسيين الموالين لها فحسب , بل بالخصوصية السياسية التي تبني النموذج السياسي الذي يرتكز على القيم التأريخية والثوابت الأخلاقية التي لاتقلبها المعاهدات في يوم وليلة رأسآ على عقب .
وبهذا الصدد فقد علّقت روسيا الأتحادية في الحادي والعشرين من شباط الحالي الإستمرار بمعاهدة نيو ستارت 2 الداعية الى تحديد الترسانة والسماح لمفتشين امريكيين وروس على حد سواء للتأكد من امتثال الجانبين , وقد اتهم الرئيس بوتن الغرب بالتورط المباشر في محاولات ضرب قواعد بلاده الجوية الأسترالتيجية , بينما علّق الرئيس بايدن على ذلك بكلمتين : خطأ جسيمآ .
واذا تأملنا بنية الاتهام الروسي , لاشك يتبين لنا ان الروس ينظرون نظرة شك من ان فرق التفتيش الامريكية ستكون جزء من نهج التجسس على قواعدها الاستراتيجية المتنوعة , وهذا الشك ليس ببعيد عن وجهة نظر الروس الخاصة بذلك الجزء الجوهري من عمل المعاهدة طالما طغى على الأوربيين حلم اصطياد القواعد الجوية الروسية المتكرر بالمحاولات يوميآ .
هذه الدلالة السلبية عن دور المعاهدة جاء من فعل الحرب على القواعد الجوية التي شكلت جزءً من الصفقة الخاصة بتخفيض الاسلحة النووية , إن لم يكن هناك سببآ فعليآ آخر تمخض عن زيارة المفتشين لتلك القواعد ولم يكشف عنه .
ان دراسة فقرات المعاهدة ومقارنتها مع احداث غير محتملة الحدوث لاتنتج الشك الا عندما تتكرر الاحداث ليدل عليها الحدس المرتبط بالصور الذهنية لفقرات المعاهدة المخزونة بالعقل, وهذا ماحدث في الواقع من جراء تلك المحاولات الأوربية المتكررة على القواعد الجوية الروسية .
بهذا الخرق في فقرات المعاهدة الذي تعودت عليه امريكا بدلآ من اتباع القيم الانسانية , يذكّر بدرس الإتفاق الأمني الذي تم بين الحكومة العراقية وامريكا المحتلة عام 2008 والذي تم رفضه من قبل قوى اخرى معارضة . ففي عام 2014 عندما دخلت قوى الظلام عن طريق تركيا الأردوغانية وعاثت بالأرض فسادآ ,
ويذكّر أيضآ بخرقها لإتفاق اوسلو مع الفلسطينيين ما جعل الصهاينة يفعلون مايشاؤون من اغتصاب للأرض المتكرر يوميآ في سباق نحو إخلاء الأرض من الفقلسطينيين , وفي تعمد اغتيال قادة في الحشد الشعبي على يد الرئيس ترامب الذي اعترف وقاحة وصراحة وشخصيآ انه هو من اعطى الأمر بالتنفيذ متجاوزآ بذلك شرط المداولات الأستراتيجية والمباحثات الدبلوماسية اثناء التهديدات للسيادة العراقية المنوه عنها في الإتفاقية .
كانت القوات الأمريكية هي التي تبنت طرق الإمداد اللوجستية لهذه القوى وقد تم رصدها بالصوت والصورة وهي تلقي بالأرزاق والأسلحة لإدامة عدوانها تحت صمت إدارتها في عهد اوباما , لكي تصنع مقدمة اخرى لمفاوظات مع الحكومة من اجل ابتزازها وجرها الى اتخاذ موقف جديد من قواتها المتواجدة أو لإبتزازها إقتصاديآ مثلما فعلت بجولات التراخيص النفطية ,
وهذه المقدمة شبيهة بالمقدمة التي صنعتها لتدهور سعر الصرف بالدينار العراقي لجر الحكومة العراقية الى موقف ابتزازي آخر لصيغة عمليات التحويلات المصرفية بإستخدام المنصة الألكترونية وامور اخرى إقتصادية لم يكشف عنها النقاب , وقد تم لها ذلك .
أما موقف الحكومة من احداث 2014 فلم يخضع للإرادة الأمريكية بسبب تعاون ايران الإسلامية مع القوى الوطنية التي انضوت تحت جناح فتوى الجهاد الكفائي واندحرت قوى الشر وباءت بالخيبة والفشل كل مخططات امريكا الداعية الى تقسيم العراق كهدف مركزي تبنته مسبقآ في تلك المرحلة .
بهذه الدروس يبدو ان الأمر يتكرر على يد الأتحاد الأوربي المدعوم من أمريكا , وهو الأمر نفسه يتكرر اثناء الحرب الروسية – الاوكرانية مما دعا بوتن الى تعليق العمل بالمعاهدة المذكورة المسماة نيو ستارت 2 , إذ كيف تستمر معاهدة الحد من الأسلحة الأستراتيجية وامريكا في مواجهة عسكرية غير مباشرة مع روسيا ؟
وهو امر يدعو السياسيين وخاصة بالعراق الى عدم توقيع اي اتفاقية او معاهدة مع امريكا لأن افعالها التي تصح على روسيا يمكن ان تصح ايضآ على العراق في المستقبل والإنتباه من الإستجابة الى تبريراتها والاندفاع الى تبنيها وهي على الدوام تتطلع الى دور البقاء بتواجدها العسكري ذو الخصائص السلبية اثناء التهديدات الامنية ,
والى البقاء على عدم استقراره السياسي من خلال دورها في دفع قوى اخرى غير قوى الظلام التي قاتلت العراق بالنيابة عنها , وهذه تمثلت بعيون شبقة لسياسيين يدعمون التمييز بين الشعوب الشقيقة وقلب الحقائق التأريخية طمعآ في ثروات مياهه ومواقع موانئه الإستراتيجية لتصنع منها مسببات صراع طويل الاجل لتحصد ثمارآ هجينة من جراء ابتزاها من الطرفين كما فعلت بدول البلقان بعد الحرب العالمية الثانية.
في الختام , من الواضح ان الروس ادركوا من خلال حربهم مع الأوكرانيين , ان الامريكيين على الرغم من المعاهدات الموقعة سواء بينهم وبينها او المعاهدات الموقعة بين امريكا ودول العالم , فهي لاتجنب الصراع العسكري ولا تجنب القلق المزروع في قلوب القادة الاوربيين على سبيل المثال ,
فالدور الذي تلعبه امريكا مع اوربا بالحرب الروسية – الاوكرانية هو الاسلوب نفسه الذي لعبته بين العراق ودولة الكويت للوصول الى هدفها بصنع الحرب لكي تجرب فيها اسلحتها المتطورة كهدف اول ومن ثم تقاسم الثروات النفطية المستولى عليها بالترسيم الحدودي المضحك الذي لايمت بصلة للتأريخ , بل يمت بصلة مع خطط التدمير الذي اعدته للعراق .
فهي لم تتورع بكل مايدعو الى تعميق الخلاف بين الدولتين بالكذب والتلفيق والروايات الكاذبة نفسها التي لعبتها مع روسيا من انها ستقوم بغزو بولندا وفلندا والسويد لكي تدفع هذه الدول الى الأنضواء تحت جناح حلف النيتو .
بين فكي هذه الدولة ذات الطبييعة العنصرية التي يصعب على الدول تجنبها إلا بالإصلاحات الدستورية وخاصة العراق الذي سقط بهذا الفك مثلما سقطت العديد من الدول ضحايا لمعاهداتها الكاذبة ومؤامراتها ,
فبالإصلاحات الدستورية المدروسة بشكل دقيق والمرتبطة بالثوابت الإسلامية والوطنية ينتقل العراق من براثن هذا الفك اللئيم المليء بلعاب الفوضى الازلية , الى بنية وطنية اعلى مما كانت علية في السابق بعد تجربته التي امضاها قبل اربعين عامآ ,
وإذا تحقق ذلك وتسربت قوانينه الجديدة والمعدلة المبنية على ذلك في ارواح الشعب , فلاشك سينجم عنها جيلآ جديدآ وطنيآ من بينه السياسيين ليكون نواة لأجيال لاحقة يستعيد بها العراق مجده التأريخي العظيم .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب