القسم الثالث
لم يكن قانون الملاك رقم (25) لسنة 1960- المعدل ، ملبيا لتحقيق الطموح الإداري إلا بتطبيق مبدأ ( فصل الترقية عن الترفيع ) ، بسبب إشتراك حدود رواتب بعض العناوين الوظيفية ذات المنزلة الإدارية المتقدمة مع بعضها للبعض الآخر ، مما أدى إلى عدم الحفاظ على خصوصية الوظائف ذات المسؤولية المباشرة في إدارة تشكيلات دوائر الدولة ، فالرئيس الأعلى المتمثل بوظيفة المدير العام والمحدد راتبه بمقدار (100-150) دينارا ، يشترك مع بعض مرؤوسيه بذلك الحد من الراتب والدرجة مع إختلاف العناوين الوظيفية ، مما أحدث شرخا في جدار الهيبة الوظيفية ، ووهما نفسيا لدى من يشعرون ويعتقدون بأنهم في مستوى الأعلى منهم موقعا ومركزا قانونيا ، أو أنهم ومن أجل رفع شأنهم الشخصي أو الوظيفي ، يستغلون ذلك التشابه بالسعي لنيل ذلك الموقع وعنوانه أو غيره بشتى الوسائل ، أو الإدعاء بأنهم بدرجة مدير عام من منطلق الحق الذي لا يراد به إلا الباطل ، حيث إمكانية المساواة بالراتب والدرجة بفعل عوامل تحققهما بالعلاوة والترفيع ، لا تتفق مع عدم إمكانية تحقق ذلك بفعل عوامل الترقية لوظيفة أعلى . فكيف بنا وإشغال وظائف الدرجات الخاصة ؟.
*- إن الفساد الإداري والمالي ليس وليد اليوم ، وإنما إمتدادات جذور سقيت بماء السحت ، فأنتجت بذورا منذ عهد الجمهورية الأولى ، وتركت تنمو وتزدهر في ظل توجهات حزبية وسياسية غير نزيهة ولا مهنية ، حتى أينعت ضريعا لم يجد مجتثا لأصوله ، كما حصل بعد الإحتلال بمنح عنوان ( مدير) لأكثر من موظف في القسم الواحد ، ومنح عنوان ( مدير أقدم ) لموظف في قسم يرأسه موظف بعنوان (مدير) ؟!. وعليك التعامل من ردود أفعال القائل ( أنا مدير وهو مدير) ، والآخر الذي يعتبر نفسه أعلى من المدير، وما تلك إلا من تداعيات المتراكم من الجهل وقلة الجاه ، وتدني مستوى الثقافة الوظيفية المهنية ، أو نتيجة الشعور بالغبن الفاحش عند تولي الأدنى كفاءة وخبرة ، مسؤولية منظومة حكومية فيها من هو أجدر بالإدارة . أو كما تم تحديد راتب كل من الوزير المفوض ب (130-150) ، ومشاور القنصل العام ب (100-120) ، وكلاهما من العاملين في مركز وزارة الخارجية بعنوان ( مدير عام ) . والإثنان يختلفان بحدود الراتب مع المدير العام ، ومشاور القنصل أقل بحده الأعلى ممن يتساوون مع المدير العام في الحد الأعلى للراتب ، وتلك بعض عوامل وأسباب التهافت على إشغال الوظائف بالحق وبالباطل المفضي إلى الفشل والفساد . الذي لا ينتهي إلا بزوال الأحزاب من على سدة الحكم في العراق .
*- إن البحث عن مقدار الراتب المحدد من قبل وزير المالية لوكيل الوزارة والسفير ، وغيرهما ممن تمت الإشارة إليهم في حقل (الحد الأدنى والأعلى للراتب) من أقسام جدول الوظائف الملحق بقانون الملاك عند صدوره سنة 1960 بكلمة (خاصة) ، لم يثمر عن شيء للمدة من 1/ نيسان/1960 تأريخ نفاذ قانون الملاك موضوع البحث ، ولغاية صدور قانون الدرجات الخاصة في الدوائر الرسمية وشبه الرسمية رقم 8 لسنة 1966- المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد ( 1226 ) في 31/1/1966 ، والنافذ إعتبارا من 1/2/1966 . ست سنوات تقريبا ولا يعرف أحد من غير المستفيدين ورعاتهم ، ما الذي كان مخصصا وممنوحا لشاغلي الوظائف ذات الدرجة الخاصة ، إلى حين ( لوحظ أن الدرجات الخاصة لم تكن خاضعة لضوابط تنتظمها ، مما أدى إلى مفارقات وبعض تناقضات سببت الشكوى من قبل الكثير من الموظفين ، ناهيك عن المبالغة بها بحيث تضاعف عددها بسرعة هائلة ، ولما صار إشغال بعض الدرجات الخاصة مدعاة للتصحب والتحزب والتعيين الإعتباطي أحيانا ، مما أدى إلى إشاعة التحاسد وعدم المبالاة بين الموظفين وعرقلة أعمال الدولة ، لذا أصبح من المحتوم وضع قواعد ثابتة لها . ورغبة في وضع حد لهذه المشكلة دون التقيد الصارم بأحكام قانون الخدمة المدنية ، مع عدم الحيلولة دون تمكين النابهين من أصحاب الكفاءات من بلوغ المراكز المهمة ، فقد وضع هذا القانون بحيث يحقق مبدأ تكافؤ الفرص من جهة ، ويمكن الحكومة من تقدير أصحاب المواهب والإنتفاع من قابليتاتهم الإستثنائية من جهة أخرى . ورغبة في تحقيق العدالة الممكنة ، فقد صيغت مواد هذا القانون بحيث أصبحت شاملة لكل الذين عينوا بدرجات خاصة ، أو كان قد أنيط أمر تعيين رواتبهم ومخصصاتهم بقرار من مجلس الوزراء ، وذلك بغية الإقتصاد في النفقات العامة ، وإيجاد التناسق – بقدر الإمكان – والحد من التباينات الشديدة بين ما يتقاضاه الموظفون الذين هم في خدمة الحكومة ) ؟!. ليتقرر بعد كل تلك المؤشرات السلبية ؟!، أن تكون الرواتب الإسمية للدرجات الخاصة بمقدار ( 160/180/200/ 220 دينارا ) ، يعيين فيها الموظفون لأول مرة في الدرجة الأدنى من درجاتها ، إلا إذا كان مستحقا لدرجة أعلى تتناسب ومدة خدمتهم أو ممارستهم للمهنة أو كلتيهما . كما يعيين فيها عادة وكلاء الوزارات ورئيس ديوان رئاسة الجمهورية ورئيس ديوان مجلس الوزراء ورئيس مجلس الخدمة العامة وأعضاؤه ومحافظ البنك المركزي ومعاونه ومراقب الحسابات العام ورئيس مجلس إدارة شركة النفط الوطنية وأعضاؤها ورئيس جامعة بغداد ونوابه وأمين العاصمة ومدير الموانئ العام ومدير السكك الحديد العام وأعضاء مجلس التخطيط ورئيس ديوان التدوين القانوني ورئيس المجلس الأعلى للبحوث العلمية ورؤساء مجالس إدارة المؤسسات العامة ، وكذلك الوظائف الأخرى التي تنص القوانين على إشغالها بموظف بدرجة خاصة . ولا يعيين بدرجة خاصة إلا من هو في الدرجة الأولى أو إستحق التعيين في الدرجة الأولى حسب أحكام قانون الخدمة المدنية أو أي قانون آخر . ولمجلس الوزراء في حالات إستثنائية أن يعيين بدرجة خاصة من أكمل – على الأقل – خمسة عشر عاما بعد تخرجه في جامعة بدرجة جامعية ذات علاقة بالمنصب الذي يراد تعيينه فيه . وهنالك العديد من الأحكام الأخرى لمن يود الإطلاع عليها ، وآخرها أن لا تسري أحكام هذا القانون على من يشملهم قانون السلطة القضائية ، ولا على موظفي السلك الخارجي المنصوص عليهم في قانون الخدمة المدنية والملاك أو أي قانون آخر. وتسهيلا للتنفيذ صدرت تعليمات خدمة موظفي الدرجات الخاصة رقم (1و2) لسنة 1966 ، ونشرتا في جريدة الوقائع العراقية بالعددين (1284و1340) في30/6 و27/11/ 1966 . لمن يريد الإطلاع على مضامين تفاصيلها .
*- ولأن قانون الدرجات الخاصة رقم (8) لسنة 1966 ، قد حدد الوظائف المشمولة بأحكامه ، وحيث أن البعض منها يختلف عن سواها في طبيعته ومسؤوليته ، مما يدعو إلى تمييز شاغلي تلك الوظائف عن غيرهم من حيث تحديد الراتب وتعيين مقداره ، لذلك شرع قانون التعديل رقم (6) لسنة 1967 ، بحذف وظائف ( رئيس ديوان رئاسة الجمهورية – رئيس جامعة بغداد – محافظ البنك المركزي – أعضاء مجلس إدارة شركة النفط الوطنية – مراقب الحسابات العام ) ، على أن يحدد مجلس الوزراء رواتب ومخصصات شاغليها . بعدها ألغي القانون موضوع البحث بالقانون رقم ( 106 ) لسنة 1968 ، لأسبابه الموجبة في أن ( شرع قانون الدرجات الخاصة في سنة 1966 ، فوضع أسسا موحدة للتعيين في جميع الوظائف ذات الدرجة الخاصة ، وقد وجد بعد تنفيذ القانون المذكور ، أن بعض الوظائف يقتضي إستثناؤها من أحكامه ، لأن متطلبات العمل لا تساعد على شمولها بالمعايير الواردة فيه ، فاستثينت منه بتعديل القانون المذكور ، وحيث أن إنتقاء الموظفين لإشغال الوظائف ذات الدرجة الخاصة ، متروك لسلطة التعيين في هذه الوظائف حسب تقديرها وإختيارها ، فقد إقتضى إلغاء القانون رقم (8) لسنة 1966 .