23 ديسمبر، 2024 10:26 ص

الدراما التلفزيونية بين الامس واليوم

الدراما التلفزيونية بين الامس واليوم

استطاعت الدراما التلفزيونية العراقية ان تحتل موقعا متقدما ومتميزا بين ماتنتجه التلفزيونات العربية في السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم بل وكانت سيدة الدراما في العديد من المحطات التلفزيونية لاسيما والخليجية منها لتحظى باقبال كبير من قبل المشاهدين ويتابعون هذه الاعمال اولا باول وكثيرا ما استطاعت هذه الا عمال ان تفرغ الشوارع والاسواق من روادها اوقات العرض وان يرتب المشاهد وقته لكي لا يفوته التمتع بالمشاهدة ومتابعة الاحداث كما حدث في مسلسل ( حامض حلو ) و ( سبع صنايع ) و ( ابو البلاوي ) لفنان الشعب المرحوم خليل الرفاعي كاتبا وممثلا مثلما كان تالق المرحوم سليم البصري في مسلسله الخالد ( تحت موس الحلاق ) من اخراج الفنان الكبير ع ن ر ( عمو نويل رسام ) وتبعتها العديد من المسلسلات مثل ( فتاة في العشرين ) و( عنفوان الاشياء ) و ( ذئاب الليل ) للكاتب الكبير صباح عطوان واخراج الفنان حسن حسني ومن الاعمال التي حازت على الجوائز والمشاركات في المهرجانات الدولية والعربية مثل ( رائحة القهوة ) للمخرج المبدع عماد عبد الهادي و ( النزول صعودا ) للمخرج الكبير خليل شوقي و ( اطراف الغصون ) لنبيل يوسف و ( الصفعة ) للكاتب الفذ المرحوم معاذ يوسف و ( الامبراطور ) لعدنان ابراهيم وحسن حسني و ( المكتبة ) لمحمد يوسف الجنابي وغيرها الكثير والتي استقطبت الفنانين العرب والاشتراك في العديد من هذه الاعمال مثل ( المتنبي ) و ( عيونها والنجوم ) و ( حرب البسوس ) و (الكبرياء تليق بالفرسان ) و ( المرايا ) و (ميزان الحق ) وقائمة طويلة من الاعمال .
حتى استطاع الفنان العراقي وفي جميع الاختصاصات ان يتميز ويكون مطلوبا للعمل في تلفزيونات عربية لانتاج اعمال درامية تزج بعناصر من هذه الابلدان ليقفوا مع الفنان العراقي ينهلون من ابداعه حتى صارت حركة اعتيادية في ذهاب وجيء مجاميع وافراد من كل البلاد العربية للمشاركة باعمال عراقية اثبتت انها اعمال انتجت بطاقات متمكنه اعطت صورة ناصعة للكفاءة العراقية ضاهت اسماء كانت تعلو سماء الدراما العربية في السينما والتلفزيون فراح الكاتب الكبير ( زهير الدجيلي ) و ( معاذ يوسف ) و ( صباح عطوان ) و( فلاح هاشم ) و( عبد الباري العبودي ) و( شاكر الحاج مخلف ) و ( عادل العادلي ) و( كاتب هذه السطور ) كتبوا الكثير من الاعمال التي نفذت خارج العراق ,
ومن المخرجين (رشيد شاكر ياسين ) و ( خليل شوقي ) و ( وعادل طاهر ) و ( عدنان ابراهيم ) وكان الفنان الكبير ( فيصل الياسري ) و المخرج المتالق ( فاروق القيسي ) صورت اعمال في دول الخليج وفي الاردن وسوريا والمحطات العربية لا تعد ولا تحصى اكدت ان الفن العراقي فن راقي ورائد ومطلوب وان الفنان العر اقي فنان متمكن من ادواته نهل منه الكثير .
ولكن هذا تراجع بعد منتصف التسعينات لاسباب وعوامل كثيرة حتى اصبح الفنان العراقي ليس له مكان الا في الاعمال البسيطة ولم يتقاضى الا الاجور القليلة وابتعد الكثير من الفنانين المعروفين وراح يصعد نجم اخرين دخلوا الساحة بفعل الظروف التي افرزت الكثير من الطارئين مثل افرازها لكل ماهو رخيص في الثقافة والادب والفن كما هو في مجالات الحياة الاخرى ,
فانتشر الهز والوز من فرسان العروض المسرحية الجدد الذين راحوا يغزون الشاشة الفضية وتتحول دور السينما الى دور عروض ( السكرين ) سيئ الصيت فشاعت في هذه العروض كل الممنوعات وتراجعت فيها القيم والاعراف الاخلاقية والفنية التي كانت تسود الانتاج الدرامي حتى تشكلت لهذه العروض مجاميع سميت بجمهور السكرين مثل جمهور العروض التهريجية على المسارح التي انتشرت في ارجاء بغداد وراحت تجذب هذا الجمهور بلقطات العري والخلاعة فيبرع فيها صناع ( مخرجين وكتاب وممثلين ) من اصحاب مبدأ ( اربط الحمار مطرح مايريده صاحبه )* لتقديم افضل ما لديهم من لقطات الاثارة هدفها الاول والاخير هو الكسب المادي بالنسبة للمحترفين والتواجد واثبات الذات للطارئين وارباع المواهب لتشكل هذه الفترة اسوء فترة مرت في تاريخ الانتاج الدرامي العراقي والتي فسحت المجال لكل من هب ودب ومن اصحاب الغايات الدنيئه ومنيحلم بالوقوف امام الكاميرا فأدت بالنتيجة الى انحدار حاد في مسيرة الفن الدرامي العراقي ( مسرح وتلفزيون ).
وعصفت بالذوق العام والثقافة حتى صارت مثل ارضة نشطة اخذت تنشطر بسرعة وتتكاثر لتطيح بالبنيان المتين والتاريخ الخالد والمشرف حتى صارت الدراما العراقية في ذيل قائمة الاعمال الدرامية العربية والخليجية التي استطاعت ان تنهض وتنمو نموا موفقا يفرز اسماء ويقدم طاقات لا يستهان بها وفي كل الاختصاصات مما يستدعي بالفنان العراقي الى ان ينهض ويحاول مرة اخرى بالرغم من ان هنالك قنوات فضائية تصر على ان يبقى الحال على ماهو عليه ويمكن اسوء وان يظل الانتاج يتعكز على تلك العاهات او الدخلاء او البعيدين عن الاختصاصات لتقدم ما تسميه دراما بقصد او بدون قصد , وهذا ما يجعل مهمة الفنان العراقي الملتزم العامل في هذا المجال والذي يحترم فنه ويؤمن بانه رسالة ثقافية ويلزم نفسه التزاما اخلاقيا لان يحاول ويناضل وحتى يعاني لكي يستطيع ايجاد الفرصة لتحقيق ذلك وان يعيد الانتاج الدرامي الفزيوني وحتى الاذاعي ناهيك عن المسرحي الى صورته الناصعة ويرجعها لتبوء منبر عزها ومجدها وهي محاولات شجاعة وجريئة وناجحة قدمت ما يمكن تقديمه خلال هذه الفترة متجاوزة كل المعوقات ودون الالتفات الى الوراء متجاوزة ما يقف في طريقها من مصدات واسباب الاحباط مثل ما يحدث من تنفيذ الاعمال في بيئة غير بيئتها ثم تجاوز الى تكليف مخرجين غير عراقيين لاخراج اعمال عراقية ومنها ماتتناول احداث خاصة او بيئة خاصة كالاعمال التي تناقش موضوعة في الريف العراقي ناهيك عن زحف الفنيين شيئا فشيئا واشراك ممثلين بتمثيل شخصيات زجت في الاحداث زجا ليكون العمل الدرامي ليس له طعم ولا لون ولا رائحة .
ولكن رفض البعض هذا التصرف الذي لا يختلف عن ذلك التصرف لتهميش بحجج واهية وغير مقنعة والتي طلت علينا من خلال شاشة البغدادية مثلا ودعوة برنامج نفذ تحت نصب الحرية في بغداد بشكل صريح لهذا التصرف ليزداد الفنان العراقي تجربة ويتعلم من خبرة اخوتهم السوريين – هذا قوله – مع كل هذاولكنه ظل يحاول ولا زال لما عرف عن الفنان العراقي من تمتعه بروح المطاولة والتحدي وخلق الفرص مهما كانت العواقب .