في عصرنا الحاضر، وفي ظل هذا التقارب بين دول العالم والثورة المعلوماتية والاتصالية، التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، يعرف كل من فيها حياة من يعيشون معه، فإنه أصبح من الواجب حل كل ما قد ينشأ من صراع بين الدول والأفراد والمؤسسات بالطرق الودية، التي من أهم أشكالها هي الدبلوماسية وعملية التفاوض، وبخاصة أن اللجوء إلى استخدام القوة لفض المنازعات أصبح يُنذر بكثير من الويلات لأطراف النزاع، لاسيما أن القانون الدولي يحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، بعد أن تبلور في السنوات الأخيرة ما يُعرف بالشرعية الدولية، التي تردع مثل هذه الأفعال العدائية وتجريمها في ضوء الدول الكبرى. في ظل هذا الواقع اتجهت كثير من المؤسسات والأكاديميين إلى محاولة وضع توصيف محدد لعملية التفاوض تعطيها الصفة العلمية، وتوفر لها الإطار النظري الذي يضعها في مصاف العلوم الاجتماعية الأخرى.
ومن هذا المنطلق ولأهمية علم الدبلوماسية في العالم وضرورة العملية التفاوضية بين الدول والأمم، شرعت وزارة الخارجية العراقية إلى وضع خطة عاجلة وفقا للمعايير المهنية، فقامت باختيار السيد حميد حامد القدو عميد الدبلوماسية العراقية لتمثيل البلد في الخارج.
وحسنا فعل السفير أو القائم بالأعمال أو القنصل العراقي في موريتانيا السيد القدو، حينما ظهر بزيه (العربي الأصيل) مع المطربة الموريتانية التي لا أريد أن أعرف أسمها أو اسمع صوتها، حيث ملئت صورهم مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن اعتبرها أغلب العراقيين بأنها فضيحة من العيار الثقيل للدولة العراقية بصورة عامة والدبلوماسية العراقية بصورة خاصة. لكن في الحقيقة لا أستطيع أن أفهم لماذا هذا الهجوم الشرس على السيد القدو، فمن حق كل مواطن أيا كان، سفير وزير، زبال، فراش، بل وحتى الحمار أن يظهر بالزي الذي يراه مناسبا، مع احترامي لكل مهنة وكل مواطن يكسب ماله بشرف من عرق جبينه، وأولهم الفراش والزبال.
ووفقا لعنوان المقال أعلاه (ماذا يعرف الحمار عن غناء العندليب) والذي هو أصلا مثل روماني، فأنا شخصيا لا أضع هذه الممارسة ضمن مسلسل الفضائح العراقية، لأنه وببساطة شديدة السيد القدو يعكس وضعه الطبيعي، وهو بذلك يُجسد ما يعيشه العراق من حالة العبث والفوضى بكل ما تحمله الكلمات من معنى وفي أغلب مؤسسات الدولة. وبعيدا عن الغيرة أو حتى الحقد الذي قد يتهمنا به السيد القدو، لأنه يعمل سفيرا أو وزيرا مفوضا في وزارة الخارجية العراقية ويقبض راتبه بالدولار، فإن فضحيته هذه كشفت شيئا فى غاية الغرابة، وهو أن العمل الدبلوماسي في العراق ينفرد بأشياء يستحيل وجودها فى أي مكان آخر، هذا إذا أضفنا فضيحة القنصلية العراقية في المانيا والتي كشفها لنا الإعلامي السيد (نجم الجبوري) على فضائية التغيير، إلى فضحية السيد قدو، سنكون أمام كوميديا سوداء قاتمة لو حدثت فى أي دولة محترمة لقامت الدنيا ولم تقعد. لكنه يحدث في العراق، وكأن شيئا لم يكن، لأنه للأسف، الخارجية العراقية وغيرها من وزارات الدولة همها الرئيسي ليس تحقيق المصلحة العامة بل إرضاء من بيده السلاح، بمعنى إرضاء من بيده الأمر والنهي.
وبلا شك فإذا استمر هذا الانفلات فلن نفاجأ مستقبلا بظهور السيد القدو بالملابس الداخلية كدعاية لإحدى شركات تصنيع البوكسر.