قراءة الخرائط ، ومتابعة تقلبات الطقس السياسي ، ومراقبة النتائج اليومية لميزان القوى ، هي اهم واجبات الدبلوماسي المحترف الرشيد ، والاهم من ذلك كله ، التماسك والرصانة والرزانة والهدوء والحفاظ على ضبط التوازانات المتعلقة بالعلاقة مع المحاور والمفاوض والمنازع والخصم والوسيط . كل هذه الواجبات والصفات والسمات توفرت مسبقا لدى ضيف ايران الأخير ،نيجيرفان البارزاني رئيس اقليم كردستان العراق ، الرجل الذي يحظى بقبول شعبي وحكومي فريد في المنطقة والعالم بفعل حضوره الدائم في القمم والمحافل الدولية والمنتديات العالمية وامتلاكه صفات المحاور الفريد وهو يحمل ابتسامته الملكية المشرقة على الدوام ، اضافة الى قدرته على ردم الهوّات والفجوات وترتيق الجروح واصلاح ذات البين.
استجاب رئيس اقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزانيلدعوة جمهورية ايران واجتمع مع مضيفيه من صناع القرار والمسؤولين عن صياغة وتنفيذ سياسة ايران في الداخل والخارج ، ابتداءا من المرشد الاعلى وهو اعلى سلطة في ايران منذ عام 1979 والذي أشار لضيفه الرئيس الى تاريخ العلاقة بين جمهوريته والشعب الكردي قائلا “أواصر قرب تجمع بيننا وبين المجتمع الكوردي، سواء في إيران أو في العراق، أكثر من أي شعب آخر. هم جزء منّا“ . مرورا برئيس جمهورية ايران ورئيس قضائها الاسبق ابراهيم رئيسي حيث تحدث بارزاني ورئيسي عن تعزيز العلاقات بين إيران والعراق وإقليم كوردستان على أساس حسن الجوار والمصالح المشتركة، ورفع مستوى التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية، إلى جانب الإشادة بالعلاقات العريقة والتاريخية بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كوردستان ، وضرورة وأهمية استمرار التنسيق والتعاون المشترك بين جمهورية إيران الإسلامية وبين العراق وإقليم كوردستان لحماية الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأعرب في ختامها الرئيس المضيّف عن شكر وتقدير جمهورية إيران لإقليم كوردستان على التسهيلات والمساعدات التي يقدمها للزوار الإيرانيين الذين يقصدون العتبات الدينية في جنوب العراق، خلال مرورهم عبر إقليم كوردستان. ثم التقى الرئيس نيجيرفان بارزاني بوزير خارجية ايران حسين أمير عبداللهيان وعلي أكبر أحمديان أمين عام المجلس الأعلى للأمن الوطني الإيراني ورئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف ثم اختتم مع رئيس الحرس الثوري في ايران .
الصحف الايرانية البارزة خصصت مانشيتاتها العريضة للحدث المهم منذ بدء الزيارة حتى نهايتها ،والحدث مهم فعلا ، فلابد من الاخذ بعين الاعتبار اهمية اقليم كردستان في استقرار المنطقة مهما كانت قوة الدول المحيطة بالاقليم ، فالاقليم الذي تربع على صدارة المناطق الاكثر ازدهارا وامنا في المنطقة نال شهرة واسعة بالاخص ابان الحرب ضد الارهاب ، فيما تناولت الصحف العالمية والاقليمية والمحللين السياسيين الحدث على انه مهم وبارز وقد يثمر عن تحول ايجابي لصالح امن واستقرار المنطقة ، فكردستان العراق تعرض في الاونة الاخيرة لهجمات كثيرة تحت ذرائع واهية كان لابد من ايقافها ،والعلاقة بين اربيل وبغداد عانت ضمورا خطيرا تحول تدريجيا الى مايشبه الحرب الباردة ابتداءا من ازمة رواتب الموظفين مرورا بايقاف تصدير نفط الاقليم وليس انتهاءا بالزحف على صلاحيات الاقليم الواردة في الدستور . جميع هذه الامور لاشك طرحت وبشكل صريح وودي ، فالعلاقة بين الجمهورية وطيف واسع من الحكومة العراقية لم تعد سرّا ، وليس من الحرج التوسط لدى ايران لتخفيف التشنجات والاستفزازات والعودة الى الشراكة الحقيقية مع الشركاء في النظام العراقي الجديد . وجميع هذه الامور يمكن ان تزاح كعقبات في طريق العلاقة بين اربيل وبغداد عبر اشارة من طهران ، وطهران لها فضائل لايمكن نسيانها بالنسبة للحكومة العراقية عموما او للاقليم خصوصا كما اشار الرئيس شاكرامضيفيه عليه ومؤكدا على هذه عمق العلاقة وضرورة ديمومتها .
لم ينس الرئيس نيجيرفان الاشادة بالمواقف التي ابداها صديقه السوداني رئيس وزراء الحكومة الاتحادية واشار بشكل شفاف الى دوره المهم في انجاح هذه الزيارة والتشجيع عليها عبر اجتماعات مكثفة علنية وسرية افضت الى نتائج طيبة .
يعتقد المراقبون بان زيارة نيجيرفان بارزاني رئيس اقليم كردستان العراق الى ايران يمكن ان تثمر عن نتائج ممتازة ليس على الاقليم وشعبه فقط ، انما على المنطقة باكملها ، أجل ..فرئيس الاقليم يمتلك علاقات حميمية مع العرب والغرب على حد سواء ، وربما تستثمر ايران حظوة الرجل لدى اصدقائه في ترتيب العلاقة الايرانية ـ العربية ـ الغربية من جديد ، بعد ان تفي بوعودها طبعا تجاه الاقليم ، ابتداءا من الايعاز للذين يستهدفون الاقليم بحذف الاشارات الحمراء عن اسم الاقليم من خرائط اهدافهم الحربية ، الايعاز الى شركاء الاقليم في بغداد باحترام الدستور ومركزية الاقليم ، انهاء ملف الرواتب ، تصدير نفط الاقليم ..الخ . جميع نتائج زيارة رئيس اقليم كردستان الى جمهورية ايران مرتبطة بصدق الوعود والعهود التي قطعها المضيفون على انفسهم امام الرجل الذي لبّى دعوتهم لايبغي شيئا منها اكثر من صيانة السلام في المنطقة وحماية الاقليم وشعبه وحفظ كرامته التي ناضل لاجلها طيلة عقود .