19 ديسمبر، 2024 11:50 ص

الدبلوماسية العراقية.. ومعركة ” أم الكراسي”

الدبلوماسية العراقية.. ومعركة ” أم الكراسي”

لا أحد يشك في أن وزير الخارجية العراقية هوشيار زيباري، وهو شخصية أثبتت نجاحها في تركيز دعائم الدبلوماسية العراقية، وقد حصل على ثناء وتقدير عربي ودولي ، للحنكة التي إتسم بها طيلة توليه هذه المهمة، ما يعد شهادة بأن الرجل أثبت مقدرة وكفاءة رغم كل الهنات، التي ظهرت هنا أو هناك .
والمهم أن الرجل كان قد سجل في تأريخ الدبلوماسية العراقية مايشهد له انه قد أدى المهمة بنجاح،رغم انه لم يتول مثل هذه المهمة على صعيد العمل الدبلوماسي   قبل أن يتقلد منصبه كوزير للخارجية، لكن مرحلة ما بعد التغييرات في السلك الدبلوماسي العراقي ، ودخول موظفين وسفراء  لم يكن لديهم أدنى إهتمام بهذه المهمة ولأ  بأعرافها أو قوانينها ، ولم يكن لديهم أي إلمام بالمواثيق الدولية وبأساليب العمل الدبلوماسي التي نظمت أسسها إتفاقية فيينا للعمل الدبلوماسي ،وإتفاقات جنيف، هو الذي عكر أجواء هذا ( الدبلوماسية العراقية ) وعرض سمعتها لمخاطر أن تتدهور علاقات العراق مع دول العالم ومحيطه العربي.
وما حدث في السفارة العراقية في عمان  قبل أيام ، يشكل ( انتكاسة ) بالغة الأثر في سجل الدبلوماسية العراقية ، لم يكن لوزير الخارجية هوشيار زيباري دخل فيها ، بل ان الرجل حاول تفادي توتر العلاقة وقدم إعتذار العراق عما جرى ووعد بإتخاذ إجراءات ضد من إشتركوا في تشويه سمعة العراق، إثر الحادث الأليم و”المفجع ” الذي وقع في السفارة العراقية في عمان قبل أيام، وما سمي حينها بمعركة ” أم الكراسي ” أو ” أم البوكسيات ” الفن الذي يجيده السياسيون العراقيون هذه الايام، ووجد فيد بعض الدبلوماسين الجدد فرصة فيه للاستفادة منه، والتي قادها كبار طاقم الدبلوماسية العراقية في الاردن، وكانت” حفلة دبلوماسية” من نوع جديد لم تألفه ساحات الصراع الدبلوماسية من قبل، وعد من قبيل الافلام المصرية القديمة ، التي يستخدم أبطالها ( حرب العصابات ) لأغراض ( الاثارة ) حتى عده مراقبون بأنه أسوأ إنتكاسة شهدتها الدبلوماسية العراقية في السنوات الاخيرة ، واجهت انتقادات لاذعة بشأن أساليب سلوك غريبة وشاذة لم تعرفها الدبلوماسية العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 حتى الان.
كانت معركة ” أم الكراسي ” أو ” أم البوكسيات ” مثالا جديدا على ” الدبلومسية العراقية ” ، كان القائمون بها يسعون لنقل معركة العراق الى محيطه الخارجي، واشغال العراقيين بصراعات وحروب على مستوى إقليمي، وقد يتم تكريمهم بعد عودتهم ، وقد ينقلوا الى دولة أخرى ، تكريما لشأنهم ودورهم البطولي في خوض هكذا معارك، ويبدو ان ( اللعب بالنار ) هو ما يشعل القائمين على هذا البلد، ولهم في معاركهم مع شعبهم، وهي معارك دامية، ما يمكن أن يشكل علامة فارقة في التاريخ العراقي ، صفحة سيذكرها التاريخ بأنها ربما الأسوا والاكثر بشاعة في العصر الحديث، وانتقال المعارك الى سفارات العراق في الخارج يعد أسوأ انحطاط تشهده الدبلوماسية العراقية ، واذا ما تكرر هذا السلوك المنحرف في سفارة أخرى ، فأقرأ على البلد السلام، وقد تقطع دول كثيرة علاقاتها مع العراق ، إن بقي مستوى التعامل مع شعوب العالم على وفق تلك المسرحية التي كان بطلها دبلوماسيون رفيعو المستوى وطاقم السفارة ، الذين أبلوا بلاء ولكن لم يكن حسنا ، في قيادة معركة بـ” البوكسيات” والكراسي ، وإستمرت لفترة غير قصيرة ، ظهر فيها المستوى الضحل للدبلوماسية العراقية ، ما أدمت سجلها ولطخته بصفحات لاتسر ، وتؤشر عهدا جديدا من السلوك البعيد عن أية لغة او أسلوب تعامل ، ماكان ليحدث لو لم تنزل أخلاق القائمين على هذا السلوك الى هذا الحد من الانهيار والتدني في قيادة العمل الدبلوماسي من قبل اناس ، لايجيدون ربما إلا العربات التي تجرها  الحمير، فكيف يكون بإمكانهم ان يجيدوا قيادة العمل الدبلوماسي ، بهذه الطريقة المقرفة ، التي شاهدنا فصولها المروعة من على شاشات التلفزة ، وعدت انتكاسة مريرة، ربما مرغت أنف الدبلوماسية العراقية في الوحل، نتيجة السلوك المنحط الذي ظهرت عليه انماط غير مألوفة في المجتمع الدولي، كانت قد أشعرت العراقيين جميعا ان عهد العلاقات العراقية العربية والدولية قد يصل الى اعلى مراحل التدهور والانحطاط ان بقي اختيار العاملين في السلك الدبلوماسي على هذه الدرجة، وهو سلوك أقرب الى سلوك “العصابات” من أن يكون سلوك بشر أسوياء يعملون في سفارة دولة.
ما حدث في الاردن يمثل درسا مريرا للقائمين على وزارة الخارجية من سياسيين ودبلوماسيين وبرلمانيين ان يعيدوا النظر فيه لكي لايتكرر فصل مأساوي آخر يجعل العالم يضحك علينا ويسخر من سلوكنا ، ولنترك معاركنا فيما بيننا ، وان لاننقل بلاوينا وشقاواتنا وشرورها الى الاخرين، فما جناه العراقيون من معاركهم الطائفية لتقشعر منها الابدان، وما حصل من مذابح ومجازر يسفك فيها الدم العراقي أنهارا كل يوم ، يشكل حماقة وانتقالة بالسلوك نحو أدنى السلم الهرمي  المنحط في وصف هذا السلوك، الذي لاتقبل به البشرية ، كونه لم تألفه حتى في أحط عصورها تدهورا وانحطاطا في الخلق والاخلاق، وكان الله في عون العراقيين على بلواهم مما يجري لهم وما تسال فيه من دماء على مذبح الكرامة..
والسؤال الذي يطرحه العراقيون اليوم.. وماذا بعد.. هل نغلق على أنفسنا الباب ونقطع علاقاتنا بالعالم..ألا يعد هذا سلوكا يتنافى وأبسط أساليب العمل الدبلوماسي..ولمذا لانجيد حساب تقديرات الدول عند إختيار الدبلوماسيين ، ومعرفة فيما إذا كانت شخصيات معينة لاتمثل رغبة لدولة معينة، أو ترى فيها توجها لمد نوع من أنواع النشاط لاترضى عنه، أو لاترغب أن تتعامل معه، وعلينا أن نبحث عن شخصيات مستقلة ولديه قدر معقول من الكفاءة المهنية ، قدر الامكان ، وليست حزبية ، لكي لاتلوث سمعة العراق،وبخاصة أن سمعة العراق أصلا لدى أغلب دول العالم، عما يجري في الداخل من صراعات ومعارك بين ساسة البلد ، ودماء تنزف يوميا بلا توقف ، وتغص عشرات المعتقلات بالسجناء لأسباب طائفية،وأغلبهم بلا ذنب إقترفوه، وفتح معارك مع الشعب في بعض محافظات العراق وخوض معارك ضارية مع المتظاهرين والمعتصمين ورفض مطالبهم المشروعة، وعدم إيلاء وجهاء القوم وشيوخ هذه المحافظات الاهتمام المطلوب،وعدم الاستماع الى نصائح كبار الأخيار وأصحاب المبادرات، قد أوصلت سمعة البلد الى الحضيض!!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات