في عام ٢٠١٢ أقام سماحة السيد حسين الصدر محفلا قرآنيا في الكاظمية وحضره جمع من القراء وعدد من السفراء العرب والإسلاميين وكنت في حينها من بين الحضور وقد شاءت الصدفة أن يكون السفير المصري إلى جانبي في ترتيب الجلوس وحين بادرنا الحديث قبل بدء المحفل وجدت نفسي أمام دبلوماسي من طراز خاص ثقافة واسعة معرفة دقيقة بتفاصيل العراق وبيئته الاجتماعية إجادة لثلاث لغات كتابة ونطقا ووعي عميق بطبيعة التحديات التي يعيشها هذا البلد عندها أدركت بجلاء أن العمل الدبلوماسي ليس منصبا تشريفيا بل هو مهنة ورسالة تتطلب احترافا وقدرة استثنائية على تمثيل الدولة وصون صورتها ومصالحها لكن اليوم وبينما أتابع قوائم السفراء العراقيين الجدد أجد المشهد مختلفا تماما فالمعايير لم تعد كفاءة ولا خبرة وإنما محاصصة حزبية ومحسوبية ضيقة توزيع للمناصب كما توزع الغنائم بين أبناء وأصهار وأقارب الساسة الذين أفرزتهم العملية السياسية التي جاءت بعد الاحتلال ومنحتهم سلطة التحكم بمصائر الدولة ومقدراتها هكذا أصبحت الدبلوماسية العراقية أسيرة الأسماء المفروضة لا على أساس مؤهلات وإنما على أساس الولاءات والقرابات المؤسف أن الحكومة الحالية ووزير خارجيتها يدركان جيدا أن هؤلاء لا يصلحون لتمثيل العراق في الخارج ولكنهم مغلوبون على أمرهم أمام سطوة القوى السياسية التي تجعل المحاصصة قاعدة لا يمكن كسرها فتضيع الدولة بين حسابات النفوذ والتوازنات وتتحول مواقعها السيادية إلى مكاسب شخصية توزع لإرضاء هذا الطرف أو ذاك إن الفرق بين صورة السفير المصري الذي التقيته قبل أكثر من عقد وصورة السفراء الذين يفرضهم منطق المحاصصة اليوم هو الفرق بين معنى الدبلوماسية في جوهرها ومعناها في عراق ما بعد الاحتلال ففي الأول كفاءة واحتراف ووعي حضاري وفي الثاني استهتار بسمعة الدولة وتفريغ لمؤسساتها من مضمونها وحين تفقد الدبلوماسية رسالتها وتغيب عنها المهنية فإن العراق يخسر أحد أهم أدواته في حماية مصالحه وصون صورته أمام العالم ..