18 ديسمبر، 2024 9:11 م

الدبلوماسية الروحية الأِبراهيمية… أِلى أين ؟ الشيعي….نموذجاً لقاء القمة الكاثوليكي

الدبلوماسية الروحية الأِبراهيمية… أِلى أين ؟ الشيعي….نموذجاً لقاء القمة الكاثوليكي

الجزء الأول
لا شك فيه بأن التاريخ سوف يسجل على صفحاته المشرقة اللقاء المميز الذي دار بين الحبر الأعظم بابا الفاتيكان و المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، ذلك اللقاء الذي أعتبرته الأغلبية بانه لقاء القمة بين رمزين لاهوتيين يحملان في طياتهما مشاريع المحبة والتسامح وتحرير الأنسانية من براثن العبودية والهيمنة، كنتيجة حتمية من المواقف المشرفة و الأيجابية للرمزين أعلاه، فالشخصية الأولى المتمثلة بــ البابا فرنسيس حملت مشروع لاهوت الشعب في الدفاع عن الحقوق الأجتماعية والأقتصادية للطبقات المسحوقة للشعوب والتي تعيش تحت نير الأنظمة الفاسدة والديكتاتورية، اما الشخصية الثانية المتمثلة بالسيد السيستاني والذي حمل راية ( ولاية الأمة على نفسها) من خلال مواقفه الأيجابية والمبدئية خلال فتاويه الأيجابية المتعددة، والذي بدوره رفض تبني مبدأ ولاية الفقيه وتمسكه باسس المدرسة النجفية والتي تدعو بمبادئ ولاية الأمة في أدارة الأمور العامة للدولة.
الموجز اعلاه ماهو اِلا سرد بسيط حول ماذكر في وسائل الأعلام باختلاف انواعها، ولم يذكر الكثير عن فحوى اللقاء، سوى البيان الصادر من مكتب السيد السيستاني ولم يكن اِلا سرد اِنشائي حول ( التحديات الكبيرة والمشاكل التي تواجهها الأِنسانية والمنطقة برمتها في الوقت الحاضر، وخص فيها القضية الفلسطينية، ودلالات أخرى حول التعايش والتضامن السلمي الأِنساني)، ومن ثم التصريحات التي أدلى بها الكاردينال البطريرك الكلداني لويس ساكو حول ماهية اللقاء والذي كان احد أفراد الوفد المرافق مع بابا الفاتيكان ( حيث طغت عليه علامات الأنبهار والأرتباك وهذا ما تمليه حركاته الجسدية الغير الطبيعية خلال اللقاء، حيث لم يستطع التحكم بنفسه حينما أزاح وبقوة مترجم بابا الفاتيكان الى الخلف ومن ثم تحركه اللاطبيعي لأظهار نفسه لوسائل الأعلام)1 .
حيث صرح البطريرك لويس ساكو الى وسائل الأعلام حول ماهية هذا اللقاء والذي تضمن كلامه نوع من التودد والتضرع، و أكد بأن سماحة السيد السيستاني أكد على عدم أستقباله أي من السياسيين ضمن الوفد المرافق للبابا وذلك لعدم رضاءه على العملية السياسية برمتها، وتغافل عن الدور الذي يؤديه نجل سماحة السيد السيستاني، حيث تشير الوقائع بانه لا تتم تزكية أي رئاسة وزراء اِلا بعد مرورها من تحت عمامة السيد محمد رضا السيستاني.
ونود الأشارة هنا بأن مشروع زيارة الكرسي الرسولي الى العراق، هو مشروع قديم، يعود تاريخه الى عام 2000، حينما قرر البابا السابق يوحنا بولس في اجراء زيارة تضامنية الى دولة العراق، كرسالة تضامن و تعاطف مع الشعب العراقي القابع تحت نير الحصار الظالم والصادر من المنظومة الدولية عام 1990 ( والذي أعتبر بحد ذاته أحد جرائم الأبادة الجماعية بحق شعب مظلوم، حيث أستمر الحصار لمدة 13 عاماً، وأدى الى وفاة اكثر من مليون ونصف طفل نتيجة الجوع ونقص المواد الغذائية، ومن ثم تدمير البنية التحتية للدولة العراقية وهجرة الملايين من أبناء الشعب العراقي الى دول الجوار والمهجر). وفشلت بوادر الزيارة أعلاه حينها وذلك لتقاطعها مع السياسة الغربية و نخص منها السياسة الأميركية تجاه المنطقة آنذاك، ومن ثم عدم الأخذ بجدية هذه الزيارة من قبل النظام العراقي السابق.
لذلك أكد البابا فرنسيس بان زيارته هذه ماهي أِلا تنفيذاً ووفاءاً الى الوعد المقطوع سلفاً من قبل البابا السابق يوحنا بولص، رغم المحاذير والصعوبات التي يمر بها العراق والمنطقة والعالم على الصعيد الأمني ومن ثم خطر جائحة فيروس كورونا.
أغلب الدلائل تشير بعدم الكشف عن جميع الأوراق المخفية من خلف الكواليس حول أهداف الزيارة البابوية للعراق، وهنا لا أود الدخول تفصيلياً حول ماهية الزيارة أعلاه وذلك لأني تناولت قسماً منها في أحد مقالاتي السابقة بعنوان (قراءة في أبعاد الزيارة المرتقبة لرئيس الكرسي الرسولي بابا الفاتيكان الى العراق). ولكن يمكن ملاحظة عدد لابأس به من الأملاءات الرمزية والتي أهتمت بها دولة الفاتيكان، من خلال التأكيد على أحد الرموز التوحيدية المهمة في الديانات الثلاث أِلا وهو الرمز الأبراهيمي المنبثق من مدينة أور التاريخية الواقعة في مدينة الناصرية من الجنوب العراقي، وكما تشير الوقائع بحصول تناغم بين الديانتين المسيحية واليهودية قبل فترة زمنية ليست بالطويلة، وذلك من خلال المشاركة الروحية ضمن شجرة النبي أِبراهيم.
وقد دخلت الديانة الأسلامية ضمن المحور الأبراهيمي في خمسينات القرن الماضي، حينها قام عدد من المستشرقين الكاثوليك ومن ضمنهم المستشرق لويس ماسينيون بالتبشير في وجوب ضم الديانة الأِسلامية تحت جناح الأِبراهيمية باعتبارها أِحد الركائز المهمة من الديانة التوحيدية الأِبراهيمية. ومنها بدأت الخطوات الفعلية في أِطلاق الحوار الأِسلامي المسيحي خلال المجمع المسكوني الثاني للفاتيكان مابين عام (1962-1965). بذلك أمست المظلة الأبراهيمية الشاملة للديانات الثلاث ( المسيحية، الأِسلامية، واليهودية) مطلب مطلق وواقع حال معترف به رسمياً من قبل دولة الفاتيكان منذ عام 2013، حيث حصل التناغم الأبراهيمي أعلاه من خلال الزيارات المكوكية للحبر الأعظم الكاثوليكي الى كل من فلسطين، مصر، المغرب، وبعدها الأمارات المتحدة العربية، وبلغت ذروة التناغم أعلاه من خلال توقيع وثيقة التفاهم المعنونة بأسم “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش معًا” مابين بابا الفاتيكان و شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب عام 2019 في دولة الأمارات المتحدة العربية ومنها تم أعتبار المظلة الأبراهيمية عهداً و أساساً للأخوة في الأنسانية ضمن فلسفة الآله الخالق الأوحد.
وهكذا فأن الزيارة البابوية للعراق تدخل ضمن نفس المشروع الأبراهيمي أعلاه من خلال العمل الجدي في ضم القطب الأسلامي الشيعي الى المظلة الأبراهيمية الجامعة للاديان السماوية الثلاث ضمن وثيقة عهد جديدة يكون طرفها المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، لكن كما هو معلوم فقد رفض الأخير على المةافقة في توقيع هكذا وثيقة و أكتفى مكتبه بأصدار بيان أعلامي بسيط .
وسوف نؤكد بدورنا في الجزء القادم من مقالتنا هذه حول الأبعاد السياسية ما وراء التحرك الديبلوماسي الأبراهيمي أعلاه. (اود الأضافة بأن الموضوع أعلاه تم كتابة اغلب مفاصله قبلاً ولم ينشر وقتها وذلك للبحث والتحقيق حول حقيقة ولادة النبي أبراهيم في مدينة أور العراقية).