19 ديسمبر، 2024 1:05 ص

الدبلوماسية الرقمية DIGITAL DIPLOMATIC

الدبلوماسية الرقمية DIGITAL DIPLOMATIC

الدبلوماسية الرقميه هي بتعريف مبسط استخدام وسائط الأتصال التكنولوجي الحديث من أجل تحقيق اهداف السياسة الخارجية ، هذا التوظيف لتكنلوجيا الاتصال والمعلومات ووسائل الاتصال الأجتماعي باستخدام الأنترنت هو تتويج لعصر جديد يستحق ان نطلق عليه عصر ما بعد الحقيقه بكل ماتحمله الجمله من معان وأبعاد .
عودة للتأريخ قليلاً وبالتحديد في منتصف القرن الماضي حينما أسس ايزنهاور في العام ١٩٥٣ وكالة المعلومات الأمريكية U.S INFORMATION SERVICE وتخصصت بالعمليات الدبلوماسية الشعبية الأمريكية ، ١٩٧٨ تغير العنوان من قبل الرئيس كارتر الى هيئة الأتصال الدولي INTERNATIONAL COMMUNICATION AGENCY ، ثم في عهد ريغان ١٩٨٢ اعيدت التسمية الى الوكالة الأمريكية للمعلومات U.S INFORMATION AGENCY .
حينما تقرأ في كتاب هيلاري كلنتون ” خيارات صعبة ” HARD CHOICES تعي تماماً حجم الأنجاز الذي حققته في مجال الدبلوماسية الرقمية ومدى نجاحاتها في هندسة الرأي العام وسلوكيات الشعوب في مرحلة عصفت بالشرق الأوسط وغيرت انظمته بثورات الربيع الرقمي وليس العربي فهو لايمت للعروبة بصلة .
الحرب ايضاً تغيرت كلياً فلم تعد تشير الى التحام مباشر بين الجيوش بل تعدت ذلك الى الابعاد وساحات الحروب فكانت حروب البعد الرابع والخامس والسادس والحرب الاقتصادية وحروب الطاقه وحروب المعلومات .. الخ ، وما يهمنا هو الحرب الرقمية وهي حرب اسلحتها المنظومات وميدانها شبكات المعلومات ومقاتليها مستخدمي ومهندسي البرمجيات وبالامكان تقسيمها الى قسمين ، حرب البرامجيات والقرصنة الهجومية لتدمير شبكات القيادة والسيطرة والبنوك والدوائر الحكومية والطاقة والسيطرة على الصواريخ وانظمة الملاحة والاتصالات والاعلام وكل من يستخدم الفضاء الالكتروني اما القسم الثاني وهو الأخطر الذي يستهدف الشعوب والمجتمعات والانسان وهذا ما ركزت عليه كلينتون في كتابها آنف الذكر حينما وصفت تلك الحرب بالرقمية وهي الموجهه للتحكم بالوعي الجمعي للشعوب وتسييره لخدمة السياسة والأستراتيجية الأمريكية .
اللاعبين اليوم ايضاً قد تغيروا فانشأت وكالات اعلام بلا اعلاميين وصحافة للمواطن ومنابر حره ومواقع للتفاهه وتسطيح الفكرومشاهير بلا مباديء فاقدي القيم وبدء الشروع بعمليات تغيير السلوك والادراك الانساني وهندسته ليكون طوع يد الخارجية الأمريكية التي تمتلك جميع ادوات تلك القوة الالكترونية ونوافذها . تغيرت الكثير من المفاهيم والعلاقات المجتمعية والسلوكيات خلال عقد واحد فقط ومنها كمثال اسوقه لكم هو مفهوم الصداقه كعلاقة وجدانية بين شخصين تلاقى في الفكر والوجدان والبيئة فأصبحت اليوم صداقات هلاميه وهمية لا تشترط التلاقي والقبول ولم يعد شاعرنا ابن العبد موفقاً في بيته الشعري
( عَنِ المَرءِ لا تَسأَل وَسَل عَن قَرينَهُ * * فَكُلُّ قَرينٍ بِالمُقارِنِ يَقتَدي ) لأن القرين قد يكون شبحاً او شاذاً او منتشياً وساقطاً لكنه يملك من اساليب التلاعب بعقلك ما لا يمكنك تصوره .
الحرب الرقمية التي تبنتها الخارجية الأمريكية لم تكن عبثية بل خطط لها بدقة متناهية تكاد ان تكون بمستوى الكمال فلم تترك اي حادثه او حدث يمر الا وكانت وراءه اصابع لناشطيها الذين دربوا جيداً وتجاوزوا كل الاختبارات في التخفي وتجاوز القراصنه والجدران النارية وتجاوز الحجب والمطاردة وجميع انواع المناورات يساندهم فرق صناعات الأخبار والأفلام والتضليل الوهمي وصانعي الالعاب الرقمية المستهدفة لاجهاد العقل والتركيز ، الاف مؤسسات المجتمع المدني والاف مراكز البحوث والمنظمات غير الحكومية والاف الصحف والمطبوعات شكلت شبكة متقنه غير قابلة للأفلات . شخص تافه ينشر مقطعاً عبر نافذة يوتيوب ينال ملايين المشاهدات خلال ايام فينتشر مصدراً بضاعةً رخيصة او اغنية خالية من كل اشراط الفن ومن ثم يتم عبره المد بالافكار والتلاعب بالعقول ، ما اقوله هو اننا كمستخدمين طوعيين لتكنلوجيا الأتصالات سنبقى ضحية ولا مجال للمقاومة مهما بالغنا في التحصين الفكري ولن نقدر مهما عملنا على اعادة احياء ابسط السلوكيات فكل الحكومات اليوم هي في نظر الشعوب عدوه ولم تعد واجبة الطاعه وكل الشركات والتجار والرأسماليين مصاصي دماء ولم يعودوا مقدمي خدمات للمجتمع وستكون الشهادة الجامعية مضيعة للوقت ولا فائدة منها والتعلم ترف غير مطلوب والفساد غزوة الشاطر والقوانين ليست ثابتة ومن كان يسطو على بنكاً او داراً بالأمس يدان بأقصى العقوبات ولكن يمكن لمبرمج ماهر ان يستحصل لك قرضاً تسطوا فيه على بنكاً تحت حماية القانون وبمشاريع وشركات وهميه وبعد الأفساد تأتي مرحلة اعادة الهندسة والتدخل والأضرابات والمظاهرات واختلاق الأزمات وارهاق الادارات بفقدان الحلول واليأس الذي يقود الى السقوط .
ان طال بنا العمر سنشهد المزيد من العروش التي ستتهاوى ومجتمعات ستدمر كل اعرافها وتقاليدها وثقافات واردة تتأصل كقيم بديلة مشوهه ولا أمل الا بالتخطيط والوعي المبكر للتصدي بحصانة قيم المجتمع الأسلامي الصحيح والموحد ويبدو ذلك بعيداً بكل أسف .