من الممكن جدا أن يتبادر إلى ذهن الكثيرين بان تناولي لموضوع الدكتور الدباغ بقضية الأسلحة الروسية يحمل بين طياته عملية دفاع شخصي , بحكم شكل ونوع العلاقة التي تربطني به , نعم تربطني بالدباغ علاقة متينة إلى حد هذا التصور وابعد , وهذا التصور بالتأكيد سيفرض نفسه ويتبلور عند الذين يستهدفون الدكتور الدباغ لمنافسة سياسية أو لضغينة غير مبررة , لكني هنا خارج حدود تلك العلاقة أناقش الحدث كمضمون وملابساته من حيث المنطق . إن جميع الدلائل تشير بأن الدباغ لم يكن جزءا من لجنة العقود والوفد المفاوض الذي حضر إلى روسيا لمرتين , كما إن طبيعة عمله الرسمي لا تمت لوزارة الدفاع بصلة قريبة أو بعيدة , وبالتالي فان احتمالات تأثيره على صفقة من هذا النوع والتخصص غير مقنعة بحسابات المنطق , وعلى افتراض ( مع قناعتي باستحالة الأمر ) بأن الدكتور الدباغ يبتغي استغلال موقعه الرسمي للتعامل بهكذا صفقات مشبوهة , فبالتأكيد سيتجه إلى صفقات قريبة من تخصصه ومجال عمله الأصلي , لعلمنا بكونه مهندسا وعمل لفترات طويلة في مجال هندسة وبناء المشاريع ذلك يعني انه يمتلك علاقات أكيدة مع مجموعات من الشركات في هذا المجال عالمية وعربية , وان فرصة تواجده بصفقاتها أسهل جدا من صفقة أسلحة خارج منظومة علاقاته واختصاصه , كما إن حجم وكم التعاملات مع شركات الاستثمار الإنشائي والهندسي بالعراق يفوق الصفقات العسكرية بعشرات المرات , وذلك يسهل عملية الدخول في أكثر من صفقة تجارية أو استثمارية , إذن في حسابات المنطق فأن شخص كالدكتور الدباغ بهكذا حكمة سياسية , كان يستطيع وبسهولة ولوج عالم الصفقات من هذا المجال الميسور , والسؤال المهم هنا , لماذا لم يركز على دعوى الدكتور الدباغ إلى فتح تحقيق عاجل بموضوع الصفقة ؟ أليس هذا السؤال يستحق التعاطي المنطقي , لو كان الدباغ جزءا من هذه الصفقة ؟ فهل من المعقول يعلن موقفه وبشكل واضح وصريح وبصوت مدوي غير خجل للمطالبة بإجراء تحقيق فوري ؟ متجاوزا على الكثير من التجارب التي تورط فيها سياسيون ومسؤولون حكوميون ليسلكوا دروب التسوية السياسية أو الهروب إلى الصمت أو التواري التام , وبقائمة طويلة من هؤلاء الشخوص الذين تورط قسما منهم حتى بدماء الشعب العراقي , في حين وقف الدباغ معلنا عن نفسه لأكثر من مرة ومطالبا بشكل شجاع عن كشف ملابسات الموضوع برمته , ومادمنا في حسابات المنطق ضمن افتراضاته , أين نضع إصرار استمرار الحملة الإعلامية على الدكتور الدباغ وبشكل مركز دون أن يمر الذكر على أي من الأسماء الأخرى التي يفترض أن تكون أكثر تورطا , بالذات من ذوي الشأن المباشر كلجنة العقود ولجنة الشراء لهذه الصفقة ؟ وبحكم التجربة المبرهنة للكثير من الملابسات التي مرت في تعاملات الدولة العراقية الجديدة , ألا نلاحظ ان الحملة ضد الدكتور الدباغ تستمر بشكل غير معقول وكأن هنالك أصابع خفية خلفها تدعمها وتطورها ؟ في حين مرت الكثير من الملابسات الموثقة وليست موضع شبهة كصفقة الأسلحة وانتهت بتوقيتات قياسية ؟ حيث لاحظنا ملفات يلوح بها نواب وأخرى يلوح بها رجال نزاهة برلمانيون , وأخرى يلوح بها رجال قضاء , انتهت دون ضجة تذكر أو حكم يصدر , أنا هنا لا ادعم موقف السكوت على المقصر أو المرتكب لفعل يضر بالصالح والمال العام , بقدر محاولتي إيجاد مقارنات تسير بنا إلى المنطق المعقول , إذن فمن المنطقي جدا آن نقف عند مطالبة الدباغ بتشكيل لجنة تحقيقه , لنفكك مبتغاه وأهدافه , بالإضافة الى ولوج اسمه المنفرد , مرورا بالحملة الإعلامية المستمرة وأهدافها , لنصل إلى رد فعل منطقي , يوضح بأن كل شيء في هذه الحملة ممنهج ومنظم , وإذا ما ربطنا الأمر كله باقتراب موعد الانتخابات وتجارب مماثلة استخدمت مع الكثير من الشخصيات السياسية , بإجراءات تسقيط غير نزيهة بالعمل السياسي , عند ذاك نستطيع تكوين فكرة منطقية اكبر عن كل ما يجري حول الدباغ بحسابات المنطق . إن هكذا ممارسات تسقيطية تسلكها قوى سياسية كبيرة , تنذر بخطر كبير على البناء السياسي للدولة الديمقراطية , قد تطيح بالتجربة الوليدة برمتها بالذات وان تلك القوى تمتلك مقومات السلطة والمال ومؤسسات إعلامية أعدت لهذا الغرض , كما إن تجربة محاولات التشهير التي طالت الدباغ ليست الأولى ولن تكون الأخيرة , وبالتالي فإننا أمام تيار عاصف لقوى سياسية لا تعترف بشرف العمل السياسي , لا يستبعد من تلك القوى ضمن هكذا توجهات أن تصنع نظاما استبداديا , إذا ما استفحلت أنفاسه وارتكزت أسسه الهدامة دون محاسبة أو كشف غطاء .
[email protected]