كثر الجدال هذه الايام في اروقة البرلمان والصالونات السياسية حول شكل الدوائر الانتخابية التي يفترض اقرارها في ملحق قانون الانتخابات الذي اقر نهاية العام الماضي… وبين مؤيد للدائرة الواحدة ومؤيد للمتعددة ورافض لكليهما ما زال الموضوع معلقا ومثار اختلاف وجدل لا حدود له بين الكتل البرلمانية دون الوصول الى رأي موحد في القضية.
والمثير في الموضوع ان طرفي الخلاف لا يبحثون في ايهما افضل لتمثيل ارادة الناخب ، بل كل فريق يسعى الى بلورة صورة تحقق له اعلى الاصوات في الانتخابات المقبلة حتى لو اقتضى الامر العودة الى خيار التمثيل النسبي وسانت ليغو المعدل سيء الصيت لدى اغلب الجمهور.
والسؤال الذي يطرح نفسه دون الدخول في ايجابيات وسلبيات الدائرة الواحدة والدوائر المتعددة التي اشبعها المختصين والسياسيين بالطروحات والآراء… اما آن الاوان للبرلمان ان ينظر الى مصلحة الشعب ؟ وما آن الاوان ليدرك الفريقين المختلفين داخل قبة البرلمان ان اي انتخابات لا تمثل ارادة الناخب الحقيقية سوف تؤدي الى ما ادت اليه انتخابات عام 2018 من تظاهرات واسقاط للحكومة والعودة الى نفس الازمة والدوامة؟.
اسئلة تحتاج الى ان تتجرد القوى السياسية والكتل البرلمانية من “الانا القاتلة” في هذا الظرف الحرج من تأريخ العراق المعاصر ، كما تتجرد المكونات من المحاصصة والنواب من تبعية كتلهم… لان الخروج من هذا الصراع الجدلي لن يتحقق الا بتغليب المصلحة العامة على غيرها من المصالح الاخرى وتغليب شفافية ونزاهة الانتخابات المقبلة على اي شيء آخر لأنها الضامن الفعلي لاستمرار العملية السياسية برمتها.
ويبقى السؤال: كيف الخروج من هذا الجدال وكل طرف متزمت برأيه ومصر عليه؟.
ان الخروج من الطرق المغلقة تحتاج الى سلوك طرق بديلة ، والحل في حسم معضلة الدائرة الواحدة او الدوائر المتعددة يستلزم التالي:
1. ايكال مهمة حسم الموضوع الى الخبراء والاختصاصيين (من خارج البرلمان) في ايجاد وسيلة ناجحة لتمثيل ارادة المواطن الناخب في استخلاص نتائج الانتخابات المقبلة دون الالتفاف عليها ، من خلال الحلول العلمية المنطقية التي يطرحها مختصون مستقلين في هذا المجال بعيدا عن تأثيرات الكتل البرلمانية المستفيدة اصلا وبما يرضي شرائح واسعة من الشعب عامة والشباب المتظاهر خاصة وبما يوسع ويشجع المشاركة الانتخابية القادمة.
2. الاستعانة بخبرات الامم المتحدة او المنظمات الدولية ذات العلاقة او حتى خبراء اجانب مستقلين.
3. الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال وطرحها للدراسة والتمحيص ، وتدقيق كل ما يتقارب مع تجربتنا وننتفع من تطبيقه في بيئتنا السياسية.
4. النظر من زاوية الناخب لا المرشح ، والبحث عن كل ما يحقق هدفه من التصويت باعتباره اقصر الطرق الى الصواب والاستقرار.
5. عدم ايلاء الوقت اهمية قصوى ، فان تحقق نتائج ايجابية في اشهر خيرا من ان تحقق هدفا مختلف عليه في اسابيع ، فالوقت في صالح العملية الديمقراطية طال او قصر اذا كان كفيلا بتحقيق ارادة الناخب.
ولمن لا ينظر الى الناخب ولمن يقدم مصلحته الحزبية او الشخصية نقول؛ انت تغامر بمستقبل العراق ومستقبلك السياسي والافضل لك وللجميع ان تترك الامر للمختصين المستقلين للبت به على ان تلتزم بنتيجته مهما كان. لان القضية اصبحت مصير بلد وعملية سياسية عمدت بدماء الشهداء ، وآن لها ان تستقيم وتستجيب لمطالب الشعب في انتخابات حرة عادلة نزيهة لا اقصاء ولا تهميش فيها ولا غبن لمرشح سواء اكانت دائرة واحدة ام دوائر متعددة ام غيرها من النظم الانتخابية المتعارف عليها.