17 أبريل، 2024 8:20 م
Search
Close this search box.

الداء قوي والدواء ضعيف

Facebook
Twitter
LinkedIn

أين تكمن المصيبة في العراق ، في الداء الذي اصاب الشعب العراقي ، ام في الدواء الذي لم يستجيب له الجسم العراقي ، ام في الاثنين معا؟
اعتقد ان المصيبة تكمن في الاثنين معا ، تكمن في الداء والدواء على حد سواء. ان كان على المصائب ، فهذه ليست المرة الاولى التي يصاب بها الشعب العراقي بمصيبة. فقد أصاب العراق مصائب كثيرة عبر تاريخه الطّويل. ولكن ما كان يهون المصائب عليه ، ان تلك المصائب تكون ناشئة عن غزو خارجي طامع في ارضه ويسعى للنيل من الشعب العراقي ومكتسباته الحضارية. ولم يكن أيا من الشعب العراقي له يد او مساعدة او مصلحة في الغزو الذي يصيب بلاده. بل على العكس كان الشعب العراقي يعرض التلاحم القومي والوحدة الوطنية بوجه الغزاة حتى تضعف وتتلاشى غزواتهم ويكون مصيرها في النهاية الفشل والامتصاص.
ومن ذلك حتى الحروب القومية التوسعية المغلفة بقماش طائفي ، التي كانت تجري على ارض العراق ولمئات السنين بين الدولتين المارقتين المجاورتين للعراق ، الدولة العثمانية والدولة الفارسية ، لم يكن للشعب العراقي فيها لا ناقة ولا جمل ، ولم يشترك فيها على الإطلاق ، لا باليدين ولا بِغَيْرهما.
بينما الوباء الحالي ، بدأ بغزو خارجي كما كان يحصل في المرات السابقة ، الا انه ارتكز هذه المرة على ضعف التلاحم القومي وتلاشي الوحدة الوطنية ، ذلك الضعف الذي دب في جسم الشعب العراقي حتى من قبل ان يتم الغزو. ان ضعف التلاحم القومي وضعف الوحدة الوطنية عناصر مهمة يلجأ اليها طالب الغزو لتسهل عليه غايته العدوانية في البداية او ما يمكن ان نسميها الخطوة الاولى للاحتلال ، ثم ليوفر له ذلك الضعف وذلك الشتات الخطوة الثانية وهي الديمومة للغزو او الاحتلال. هذا مبدأ ثابت في نهج الاستعمار لاسيما في النهج الاستعماري الغربي للدول الاخرى في ارجاء المعمورة.
وعلى وفق ذلك فأن الداء هذه المرة عضال لانه اكتسب مرتكزات داخلية تساعده على التعمق والثبات ، فما كان ليتوفر للغزو هذه الظروف وبهذه الصورة ، لو تم احتلال العراق سنة ١٩٩١، وكانت القوات الغازية في حينه لا تبعد عن بغداد غير ٨٠ كلم فقط وكان الجيش العراقي منهار ، فأرجىء الاحتلال ١٢ سنة إضافية ليوفر الحصار الجائر المفروض على العراق المناخ الملائم لإتمام الاحتلال بما ينسجم والرؤيا الاستعمارية الغربية (التفرقة). وأول ما تم للغزاة النصر وفق الرؤيا الموصوفة ، نقلوا الحرب لان تقع بين العراقيين أنفسهم. الحرب التي ان استمرت فأنها تأكل الأخضر واليابس ولا تذر من العراق شيئا. إذن اختلف الداء واختلف الدواء.
ان الظروف التي هيمنت في الماضي على الشعب العراقي وأدت الى الاحتلال ، هي واضحة ومؤلمة ، وان الظروف الأخرى التي أعقبت الظروف الاولى ووفرت الارضيّة التي ينشدها المحتل (التفرقة) ، هي الاخرى واضحة ومؤلمة ، وربما تزيد في قسوتها على الظروف الاولى ، فهذه كلها مجتمعة ، ينبغي علينا الان ان نغادرها ، ولا نتوقف عندها ، بل ونضيفها الى سجل يوم أمس المطوي ، لتخلوا الصفحة الإصلاحية الجديدة من كل الشوائب المعوقة لبناء مجتمع عراقي رصين . مجتمع لا يكرر اخطاء المجتمع السابق ، مجتمع لا يفرق بين أبناء شعبه وفق اية معايير غير سوية ، مجتمع جديد يتبنى التنوع الثقافي والعرقي بوصفهما تنوعا سرمديا لا يخلوا اي مجتمع اخر منهما ، مجتمع يساوي بين جميع مواطنيه في الواجبات والحقوق واولها المساواة بين المرأة والرجل.
لا يبدو ان العراق يختلف او شاذ عن العالم بأسره ان فعل ذلك. ولا يبدو اكثر انه لا يستحق ذَلِك. ان شعوب كثيرة جرى عليها ما جرى على الشعب العراقي. ولكنها نهضت سريعا فأستبدلت ألاسس التقليدية والمتخلفة التي كانت قائمة لديها ، بأسس اخرى مرنة وتسامحية وحضارية لتبنى بموجبها الوحدة الوطنية والعيش السلمي المشترك.
ان استعراض عملية التناول الواسع من قبل الاقلام العراقية النيرة والواعية والشريفة لداء الطائفية المقيته وكذلك العنصرية ، الداء الذي ينخر جسم الشعب العراقي ويعرض وحدته الوطنية وحتى مستقبله للخطر ، قد يعرض لنا ان هذا التناول وبهذا الشكل غير مثمر حتى الان ، وان كان الوقت الذي مضى عليه غير كاف لعلاج مثل هذين الدائين لاسيما وان المجتمع العراقي يعاني من الفقر والجهل والتعصب. فضلا عن ان دعاة هاتين الأفتين يمتلكون من الادوات ما يكفي للنفخ فيهما وتهويلهما.
والان لعل بالامكان في ضوء ما تقدم ان نسعى الى تصغير المسائل الرئيسة والخلافية الناشئة في صفوف المجتمع العراقي هنا وهناك ، بأن نستبدل الحديث المباشر عن الطائفية والإثنية بالتوجه نحو الحديث عن المساواة واحترام الحقوق الشخصية للمواطنين واحترام التنوع الثقافي والعرقي وتحقيق العدالة الاجتماعية وسن القوانين الكفيلة بالحفاظ عليها.
ان الحديث بهذا الاتجاه قد يؤدي لنفس الغرض الذي ننشده ، محاربة الطائفية والعنصرية. وربما يتقبل الناس هذا الأسلوب اكثر ، ولا ننسى نحن نعاني من التعصب والغُلو أصلا.
الطائفية والعنصرية متغلغلتان في صفوف أبناء الشعب العراقي بصورة عفوية من غير ان يدرك معتنقيها مقدار الضرر الذي يحدثه هذا النهج للعراق وللشعب العراقي حاليا ومستقبلا. الحديث بالمسميات ومباشرة قد يؤدي لعكس الغاية المنشودة.
وبما لا يقل أهمية ، ان بالامكان ، ونحن نتحدث عن هذه المسائل الشائكة ، ان نراعي الزوايا الحادة للمواضيع المطروحة وندورها بأعتناء ، لتلافي الاحتكاك بين مجاميع الشعب العراقي ، لاسيما ونحن نعيش في مجتمع واسع في تنوعاته الثقافية والعرقية؟
ان حصر الحديث عن المِحنة العراقية وفق الحدود الموصوفة قد يفوت الفرصة على الغلاة من المضي في مشروعهم المريض والهدام ، مشروع التفرقة على أسس طائفية وإثنية. لا احد من أبناء الشعب العراقي يكره الخير لغيره. ولا احد يبغي العيش لوحده في الجنة ويترك غيره للعيش في النار. الكل ينشدون الأمن والرخاء لأنفسهم ولغيرهم.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب