23 ديسمبر، 2024 2:50 م

الخيانة عادة في ( البدن ) لا يغيرها إلا ( الكفن )

الخيانة عادة في ( البدن ) لا يغيرها إلا ( الكفن )

يذكرني هذا المثل الشعبي الذي اتخذته عنوانا لمقالتي اليوم ، بأكثر المواقف إحراجا التي مررت بها في حياتي ، ففي إحدى المرات التقيت اشقاءا عرب في إحدى المؤتمرات العلمية وعلى هامشه دار حديثا حول الوضع في العراق وأسباب تردي والأمن والاستقرار وتراجع التنمية المستدامة والتراجع في المؤشرات والتسلسلات لأمور تتعلق بشؤون الحياة ، وعندما رحت أدافع عن وطنيتنا والسعي لخدمة وتطور العراق وحماية أهله لتعويض ما فاتهم من حرمان وظلم خلال عقود وسنوات والتضحيات التي قدمتها المقاومة الحقة المؤمنة بالله وكتابه الكريم وحقوق شعبنا لإخراج المحتل ، تفاجأت بهجمة قوية من بعض الحاضرين على ما طرحته من حديث ورأيت وجوها ممتعظة من ذلك الكلام فخاطبتهم متسائلا لماذا هذا الفتور وحالة عدم الرضا من كلامي ، فأجابني احدهم ( لقد خيبتم أملنا بالفعل فقد كنا ننتظر نجاح تجربتكم بشغف لكي نغير أنظمتنا ونعيش الديمقراطية بحق بعد أن تنعموا بها بالشكل الصحيح ولكنكم لم تقفوا مع من قاوم الاحتلال كما لم يتم التصدي بحزم لكل مرتمي في أحضان المعتدي بإذلال لدرجة إن البعض من ساستكم يحن لأيام الاحتلال ويأتون إلى حكامنا فيقولوا لهم ماذا تريدون أن نفعله لكم في العراق بدلا من جعلهم يرتجفون من التغيير الذي ينتظره الخيرين والمظلومين ممن عانوا ويلات التفرد والاستبداد وسرقة خيرات الشعب ) .
ورغم إني لست سياسيا ( هاويا أو محترفا ) ، فقد خصصت جزءا من اهتماماتي لبحث أسباب لجوء البعض إلى الخارج ( السلبي ) للإضرار بالعراق وهم يعلمون علم اليقين إنهم لم يقدموا لبلدنا غير المصائب وزيادة عدد مقابر الشهداء ومنهم ضحايا الإرهاب ، وباختصار شديد فان هذه الأسباب تنحصر في ( الطمع ، الفشل ، غياب الوطنية ) فالجشع والأنانية والشخصنة توصل البعض إلى أدنى مستويات الانحطاط بحيث يتم السعي للحصول على مكاسب مادية أو مدرة للأموال بمواقف بخسة ومخزية ، فمن يدفع ليغري الطامعين وفاقدي الغيرة يسايرهم ولكنه يحتقرهم اشد الاحتقار لان من يبيع أهله ووطنه لديه الاستعداد لتقديم أية تنازلات ما دامت تقترن بالمال والجاه والمنصب ، أما الفشل في تقديم ما هو ايجابي فانه يدفع بعض ضعاف النفوس لتأسيس أمجادا على تلول من فراغ ، فالطريقة الأسهل لديهم للتهرب من الفشل هو أعمام الفوضى والفساد ومحاولة إجهاض أية نجاحات لأنها تعريهم وتكشف حقيقتهم أمام الآخرين ، كما إن هذا المرض ينمي الرغبة لدى الفاشلين في تخوين الناجحين والتشكيك بالمنجزات ، ولعل الرابط بين أفعالهم هو غياب الوطنية لان فاقد الشيء لا يعطيه فاغلبهم إن لم نقل جميعهم من سياسيي الصدفة والطارئين والطفيليين لذلك ينفقد عندهم الرادع الأخلاقي والديني فيحدثوا الضرر بالوطن وأهله رغم إنهم محسوبين على بلد عريق ، فليس كل سياسي فاسد لان منهم من قادوا الثورات والتحولات الايجابية التي أوصلت بلدانهم إلى ارفع المراتب من التقدم والرقي واحترام الإنسان من خلال التضحيات ونكران الذات ، وبعكسهم سيئون ومسيسيين و زجوا أنفسهم في عمل أسموه سياسيا من وجهة نظرهم فحسب .
لقد اعتاد الطامعون والفاشلون وعديموا الانتماء الوطني على تجيير مشاكل الغير ونقلها إلى الداخل العراقي من خلال الخنوع لتنفيذ أوامر وتعليمات وتوجيهات وأجندات يتم من خلالها صناعة الازمات وعدم الانسجام مع الشركاء والادعاء بالمظلومية ، رغم جنيهم لمنافع العملية السياسية ولديهم حصص ومناصب فديدنهم هو البحث عن الفتات والسحت في الخارج والجلوس في أطراف الموائد التي يقيمها أعداء البلاد ، وقد حولوا جانبا من أعمالهم العدائية إلى مؤتمرات وملتقيات بمسميات عربية وإسلامية وإقليمية لعبوا فيها دور المهرجين ، وفي الوقت الذي قبضوا فيه أثمان بخسة منها لم تظهر أية نتائج تسعد العراقيين وإنما ازدادت مشكلاتهم تعقيدا فظهرت تنظيمات ومجموعات إرهابية تتغذى من هذه الأفعال مرة تحت غطاء القاعدة وتارة أخرى باسم ألزرقاوي إلى أن نمت فأخرجت خبثا وحقدا وجرما تحت يافطة ( داعش ) ، ذلك الكيان الإرهابي الذي أسهمت في صناعته استوديوهات هوليوود ومكائد الكيان الصهيوني وبتمويل أثرياء المنطقة وتسهيلات إقليمية أتاحت المجال لعشرات الآلاف لعبور الحدود ، والهدف هو إجهاض أية محاولة لاستقرار الأمن في العراق وتدني أسعار النفط وترويج وبيع الأسلحة الفاسدة وإيجاد مسوغات لإحياء أهدافهم لتقسيم العراق وإبقاء البلد سوقا لتجارتهم بإضعاف وسائل الانتهاج ، وتخويف الأحرار في الدول التي تعاني الظلم من الإقدام على أية ثورة من خلال الترويج لما يشهده العراق مع إن حقيقة ما جرى في بلدنا هو احتلال مغلف بغطاء الديمقراطية ، ناهيك عن العمل على تشويه سمعة الإسلام والمسلمين في العالم كافة ليكونوا بمرمى النيران الغادرة بأكذوبة اسمها مكافحة الإرهاب .
ولا تختلف الاجتماعات التي تعقد هذه الايام عن سلسلة السيناريوهات السابقة بخصوص إيذاء العراق وطنا وشعبا ومن يقف معه من الأشقاء والأصدقاء ، فمن يستمع لحديث من يدعون الوطنية خلال تلك الاجتماعات بحضور سفراء وممثلين رسميين عن الدول التي دعمت الاحتلال والإرهاب ، يشعر بهول الصدمة لما وصلت إليه الفتنة من درجات متدنية ، فالهدف هو تغذية الاقتتال وتهييج المشاعر بمكرهم المعروف لتتحول هذه الدول ( الراعية ) من مرحلة الدعم السياسي إلى الدعم العسكري فتسلح كل دولة الفصيل التابع لها وكأن القضية تتعلق بلعبة ( بلي استيشن ) وليس وطنا يضم شعبا كريما يستحق كل التضحيات وإبعاده عن شرور الخبثاء ليتمتع بخيراته التي وهبها إياها الباري عز وجل ، وهذه الاجتماعات ليست عفوية إذ يتزامن انعقادها مع الانتصارات الكبيرة في الموصل الحدباء التي تحققها القوات المسلحة والأمنية ومن يقف معها من التشكيلات القتالية ، بمعنى انه يمهد لمرحلة جديدة للاقتتال ومحاولة لخلط الأوراق داخل المنطقة لنزع قوة العراقيين ، كما يعبر عن الخوف من إخراج الدواعش نهائيا ، ولا يستبعد إن تكون تلك القوى تراهن على نتائج الانتخابات القادمة لكي تحتل مواقع معينة من خلال استثمار الدعم الخارجي ، وان المطلوب فعلا لكي لا تستمر مأساة شعبنا هو سحب البساط من تحت هؤلاء برفع الحصانة عنهم ومحاكمتهم على أساس العمالة والتخابر مع الأعداء ، لان وجودهم يشكل فيروسا قاتلا ينتقل إلى للأجسام الضعيفة ، وينوجب تشخيصهم وتعريتهم قبل حلول الانتخابات إذ لا يمكن شفاء الخونة من إمراضهم أو طهارتهم ، كما إن لا أملا بإصلاحهم فالخيانة عندهم عادة في ( البدن ) لا يغيرها إلا ( الكفن ) .