الحديث ذو شجون.. هكذا يقولون، إلا أن الحديث عن الخروقات الأمنية في عراقنا الجديد ذو هموم.. ولوعات، فضلا عن كونه مثيرا للاستنكار وعدم الرضا والامتعاض. فما إن يحصل حادث عنف في أرجاء البلاد، إلا وهبت جموع القادة الأمنيين والمسؤولين عن هذا الجانب بإبداء الآراء والتحليلات المهنية، وقطعا تتصدر الأعذار والمبررات والمسوغات كل مشاهد الأحداث، دون المرور على نتائجها وردود الفعل التي ستتخذ حيالها، لتفادي تكرارها في مستقبل الأيام، الأمر الذي يفسح المجال واسعا أمام العناصر الإرهابية لإعادة الكرة ثانية وثالثة وعاشرة، وكيف لاتفعل هذا! وحبل المحاسبة والعقوبة على غارب القانون بحق المتهاونين بواجباتهم. وبعودة بسيطة الى حقب التاريخ وما سجل في أسفاره من أحداث كانت فيها الخروقات آخر شيء محتمل الوقوع، يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من المبهم من الأمور، وتتضح الرؤية وتتجلى الأسباب والمسببات أمام الأعين والبصائر والأسماع، وتزول كل الشبهات في كيفية حدوث الخرق.
إن سور الصين العظيم يبلغ طوله 2400 كم وقد كان الهدف من إنشائه التحصن به لا غير، وحتى اليوم يعد هذا السور إنجازا عسكريا بارزا ونادرا في التاريخ المعماري البشري. وهو ليس سورا فقط، بل هو مشروع دفاعي متكامل يتكون من الجدران الدفاعية وأبراج المراقبة والممرات الاستراتيجية، ويضم ثكنات للجنود وأبراجا للإنذار وغيرها من المنشآت الدفاعية. ويسيطر على هذا المشروع الدفاعي نظام قيادي عسكري بتسلسل هرمي رصين. ولكن رغم كل الجهود والأموال التي بذلها الحكام الصينيون في بنائه، لم يقم السور بمهمته المطلوبة في الدفاع عن البلاد ضد هجمات الشعوب البدوية (البرابرة). ولم يصد الغزوات التي قام بها أباطرة وملوك “تشنغ”. إذ تم اختراقه أكثر من مرة، والسر في هذا لم يكن لضعف في بنائه او لقوة خارقة لدى الهاجمين عليه، بل هي الخيانة وحدها كانت السبب في اختراقه، ووحدها الخيانة هي التي فتحت الثغرات أمام العدو وسهلت مهامه.
الخيانة اليوم في عراقنا الجديد هي الداء العضال، وهي السبب الرئيس الذي وضع مدننا تحت تصرف أسافل الناس وأراذل المخلوقات، والخيانة اليوم هي التي هجرت الآمنين في بيوتهم والمستكينين في أرضهم.. والخيانة اليوم هي التي فجرت المؤسسات المحصنة والبنايات المؤمنة.. والخيانة اليوم هي التي هتكت الأعراض وسرقت الأموال.. والخيانة اليوم هي التي شتتت الجيوش ونخرت القوى البشرية والآلية على حد سواء.. فالخيانة هي التي أودت بالحال الى ماهو عليه.. والخيانة هي السلاح الذي يقاتلنا به أعداؤنا.. والخائنون لعبوا على أكثر من حبل في مدن عراقنا، بدءا من مدن الأنبار فالموصل فصلاح الدين فديالى، وهم لم يختاروا هذه المحافظات إلا لكونها أرضية خصبة لنفر ضال يتهالك على الموبقات وبيع الشرف والضمير بأبخس الأثمان، هم نفر عرفوا من قبل الجميع.. ولكن..! بعد أن فتكوا وسفكوا وحرقوا ودمروا نفائس عزيزة جدا على قلوب العراقيين، فهل ننتظر خونة آخرين على الطريق ليجْهزوا على ماتبقى من العراقيين وأملاكهم وأرضهم وعرضهم؟
يروى أن هتلر النازي حين سئل عن أكثر الناس حقارة قابلهم في حياته أجاب: هم أولائك الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم. فللحد من تداعي ماوصلنا اليه أكثر، يجب قطع دابر الخيانة من أصله، كي لاتأتي علينا فروعها غدا ويكمل الخائنون مسيرة محو العرق والدين والثقافة والحضارة، وبغير هذا ستكون الحلول ترقيعية والعلاجات غير ناجعة، ولن تكون للرقية جدوى غير تبليغ السم في العروق، لاسيما والخونة بارعون باللدغ في المقتل.