18 ديسمبر، 2024 9:01 م

الخيار بين الأسوء والأسوء

الخيار بين الأسوء والأسوء

تتصاعد أصوات ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من ايران هذه الايام مطالبة بأخراج قوات التحالف من العراق بذريعة انتفاء الحاجة اليها بعد الانتصار على داعش . الاسباب الحقيقية وراء هذه الدعوات معروفة ، ولم تعد خافية على المتابعين للشأن العراقي . فالكل يعرف ان الحشد هو قوّة ايران المسلّحة في العراق ، وانها تخضع لأوامر المرشد في ايران ، وشأنها في ذلك شأن احزاب الله وانصار الله والفاطميون والزينبيون وما شابههم ، فهم جميعا ادوات لتنفيذ المشروع الايراني في التمدد في الجوار الايراني وما بعد الجوار من جهة ، والاستفادة منها في تسويات تتعلق بمصالح ايران الاساسية من جهة ثانية .
وقدر تعلق الامر بميليشيات الحشد الشعبي ، فانّ ايران تستخدمها في هذا الوقت كقوة ضاغطة في الانتخابات العراقية التي ستجري بعد ثلاثة اشهر، وتستعملها كأوراق رابحة، للمساومة على قضايا أخرى ومنها مفاوضاتها الحاليّة مع الغرب في موضوع الاتفاق النووي ، لاسيما و انّ هناك تصميما غربيا تقوده الولايات المتحدة يرمي الى سدّ ” الثقوب ” الموجودة في هذا الاتفاق ، ووضع برنامج الصواريخ البالستية الايرانية على طاولة التشاور في مجلس الأمن .
واذا كانت ايران ساعية الى تخويف الغرب بصقورها في العراق وهذا ما ستكشف عنه الانتخابات القادمة ، فيمكننا ان نتصورالحوار الافتراضي التالي بين المرشد وترامب : سيادة الرئيس ، وبلهجة لا تخلو من التهديد والوعيد ، انك تتعرض لمصالح ايران الحيوية ، واذا ما بقيت على هذا الحال فسنأتي بصقورنا الى رئاسة الوزراء في العراق وسنرمي بقواتك والقوات المتحالفة معها الى خارجه . امّا اذا خفّفت من حدة ادنفاعك فيمكننا ان نتفق على رئيس الوزراء المقبل ، كما فعلنا في عام 2014 ، ويمكننا ان نتفق ايضا على القواعد الناظمه لأستمرار قوات التحالف في العراق ، ونخرس الاصوات الداعية لأخراجكم منه، وسنكون ايجابيين عند التشاور بشأن برنامجنا للصواريخ البالستية. عند ذاك يجيبه السيد ترامب : طيب ربما يمكنك ان تنفّذ هذا التهديد ، ولكن في هذه الحالة لن تربح العراق وستخسر ايران ، والخيار متروك لك بين الاسوء والاسوء .
هناك حقيقة لايرقى اليها الشك ، وهي انّ داعش كان نتاجا لسياسة التهميش الطائفية . والحقيقة التالية ان داعش التنظيم قد انهزم ولم ينهزم داعش الأفكار. والحقيقة الثالثة انّ الافكار تدفع التنظيم للأنبعاث اذا ما تهيأت الظروف الموضوعية لذلك . ماذا يعني هذا لو أصرّت ايران على الاتيان بصقورها الى رئاسة مجلس الوزراء ومواجهة الغرب بهم ! هذا يعني ان ايران مصرّة على تكريس المنهج الطائفي في العراق ، ومستمرة في تهميش المكوّنات العراقية الاخرى ، وهو بمثابة أعلان عن توجيه دعوة لداعش لكي تنبعث من جديد ، ولكن بشكل آخر . سيطالب العرب السنّة بالانفصال عن الحكومة المركزية ، وسيفعل الكورد ما لم يفعلوه على اثر الاستفتاء الذي جرى في الخامس والعشرين من أيلول الماضي وسيعلنون انفصالهم عن العراق ، وسيدعم الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وأسرائيل هذا المشروع التقسيمي . والنتيجة امّا حروب أهلية طاحنة تبدأ ولا تنتهي، بين المكونات الاساسية الثلاثة ، أو ينقسم العراق ، وكل يذهب الى جوار يجد فيه الملاذ . الاّ ان الجوار لن يكون بمنأى عن القسمة اذا ما طالبت مكوّناته بحقوقها وحظيت بالدعم من الغرب.
لا أتصور ان احدا يريد الخيار بين الأسوء والأسوء ، غير انّ العاقل في مثل هذه الظروف ، عليه ان يتوقع أسوء الاحتمالات.