23 ديسمبر، 2024 5:50 ص

الخيارات الصفرية لحكومة المالكي !

الخيارات الصفرية لحكومة المالكي !

على مدى دورتين انتخابيتين تصدر المشهد السياسي فيهما الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية (نوري المالكي) ، كرئيس وزراء للحكومة العراقية العتيدة والمسؤول التنفيذي الأول فيها على حد وصفه لنفسه ؛ ليس من باب كونه رجل دولة يحسن إدارة دفة السلطة ويجيد التعامل مع أمور القيادة للمجتمع ، ولكن بناء على ضغوط العراب الأمريكي وتدخل الراعي الإيراني ! . ولأن الاختيار لم يكن موفقا”ولا صائبا” لجهة ما أشيع عن إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية ، تجمع تحت خيمتها الشعب العراقي بكافة مكوناته القومية ومختلف أطيافه المذهبية ، فقد تعرض هذا الرجل لسلسلة من الحملات الإعلامية ، التي تندد بسياساته الطائفية وتشهّر بنزعاته الدكتاتورية ، على أمل حمله على تغيير نهجه الاقصائي وتبديل أسلوبه الانفرادي . لاسيما وان تصاعد معدلات الفساد بكل أنواعه ، وارتفاع مستويات الجريمة بشتى ضروبها ، خلال فترة حكمه بلغت من الاستشراء والتواتر حدا”دفع بالحكومات الغربية والمنظمات الدولية ، إلى دق نواقيس الخطر حيال المستقبل المظلم الذي ينتظر العراق أرضا”وشعبا”، إذا ما استمرت سياسات المالكي على هذا المنوال من الطيش والتهور . ولأن الرجل (المالكي) يحتكم إلى حلفاء أقوياء عسكريا”ومضمونين سياسيا”، هذا بالإضافة إلى كونه يستند إلى جماعات مسلحة تمتاز بالشراسة والعدوانية مع خصومه ومعارضيه من أي جهة كانوا ، لم يلبث أن يعطي كل المطالبين بتنحيته عن كرسي السلطة (الأذن الطرشة) كما يقال . لا بل انه صرح مؤخرا”وبصورة تتسم بالعناد والمكابرة انه لن يتنازل عن ترشيح نفسه لدورة انتخابية ثالثة مهما كانت الأسباب !! ، رغم كل الضجيج الذي أثير ضده وحوله على خلفية سقوط بعض المحافظات العراقية بيد (داعش) وأخواتها ، جراء فشله المتواصل في إدارة الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية . وإذا ما تأملنا سياسات (المالكي) طيلة العقد المنصرم وهو السيد المطاع في أغلب الشؤون المصيرية للبلاد والعباد ، فإننا سنلاحظ إن الخيارات التي اعتمدها في التصدي لكل أنماط التحديات التي واجهة حكومته الطائفية ، لم تكن محكومة باعتبارات وطنية صادقة تأخذ مصالح الشعب العراقي بكافة أطيافه وقطاعاته بعين الاعتبار ، كما لم تكن تحتكم إلى رؤى إستراتجية واضحة تتيح له التصرف وفقا”لمصالح العراق العليا ، وليس بناء على دوافع فئوية مخربة ونوازع طائفية مدمرة ، بحيث تمكنه من التمييز ما بين المهم والأهم ، ما بين المخرجات والمدخلات ، ما بين المتاح والمتوقع ، ما بين الثابت والمتغير ، وأخيرا”ما بين الأصدقاء والأعداء . ولهذا فان كل مواقفه وتصرفاته كانت أشبه ما تكون (بردود أفعال ) مشنجة وغير مدروسة ، تمخضت على ضوء أحداث وقعت هنا أو مشاكل حصلت هناك ، غالبا”ما كان يجهل دوافعها والنتائج التي ستتمخض عنها والمآل الذي ستتخذه ، وبالتالي فهو لا يمتلك خيارات عقلانية تتسم بالمرونة في التعامل تلك الأحداث ، كما ويفتقر لبعد النظر في التعاطي مع تلك المشاكل . ولعل من تبعات هذه الحالة وعواقبها إنها أفقدت (المالكي) القدرة على التمييز بين خصومه وحلفائه ، وجعلته دائم النظر إلى القضايا السياسية التي تتسم بالتعقيد والتشابك ، من زاوية واحدة ضيقة لا تتيح له رؤية الزوايا والأبعاد الأخرى ، بحيث توسع آفاقه لاستشراف ما يمور تحت الظواهر من صراعات وما يتفاعل خلف الكواليس من تداعيات . وهو الأمر الذي وسم مواقفه بالارتجال وطبع سلوكياته بالانفعال من جهة ، وأضفى على علاقاته مع حلفائه ومعارضيه ، من جهة أخرى ، طابع الشك في النوايا والريبة في المقاصد ، وبالتالي توقع الشر من الجميع والخيانة من الكل . وهنا تحولت الهواجس الآنية والمؤقتة إلى خوف دائم وثابت ، سيطر على عقله وهيمن على بشخصيته ، بحيث قلص أمامه مجال الخيارات التي كان يفترض به اللجوء إليها والاعتماد عليها ، إلى صيغة صفرية مطلقة : أما أنا الحاكم الأوحد ، وأما الآخر المحكوم المتعدد . وهكذا فقد هيأت له هذه الأرضية الموبوءة المسوغ للاندفاع صوب أفضل الخيارات وأضمنها من وجهة نظره ، ذلك الخيار الوحيد الذي غالبا”ما تلجأ إليه الأنظمة السياسية التي تآكلت شرعيتها الوطنية واستنفدت أرصدتها الأخلاقية ، المتمثل (بالعنف الكاسح) حيث ردع الشركاء المتذبذبين وقمع الخصوم المناوئين . وإذا كان من المباح استخدام الصيغة الصفرية في العلاقات الدولية ، ضمن صيغ أخرى كانت رائجة لمواجهة التهديدات والتصدي للتحديات ، لاسيما حينما كانت الحرب الباردة قائمة بين القوتين العظميين (الولايات المتحدة الأمريكية) و(الاتحاد السوفيتي) السابق ، فان اللجوء إليها والتعويل عليها من قبل رئيس دولة ضد كامل شعبه دون تمييز ، يعد سابقة خطيرة ليس فقط على صعيد العلاقات الاجتماعية داخل البلد الواحد (= العراق) ، حيث الإبادة الجماعية لقطاعات واسعة من الشعب هي المستهدفة فحسب ، وإنما على صعيد العلاقات الإنسانية بالنسبة للعالم أجمع ، حيث الواجب يستلزم كبح

جماح هذه النزعة الانتقامية ، والحيلولة دون تحولها إلى منهج سياسي تمارسه السلطة الدكتاتورية مع أبناء شعبها ، كلما استشعرت إن أزمة تلوح بالأفق حتى وان كانت هي من حصائل مواقفها الاقصائية وممارساتها التعسفية !! .

*[email protected]