تبدو الازمة القطرية في مأزق حقيقي، أمريكي وعربي ودولي ، وهذا المأزق وضعته أمريكا لنفسها وللمنطقة عموما، حينما سمحت لقطر بتدويل القضية، وتدخل الدول الاقليمية كإيران وتركيا في تفاصيلها، بالرغم من أن الازمة هي أزمة عربية، وشأن عربي داخلي ، في حين تبدو روسيا الى الان ،أنها أخذت دور الوسيط في الحل ، فهي لا تستطيع التفريط بالحليف العسكري الاستراتيجي السعودي والاماراتي، كما تركيا لاتستطيع التفريط بالحليف السعودي لامرين هامين هما ،أن السعودية لها ثقلها الاسلامي المهم ،الذي لايمكن لتركيا أن تتجاهله وتخسره فتخسر العالم الاسلامي برمته ، لاسيما وأن تركيا تعتبر نفسها مركز الخلافة الاسلامية للان ، ولا تستطيع أيضا أن تخسر العرب بخسارة السعودية ، لان الخلاف الاوروربي التركي عبر التاريخ ،كان يُلجيء تركيا للألتجاء نحو العرب ، في حين ترى إيران (وهذا غباء تاريخي )، أنها فرصة تاريخية لها ،أن تعمق الصراع العربي –العربي وتجيره لصالحها ، ولخدمة مشروعها الكوني التوسعي لاقامة الامبراطورية الفارسية ،وتحقيق الحلم الكسروي عبر التاريخ ، كعقدة تاريخية ظلت تحلم بها إيران ،لأستعادة مجد مضى ولن يعود ، ولهذا فتحت أجواءها البرية والبحرية والجوية لقطر ، بل وأعلنت جهوزية الحرس الثوري الايراني للتدخل عند الحاجة، ناهيك تغيير خطابها السياسي وإلاعلامي بشكل جذري لصالح قطر، وإندمج معه الخطاب الاعلامي السياسي العراقي ،لاجنحة وأحزاب إيران وتوابعها ومريديها في العراق، فتحولت بقدرة قادر بليلة وضحاها قطر من دولة وهابية وتصدر الارهاب وعدوة الى دولة صديقة مظلومة ، والدفاع عنها أصبح مقدسا، وهذه هي اللعبة السياسية التي تريد لها إيران من خلالها، شق الصف العربي ، ودق أسفين بين دولها وحكامها وشعوبها ،لصالح مشروعها القومي الفارسي، أما الموقف ألامريكي تجاه الازمة فهو موقف مؤجج لنار الصراع الذي تتصاعد أدخنته نحو المواجهة العسكرية ، تماما كما حصل في أزمة العراق-الكويت، عندما التقت السفيرة الامريكية إبريل كلاسبي بالرئيس الراحل صدام حسين ،وأبلغته الموقف الامريكي تجاه الازمة مع الكويت ،وقالت له حرفيا(أن الادارة الامريكية لاتتدخل بالشئون العربية وتعتبر الازمة مع الكويت شأن عراقي كويتي داخلي)، مما إعتبره المراقبون والمحللون السياسيون (فخا أمريكيا للعراق)، اليوم الرئيس ترمب قلب المعادلة وذهب الى الابعد وكان واضحا جدا في استراتيجيته بلا لف ولا دوران، قائلا( أن قطرتمول وتدعم الارهاب منذ زمان وعليها التوقف فورا )، وكرر هذا الكلام وزير خارجيته تيلرسون أيضا، ما معنى هذا ،وأمريكا لها قاعدتان عسكريتان في قطر هما السيلية والعديد،وهما أكبر القواعد العسكرية الامريكية لواشنطن في العالم ،أليس تفجير بؤرة صراع أخرى في المنطقة ،وإدخال المنطقة بحرب عالمية ، عربية –عربية ،وعربية إقليمية ، وصولا الى تفكيك الشرق الاوسط وإعادة بناؤه على الرؤية الامريكية، والاستراتيجية الامريكية التي وضع أسسها وبرامجها بعيدة المدى برنارد لويس منظر السياسة الخارجية الامريكية ، أعتقد أن أزمة قطر بالرغم من تصاعد دخان الحرب بينها وبين جيرانها وأشقائها العرب ، ماهي إلا محطة لكشف زيف الاداعاءات الامريكية لشيطنة الدول الخليجية وإدخالها في احتراب داخلي، تماما كما فعلت مع العراق وحطمت دولته ونظامها الوطني، والتي إعترفت الادارة الامريكية السابقة واللاحقة (بخطأئها التاريخي ، بل وذهب الرئيس ترمب الى ابعد من الاعتراف بتقديم إعتذار رسمي لعائلة الرئيس الراحل صدام حسي علنيا ، ولكن بعد خراب العراق وتدميره، نعم الازمة القطرية مع أشقائها تنتهي بمجرد ما تقدم قطر تطمينات حقيقية ، وإثباتات حقيقية ، ودلائل صحيحة ، وتتعرف بخطأئها بتمويل المنظمات الارهابية بقصد أو بدون قصد ، وتبدأ مرحلة جديدة وعلاقة جديدة مع أشقائها ،علاقة تيتند على الدخول في التحالف العربي بمحاربة الارهاب بكل أشكاله وأنواعه ، وكل مسمياته ،وتقطع علاقتها مع راعية الارهاب وداعمته ومؤججة الحروب القومية والطائفية الاولى في العالم بإعتراف كل العالم وهي دولة إيران الفارسية ، التي لاتنكر دعمها وتمويلها للميليشيات الطائفية التي سلحتها ودربتها ومولتها ، لتصبح (الجيش الايراني الشيعي ) لاكمال البدر الايراني التوسعي واعلان الامبراطورية الفارسية ،ودعمها وإيوائها لقادة القاعدة وتنظيم داعش والاخوان المسلمين وانصار الشريعة الليبية وغيرها من الفصائل والتنظيمات الارهابية ،التي تزعزع أمن وإستقرار العالم كله ،إذن الدعم الامريكي للازمة القطرية ليس (لوجه الله) وليس خوفا من خطر قطر ،وهي تحتضن اكبر القاوعد العسكرية الامريكية في العالم ،وإنما لزعزعة إستقرار المنطقة ، نحن نرى أن قطر أخذتها العزة بالأثم، لم تحسب حساب القوة العسكرية وثقل الدول التي تريد مواجهتها عسكريا، فحساباتها قصيرة النظر، فلا إيران، تشفع لها وتنقذها ،إذا وقعت الواقعة ، لاسامح الله، ولا تركيا ، ولا حتى روسيا ، لسبب بسيط جدا ، هو أن لااحد يستطيع تجاهل قواعد أمريكا في قطر ، وستكون قطر بكل الاحوال خاسرة الحرب اعلاميا وسياسيا وعسكريا، المنفذ الوحيد أمامها هو قطع علاقتها مع الارهاب، وتنازل الامير عن الحكم وإبقائه داخل الاسرة الحاكمة ، وطي صفحة الخلافات ، ونزع فتيل حرب طويلة ليس لها آخر كداحس والغبراء، تنتهي بخسارة الجميع ، لان الحرب عربية عربية والباقي تتفرج، وتقطف ثمار ونتائج هذه الحرب ، كما خسر العرب قوة العراق عسكريا وسياسيا واعلاميا، ستكون نهاية العرب الى الابد هي في قبضة شياطين السياسة ودهاة الحروب، ولو بالوكالة ، إن الخيارات الامريكية ، بدأت تضيق ، بسبب التدخلات الاقليمية والدولية في الازمة، فبريطانيا لها كلمتها الطولى ، وكذلك روسيا التي تظهر نفسها واقفة على الحياد ، لها أجندة وعلاقات إسترتيجية ومصالح إستراتيجية في الخليج ، لايمكن لها التغاضي عنها ، وهكذا إيران وتركيا كل من زاويته، ولكن الشيء الملفت للنظر وهنا المفارقة ، أن جميع هذه الدول تمارس الابتزاز مع أمريكا في كل من الملفات العراقية والسورية والليبية واليمنية والبنانية والبحرينية وغيرها من الملفات التي تمسكها أمريكا وتمارس هذه الدول ملف (أزمة قطر) لابتزازها معها لمصالحها ومشاريعها الاستراتيجية ،في الشرق الاوسط، لانها تعلم تماما ،أن قطر تمثل أهمية قصوى لدى الادارات الامريكية ، لموقعها البحري وللقواعد العسكرية فيها ، وتدرك الدول ،أن مشاريعها لن تتحق إلا بالتعاون والتنسيق والتوافق مع أمريكا ، وخير دليل هو التوافق الروسي –الامريكي في سوريا، بعد أن وصل حد التصادم العسكري، فتم التفاهم وتوزيع الغتنائم فيما بينهما ،وحصلت الهدنة والتفاوض مع أطراف المعارضة والفصائل في جنيف1-6،والاستانة 1-3 ، وهكذا تتم الصفقات على حساب دماء الشعوب العربية ، اليوم يتكرر المشهد في أزمة قطر التي خلقتها امريكا ،في قضية كشف العلاقة وتمويل الارهاب وكشف الاسماء الممولة له ،بعد أن تغول تنظيم داعش ووصل الى نهايته في العراق وسوريا بعد معركتي الموصل والرقة ، أمريكا هي من يصنع الارهاب ويسوقه ، ويعود لمحاربته ، وهي من تعلن الحروب وتوقفها وتصنع طغاتها وأمراءها ، كل هذا يجري في عالم منفلت في الفوضى ، وخلق بؤر التوتر والصراعات الطائفية والقبلية والقومية، وتشجيعها ، في وقت يحتاج العالم الى السلام ، من اي وقت مضى، فقد أنهكت الشعوب الحروب ، في العقود الماضية والزمن الحاضر، ووقودها دائما الفقراء، نعم أزمة قطر أزمة أمريكية مفتعلة بإمتياز، والدليل هو التوقيت الذي أعلنت قطر فيه خروجها ،عن الاجماع العربي والدولي، برفضها تجفيف منابع الارهاب ،والتوقف عن دعم المنظمات والفصائل الارهابية في العالم، لان الادارة الامريكية ،وضعت نصب أعينها قمة ترمب في السعودية ،لتطبيق شعارها محاربة الاسلام الراديكالي المتشدد والمتطرف بنوعيه (السني والشيعي)، وبما أن قطر شذت عن الاجماع هذا ، وضربت استراتيجية الرئيس ترمب عرض الحائط ورفضت الانصياع لمقررات قمة ترمب في السعودية ، والتي تعتبرها امريكا مصيرية بالنسبة لمشروعها ومصالحها التي تواجه الفشل ، اذا لم تتحقق في المدى المنظور ، لذلك هي مستعدة للتضحية بقطر وقواعدها هناك، ربما تنقلها الى السعودية أو العراق أو مكان آخر لها، وربما وهو الارجح، أن تغير حاكمها ،كأقصر طريق لها ، وهو ما تعمل عليه الان ، وهو الخيار الاقرب للتحقق ،والاسهل للتطبيق ،لضمان تواجد عسكري طويل المدى في المنطقة ،يحقق لها الاهداف الاستراتيجية الكبرى لامريكا، وهوما يؤكد إفتعال الازمة القطرية في هذا الوقت بالذات ….