مقدمة
من البديهيات الأساسية التي كان يتداولها السياسيون والمعلقون والصحفيون وكثير من الناس وحتى البسطاء منهم ،أن الأتحاد السوفيتي هو من المنعة والقوة والجبروت مما يجعل من المستحيل على القوى العالمية السوداء من ان تخضعه بواسطة الحرب والاساطيل والجيوش ، لأنه كان يملك كل ما يلزم للمحافظة على استقلاله وقوته الضاربة ، وهذا ما دفع أعدائه للتفكير بخطة لنسفه من الداخل بواسطة عناصر تحمل الجنسية ” الروسية ” و ” البطاقة الحزبية ” والمكانة المرموقة في السلطة … وأخيرا أن يكون ا لديهم الأستعداد لتنفيذ السيناريوهات القادمة من وراء البحار .
أولا :ـ الأعداء يعترفون !!
تقول تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة ( ان الأتحاد السوفيتي لم يمثل خطرا جديا على العالم الغربي الرأسمالي ، وأنا اقصد انه لم يمثل خطرا عسكريا من حيث المبدأ ، لأن بلداننا لديها من القوة العسكرية الكافية والجيدة ، بل أنا أؤكد على الخطر الأقتصادي للأتحاد السوفيتي ، ويعود سبب ذلك الى استخدام التخطيط الأقتصادي الذي يحمل الروح الأنسانية والمادية والأخلاقية ، واستطاع الأتحاد السوفيتي من أن يحقق معدل نمو اقتصادي كبير وخاصة في معدل الناتج المحلي الأجمالي ، وكان معدل النمو يفوق ب 2 مرة على ما حققته بلداننا الرأسمالية ، ناهيك من أن الأتحاد السوفيتي كان يملك من الموارد الطبيعية الهائلة ، وكان لدى الأتحاد السوفيتي امكانية ازاحتنا من السوق العالمية ، وعلى هذا الأساس كنا دائما نفكر ونتخذ الأجراءات الملموسة من أجل اضعاف القوة الأقتصادية للأتحاد السوفيتي ، ونخلق له متاعب وصعوبات أقتصادية داخلية … ) (1)
في 25/10/1995أعلن بيل كلنتون الرئيس الأميركي السابق( نحن حققنا ما كان يصبوا اليه الرئيس الأميركي ترومان ، الذي كان يهدف الى استخدام السلاح النووي ضدالأتحاد السوفيتي ، ولكن الفرق بيننا ، نحن فككنا الأتحاد السوفيتي < عبر الخيانة في قيادة الحزب الحاكم… > وحصلنا على المواد الخام الأولية وفككنا الدولة النووية وانفقنا مئات المليارات من الدولارات وخلال 4 سنوات حصلنا نحن وحلفائنا على 15 مليار دولار ومئات الأطنان من الذهب و الأحجار الكريمة الأخرى و20 ألف طن من النحاس و50 ألف طن من الألمنيوم … وخلال سنوات البيروسترويكا في الأتحاد السوفيتي ، كثيرا من العسكريين والسياسيين ورجال الأعمال لدينا لم تكن لديهم القناعة في تحقيق هدفنا نحو الأتحاد السوفيتي ،فقمنا بأضعاف وأرباك الجانب الآيدولوجي في الأتحاد السوفيتي واضعافه عسكريا على الصعيد الدولي ( الغاء حلف وارسو ،سحب القوات السوفيتية من دول أوربا الشرقية وخاصة من جمهورية ألمانيا الديمقراطية … ) كمنافس عسكري لنا ، وان القيادة السوفيتية “غورباتشوف وفريقه الفاسد ” كانت تعجبنا وهي موضع ارتياح من قبلنا ،وهم حققوا لنا نتائج ايجابية كبيرة ،ونحن ضمنا الى يلتسين الرئاسة الثانية عام 1996 ، كما قمنا بابعاد العناصر المشكوك فيها من حول الرئيس يلتسين ، وعملنا وفق ” مبدأ ” الغاية تبرر الوسيلة ، وخلال عشر سنوات القادمة ( 1995 ـ2005 ) كان على يلتسين أن ينفذ الآتي :ـ
1ـ العمل على تفكيك روسيا الى دويلات صغيرة وعبر الحروب الداخلية < تحمل طابع قومي/جمهورية الشيشان انموذجا > على غرار ماحدث لجمهورية يوغسلافيا .
2ـ العمل على اضعاف ثم انهاء القوة العسكرية لروسيا ،اي اضعاف وتخريب المجمع الصناعي ـ الحربي < الذي تمت خصخصة معظم مؤسساته وبدأ ينتج أواني منزلية …>.
3ـ العمل من قبلنا على ان تكون الجمهوريات ” المستقلة ” معادية لروسيا .
وكما يقول كلينتون ، نحن نسمح لروسيا أن تكون دولة عظمى ، ولكن لن نسمح لها أن تكون امبراطورية ، فأميركا هي الأمبراطورة الوحيدة في العالم . (2)
ماذا يقول الملياردير الياباني ؟
يقول الملياردير الياباني خيرسون تيرافاما في عام 1991 (في عام 1939 كنتم انتم الروس أذكياء ، أما نحن فكنا أكثر غباء ، وفي عام 1955 نحن اصبحنا أذكياء … وان كل نظامنا الأقتصادي قد تم استنساخه بالكامل من بلادكم ونظامكم ، ولكن الفارق الرئيسي بيننا ، نحن بنينا نظام رأسمالي وقطاع تجاري خاص ولم نحقق معدل نمو أقتصادي أكثر من 15% ، في حين أنتم وفي ظل الملكية العامة الأجتماعية لوسائل الأنتاج قد حققتم معدل نمو 30% وأكثر ، ونحن رفعنا شعارا على جميع شركاتنا ،شعار ستالين ” لنبدأ العمل ” .
ثانيا : ماذا قال الخونه
يقول غورباتشوف < لقد كنت العدو الخفي للشيوعية > ثم يؤكد < كان هدفي في الحياة هو القضاء على الشيوعية > ثم يقول < كان هدفي العمل على تفكيك الأتحاد السوفيتي ومن الداخل > . ان تفكيك الأتحاد السوفيتي حدث بفعل التآمر والخيانة العظمى في قيادة الحزب الحاكم بدليل (ان الطابور الخامس وبدعم وأسناد وتأثير من وكالة المخابرات المركزية الأميركية تم تفكيك الأتحاد السوفيتي … والصهيونية هي التي قادت البيروسترويكا )(4)
ثم يقول غورباتشوف في الذكرى السبعون لثورة أكتوبرالأشتراكية العظمى (ان قضية الثورة العظمى هي قضية لينين العظمى ، أمانة بأيدينا اليوم … لقد كان زخم أكتوبر عظيما للغاية وكانت قوية للغاية أفكار الأشتراكية التي أسرت قلوب الجماهير … وفي عام 2017 سوف يستقبل شعبنا والبشرية التقدمية جمعاء الذكرى المئوية لثورة أكتوبر الأشتراكية العظمى <1917ـ2017 > .(5) أين غرباتشوف اليوم ؟ انه متسول سياسي في دول الغرب الأمبريالي من أجل جمع الدولارات ، هذا هو مصير الأنتهازيين خونة الشعب والفكر .
لقد وصف البعض ( البيروسترويكا والعلنية بأنهما برنامج “اشتراكي ثوري ” سيجر البلاد والشعب الى كارثة أقتصادية وأنقلابات اجتماعية ، وفي نهاية الأمر الى اخضاع البلاد للدول الأمبريالية .(6)
يلتسين ” يتفاخر ” !!
القى الرئيس الروسي السابق ، بوريس يلتسين خطابا امام الكونغرس الأميركي حول ” الأنتصارات ” على الأتحاد السوفيتي ،اذ قال ( من هذه المنصة “السامية ” الرفيعة أود أن اعبر لكم عن شكري واعترافي الصادق للرئيس الأميركي بوش الأب وللشعب الأميركي على المساعدة المعنوية التي لاتقدر والتي قدمت للشعب الروسي في قضيته ، نحن نشعر بالمسؤولية العظمى على النجاحات التي تحققت في عملية التحولات ليس فقط أمام الشعب الروسي فحسب ، بل أمام الشعب الأميركي ،وأمام الأنسانية جمعاء ، فاليوم أميركا الحرة هي التي تدافع وتحمي روسيا < الفترة 1992 ـ1999 > فأذا انهارت ” فشلت ” عملية الاصلاح سوف ندفع مئات المليارات من الدولارات من أجل تعويض هذه الخسارة ) .(7)
تعتبر فترة حكم يلتسين <1992ـ1999> من أسؤ الفترات المظلمة التي مرت على الشعب الروسي من الناحية السياسية والأقتصادية ـ الأجتماعية والأمنية ، ففي هذه الفترة السوداء كان الحكم الفعلي في روسيا في يد العناصر المليونيرية والمليارديرية من غير القومية الروسية ، ولعبوا دورا مؤثرا على الرئيس يلتسين سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر ، عن طريق ابنته تاتيانا ، وكان لديه مستشارين سياسيين وأقتصاديين من أميركا وثيقي الصلة بالمخابرات المركزية الأميركية ومنهم جيفري ساكس . وعمل في حكومة غايدار ـ تشرنوميردن 30 ألف “خبيرا ” نصفهم عملوا مع اناتولي جوبايس من أجل الأسراع في تنفيذ ما يسمى برنامج الخصخصة الكارثي والأسود على الشعب الروسي ، وتم خصخصة الأقتصاد الروسي بثمن بخس ، تم بيع (500) مؤسسة صناعية عملاقة بسعر (7،2) مليار دولار ، في حين قدرت قيمتها الحقيقية بما يقارب ترليون دولار ، وهذا كله كان لصالح الأوليغارشية الروسية والمافيا والبيروقراطيين في جهاز الدولة وهؤلأء لهم ارتباط وثيق بالغرب الأمبريالي وخاصة مع أميركا . كما قام يلتسين بأنقلاب على السلطة التشريعية عام 1993 وبدعم واسناد من قبل أميركا وحلفائها واستخدم الدبابات في حسم الخلاف مع السلطة التشريعية ،ورافق فترة حكم يلتسين تنامي معدلات البطالة والفقر والمجاعة والجريمة وتعاطي الكحول والمخدرات بشكل مفرط وبيع السلع الحية وتدهور القطاعات الأنتاجية والخدمية ، ومنذ عام 1992 ولغاية اليوم فقد المواطن الروسي ضمان حق العمل وفقدان مجانية التعليم والصحة والسكن … كما جرى تهريب لرؤوس الاموال الروسية للخارج ،وهيمنة المافيا على أهم فروع الأقتصاد الوطني وخاصة البنوك ، وتفشى الفساد الاداري والمالي بشكل مرعب ،وتدهورت قيمة العملة الوطنيىة <الروبل > حتى وصلت قيمة الدولار الواحد 3000 روبل حيث كانت قيمته في ظل السلطة السوفيتية 0,65 روبل ، وتنامت المديونية الداخلية والخارجية وضعفت المؤسسات العسكرية الروسية بشكل خطير ،اضافة الى اشعال الحرب في جمهورية الشيشان واصبحت روسيا معرضة لخطر التفكك والانهيار الجدي .
ثالثا :ـ من هم غورباتشوف ويلتسين ؟
ميخائيل غورباتشوف :ـ من مواليد 1931 ، عضو في الحزب الشيوعي السوفيتي (1950ـ1991) ، السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي (1985ـ1991)، رئيس دولة الأتحاد السوفيتي (1989ـ1991) ، في عام 1989 عضو في المحفل الماسوني ،اللجنة الثلاثمائة ، مستشار في المحفل الماسوني مجلس العلاقات الدولية واللجنة الثلاثمائة ،ومستشارفي المحفل الماسوني نادي بيلدربيغ ، ورئيس فوند غورباتشوف في روسيا وأميركا وهولندا ، ورئيس منظمة ماسونية بأسم ” ميروفوي فورما ” مقرها في أميركا .(8)
بوريس يلتسن :ـ من مواليد 1931 ، عضو في الحزب الشيوعي السوفيتي (1961ـ1990) ، سكرتير أول لمنظمة الحزب في مقاطعة سفردلوفسكي ، وسكرتير أول لمنظمة موسكو للحزب الشيوعي السوفيتي ، مرشح في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي ، رئيس مجلس السوفيت الاعلى (البرلمان ) لروسيا ،رئيس روسيا الأتحادية (1991ـ1999)، حاصل على وسام مالطا الماسوني عام 1991 ، منذ عام 1990 مستشار في مجلس العلاقات الدولية واللجنة الثلاثمائية ومع نادي بيلدربيرغ محافل ماسونية هامة وفاعلة في الحكومة العالمية .(9)
ان تفكك الأتحاد السوفيتي وأختفائه من الساحة الدولية جاء بفعل تضافر العوامل الداخلية والخارجية ، واصبح العامل الخارجي المؤثر والموجه للعامل الداخلي ، فضلا عن الخيانة الكبرى التي ظهرت في قيادة الحزب الحاكم وعلى رأسهم الخائن غرباتشوف وفريقه المرتد ، ويلتسين وزمرته التحريفية والانتهازية وبشكل مفرط ومرعب .(10)
ان مصير خونة الشعب والفكر دائما في مزبلة التاريخ السوداء .
ان قيادة أي حزب شيوعي في العالم لم تدن علنا نهج و سياسة غورباتشوف (1985ـ1991) فهي لن تختلف عنه من حيث المبدأ .
وأخيرا فالحزب هو المسؤول الأول عما حدث للشعب السوفيتي منذ عام 1985 ولغاية اليوم .
المصادر
1- جريدة روسيا السوفيتية ، 30/8/2016 باللغة الروسية .
2- المصدر السابق .
3- المصدر السابق .
4- أوليغ بلاتونوف ، الماسونية العالمية والمؤامرة على الأتحاد السوفيتي ،ترجمة واعداد د.يوسف سلمان ، ود.نجم الدليمي ،تقديم هادي العلوي ، دمشق ، الطبعة الأولى ،لسنة 1997 ، صفحة 26ـ27 ، مجلة حوار الفكر ، العدد 32 السنة 2015 ، صفحة 181ـ182 .
5- جريدة انباء موسكو ، العدد 45 ، السنة 1987 .
6- ارنست ماندل وأخرون ، البيروسترويكا ،روئ نقدية ،ترجمة بشير السباعي ، القاهرة، السنة 1989 ، صفحة 85 .
7- جريدة روسيا السوفيتية ،8/6/2018 ، باللغة الروسية .
8- اوليغ بلاتونوف ، روسيا تحت سلطة الماسونية ، موسكو السنة 2000 ، صفحة 87 باللغة الروسية ، اوليغ بلاتونوف ، لماذا ستفنى أميركا ، دار النشر كرسندار ، روسيا ، السنة 2001 ، صفحة 193 باللغة الروسية .
9- اوليغ بلاتونوف ، روسيا تحت سلطة الماسونية ، مصدر سابق ، صفحة 89 . اوليغ بلاتونوف ، لماذا ستفني أميركا ، مصدر سابق ، صفحة 214 .
10- د.نجم الدليمي ، دور قوى الثالوث العالمي في تفكيك الأتحاد السوفيتي وثائق …ادلة وبراهين ،عمان ، دار أمجد للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، السنة 2017 ،صفحة 174.