23 ديسمبر، 2024 4:20 م

الخوف من سرطانية الدين البشري

الخوف من سرطانية الدين البشري

نحتاج في عالمنا الاسلامي الى جرعات متتالية من الوعي الصادق الجريئ لتفتيت كل المواد المتصلبة , المتخلفة و الهاجعة في ضمير العقل الحركي الديني , جرعات يجب ان تكون مقاسة بمقاس العلم الحديث و مؤصلة على ضوء نظريات ذلك العلم , ومدروسة دراسة مكثفة لكي تخرج تلك النظريات والابحاث الى الواقع فلا ترتطم بذلك الواقع بل تسير على تقويمه وتحريكه . إننا مطالبون بدراسة الأحداث التي نؤمن بها سلفاً ووضعها على سدية الجرّاح العارف لمعالجتها معالجة طبية وليست عاطفية على غرار الدراسات والابحاث في بلادنا عندما تأتي لتعزيز الوعي التراكمي لدى الجماعات فتنهمك في إستغلال الشعور العاطفي لدى العوام من الناس واللعب على ذلك الوتر الحساس لكي تخرجهم من المعقول الى اللامعقول بالوقت نفسه يتعمد إهمال الفكر و الرؤيا الداعية الى إعمال العقل التجريدي في النقل التأريخي .
إننا حينما نفتش عن أهم الاسباب التي أدت الى وأد العقل العربي والإسلامي سنجد أن السبب الرئيسي هو الفكر الديني الإسلامي .

يشكل الفكر الديني الإسلامي العائق الاول في سير حركة المسلمين وتراجعهم وتقهقرهم , لما يتمتع به من غلظة وشدة وصرامة في نصوصه و أحكامه , يُعرّف الدين عادةً بانه الإعتقاد المرتبط بذات الإنسان بما فوق الطبيعة أي المقدس الإلهي ويمثل الصدق العامل الأساس فيه . والأديان دائماً تأتي لتصحيح حركة البشر مع الله , حاثة على إحترم الناس والتعامل معهم بلطف و إحسان ويكون العامل الإصلاحي غرضها الاول وهدفها الأسمى ولذلك يقول ، برنادشو ، ( الدين واحد من الله لكنه بنسخ متعددة )

أما الفكر الديني الإسلامي فهو نتاجات و أفكار إجتهد فيها بشر لقراءة النص فتولدت من تلك القراءة نصوص , ليتم صياغتها فيما بعد لتشكل لنا ديناً مصغراً مقدساً إنخرط من الإسلام ليكون هو الإسلام الناجي والفائز .

وبما أن إجتهادات المسلمين ونصوصهم و مدارسهم كثيرة ومتعددة صار التحزب والتخندق لكل مدرسة هو العامل الرئيسي في سير حركة المسلم حيث ان المسلم عاد لا يفكر بالدين او الاسلام إنما هو إنخرط وراء الجزئية التي أنتجها له (الفقيه) في دائرة الفكر الديني ليعتقد أنها أصل الدين والدفاع عنها واجب مقدس , وفي هذا الجانب نستطيع أن نقرأ بعض الأحداث التأريخية لنكتشف كارثية الفهم الخاطئ و إرتداده على المساكين من عوام المسلمين .

لم يهدئ التدين المغشوش يوماً من الايام ولم يتورع المتأسلمون من نحر المسلمين منذ البواكير الأولى لقيام الدين الإسلامي . المجازر التي أنتجها التطرف في الزمن الأموي لم تكن خافية على الجميع من أنها أتت بإسم الإسلام والدفاع عن حياض الدين ورفع راية المسلمين , فقتل الحسين بن علي بن ابي طالب مثلا ً كان مبرراً وذلك لأنه خرج على إمام زمانه ! وهو يزيد بن معاوية وبالتأكيد كان هذا مبرراً من رجال الدين وبفتاوى يستطيع أصحابها أن يرجعوها الى ما قبل الجاهلية إذا ما شئت . فالأمويون والعباسيون و الفاطميون و البويهيون والعثمانيون والصفويون كلهم أتوا بإسم الاسلام و بتأييد من فقهاء المسلمين .
هنا يحق لنا أن نتساءل ما الذي حققه لنا هذا الاسلام المؤدلج من الأمويين الى الان ؟ ما الذي جناه المسلم من كل هذه المغامرات التي خاضها أصحابها بإسم الاسلام وبتأييد الواعظ أو الفقيه الإسلامي ؟ أيهما أكثر فتكا ً القنابل النووية التي ألقيت على اليابان لتستيقظ وتكون كما هي اليوم أم الفتاوى الجهادية التحريضية التكريهية والتي قتل بسببها ملايين من الأبرياء وشرد من نتانة ريحتها الملايين ؟ .
ألا يستفيق الرأي العام عندنا لكي يرى أننا قلقون ، خائفون و متخلفون بإسم الدين ( الدين البشري ) كم من الدماء ستسيل على أرضنا حتى ندرك ونؤمن ان الله لا يريد لرسالته ان تنتشر بالقوة والدم .
وبمراجعة بسيطة الى حال الأمة الإسلامية سنكتشف ان معظم الإضطراب و التراجع والتخلف الذي لحقها ناتج من فكرة المتدين الذي لا يفهم الدين ولا يسمح للأخر ان يرشده الى مسالك الحياة اوطرق السماء , فهم كما يقول المثل الطفولي ( لو ألعب لو أخرب الملعب ) ومصداق هذا القول الوضع في الوطن العربي , فالعراق مثال صارخ وكارثي من حيث القتل الطائفي بنصوص دينية وبمعاول أقلام الفقهاء لم يتقاتل العراقيون على ثارات مدفونة ولا على أحقية ممتلكات تعود لطرف دون أخر ولا على تقاعس جهة في الدفاع عن الوطن دون الاخرى , لكنهم تقاتلوا ونحر بعضهم البعض الاخر بإسم المذهب و الطائفة و الدين . ولا أعرف أي دين هذا الذي يوغل في قتل الأبرياء دون وازع إلهي او إنساني . وأي أحاديث هذه الناصة على هدم البشرية من خلال قتل البشر ؟ بالتاكيد أنها ليست شرائع الله ولا دينه لكنه الدين البشري المخلوق من النصوص القديمة .
الوطن العربي لم يكن بإحسن حال من العراق من حيث الاستقرار وتغلغل المد السرطاني المتخفي بلباس الدين فالجزائر شهدت موجات من الذبح المغولي المتأسلم وكذلك مصر مطلع التسعينات والصومال لا زالت رازحة تحت يافطة الشباب الذين شيب الصومال الهرم لفرط جرائمهم .

الخلاصة :
هناك فكر ديني إسلامي سياسي صاعد الى السطح لا يملك اي مقومات السماحة الإسلامية الدينية , أدواته التي يتعامل بها هي الإقصاء والقتل وجزّ الرؤوس يتمظهرون بمظهر الورع والخوف والخشية من الله لكنهم يستبطنون حقداً وسمّا ً زعافاً يريدون أن يسيطروا على العالم العربي و الإسلامي لكي يقيموا خلافتهم المنشودة والتي منها سينطلقون حول العالم غازين اومحررين لكي يعيدوا مجد الأمة المسلوب فالاندلس يجب ان تعود الى ربوعهم و أوربا أما ان تدفع الجزية أو الحرب !! . فمتى سنستفيق ؟