الصراع على رئاسة البرلمان بين الشيخ خميس الخنجر رئيس حزب السيادة والسيد محمد الحلبوسي رئيس حزب تقدم ، ما يزال على أشده، وتتصاعد حدة هذا الصراع يوما بعد آخر الى مديات خطيرة ، لكن آمال الشيخ خميس الخنجر بحصول مرشحه النائب سالم العيساوي على منصب رئاسة البرلمان ، تبدو أكثر تحقيقا من ذي قبل.
وتشير أغلب معطيات وقائع المشهد الإنتخابي ، وبما يستند اليه من تحالفات وتفاهمات سياسية، الى أن حظوظ الشيخ خميس الخنجر بدت الآن وكأنها أكثر إقترابا، وهو متفائل بأن الحلفاء الذين يناصرونه هم على درجة من الموثوقية والثقل السياسي المؤثر ، ما يعطي لمرشح الخنجر النائب سالم العيساوي الأفضلية في الفوز هذه المرة.
ومما يقرب أمال الشيخ خميس الخنجر من تحقيق أهدافه وحلمه في حصول مرشحه النائب سالم العيساوي على رئاسة البرلمان،هي مجموعة التحالفات والتحركات غير الإستثنائية التي أقامها الشيخ الخنجر منذ شهور طويلة مع قوى سياسية فاعلة وقوية ، وهي من ترجح له كفة الموازنة في الثقل الإنتخابي داخل البرلمان، ولهذا تكون حظوظ العيساوي هذه المرة مقدمة لمؤشرات الفوز ، ومن أول جلسة ربما، إن لم تكن في المرحلة الثانية من الجلسة نفسها، وهو ما يعد ( نصرا كبيرا ) للشيخ خميس الخنجر .
في حين تبدو جبهة تحالفات السيد الحلبوسي ، وقد أصابها الكثير من الإنهيارات والإنقسامات والشروخ ، التي تؤدي الى تصدع مكانته ودوره السياسي وحتى تحالفاته المقبلة، حتى وإن كانت هناك جهات شيعية تدعم مرشحهم السيد محمود المشهداني، التي تضاءلت آمال فوزه يوما بعد آخر ، كونه كهلا وكبيرا في السن ، ولم يعد بمقدوره إدارة مؤسسة تشريعية مهمة مثل مجلس النواب ومواجهة حيتانها وصراعاتها التي تدور رحاها بين كتل المجلس ونوابه.
ومن عواقب فوز المشهداني هو الآخر أنه سيضع السيد الحلبوسي نفسه أمام إحراج شديد مع حزبه تقدم أولا ، ومع جمهوره وأنصاره في الأنبار ومحافظات أخرى ، حيث يعدون ترشيحه للمشهداني خذلانا لهم وضياعا لمستقبل محافظتهم، في أن الحلبوسي قد (باعهم) هذه المرة .
كما أن التحالف القوي الذي أقامه الشيخ خميس الخنجر مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني السيد مسعود البارزاني الشخصية التي لها ثقلها في أي دعم سياسي وإنتخابي، والتفاهم معه بشأن محافظ كركوك ومجلس محافظتها يدعم هذا التوجه الإيجابي ، إضافة الى المباحثات التي جرت بين الشيخ الخنجر ومع قوى شيعية مهمة عقد معها الخنجر مباحثات إيجابية هي الأخرى ، وحصل على وعد منها بدعم مرشحه العيساوي ، ولديهم نواب أغلبية كبيرة ، هو من يقوي من عضد الخنجر رئيس حزب السيادة ، ومن مستوى الدعم السياسي الذي سيحظى به خلال جلسة إنتخاب رئيس البرلمان المقبلة.
وهنا من المرجح أن يلجأ السيد الحلبوسي الى تعطيل عقد جلسة البرلمان المخصصة لإنتخاب رئيسه، أو التمسك بشروطه السابقة ، في أنه من كان يمثل الأغلبية في البرلمان، حيث سيعمل جاهدا ، بكل ما أوتي من قوة، لإفشال نوايا الشيخ الخنجر وحرمانه من الحصول على رئاسة البرلمان بأي ثمن، وبخاصة أن الحلبوسي كما يعرفه الشيخ الخنجر لديه قابلية للتعامل مع الشيطان ، إن كان ذلك سيكون في مصلحته، وهو سيتمسك بترديد مطالبه ، ولهذا سيعمل جاهدا على تخريب إنعقاد الجلسة في كل الأحوال ، أو على الأقل تعطيل إنتخاب رئيس البرلمان والإبقاء على السيد محسن المندلاوي رئيسا مؤقتا ، لحرمان الشيخ الخنجر والعيساوي على حد سواء من إقتراب حلمهم من منصب رئاسة البرلمان.
لكن مراهنات الشيخ الخنجر كما أكدنا تبقى هي الأقوى ترجيحا وأقرب الى التحقيق ، وحزب السيادة قد ( يتسيد ) المشهد الإنتخابي والسياسي المقبل ، ويتراجع حزب تقدم كثيرا، وبخاصة أن الشيخ الخنجر سيعيد وزارة التجارة للحلبوسي ، إضافة الى هيئة صندوق إعمار الأنبار ، ومناصب أخرى ربما، ويقبل بإعادتها للحلبوسي ، مقابل تخلي الأخير عن رئاسة البرلمان، الذي ربما سيحد الحلبوسي نفسه ( معزولا ) هذه المرة، وهو يواجه حالات إنقسام رهيبة داخل حزبه وخارجه ، أدت الى خسارته مصادر قوته الإنتخابية داخل البرلمان حتى في الإنتخابات المقبلة ، وهو كما يبدو في سياسي حرج ومتشنج وضع لايحسد عليه ، وربما قد يقبل بـ (الخسارة الثقيلة) و( يتجرع المرارة ) بالتنازل عن منصب رئاسة البرلمان لأحد مرشحيه ، مقابل أن تعود له إستحقاقاته من المناصب الوزارية والمهمة، لأن الحلبوسي ربما أدرك أن الأوراق التي بقيت بيده أصبحت أكثر وهنا، وهي ليس بمقدورها أن تحقق له شيئا، ولهذا يخشى من أن مراهناته على أن يكون المرشح محمود المشهداني أو أحد من قيادي حزب تقدم قد تضاءلت بشكل كبير، ولهذا فالمطلوب من الحلبوسي أن (يناور) هذه المرة ، لتعويض خسارته الكبيرة ، بأي حال من الأحوال، كي لايبدو أنه خرج من هذا التنافس الإنتخابي العسير(مولدا بلا حمص ) ، كما يقال.
وهكذا سيكون الشيخ الخنجر هو (المنتصر) في نهاية هذه الجولات العصيبة، وهو من سيمكن مرشحه السيد سالم العيساوي من حسم المنصب لصالحه لكي يتسلق ( كرسي الزعامة ) للمكون السني ، شيئا فشيئا ، لكون المنصب هو من يضمن لمن يفوز به أن يكون هو (الزعيم) ، وهو ما يقوي من شوكة وعضد الشيخ الخنجر وحزب السيادة وتحالفاته الإنتخابية المقبلة ، بدعم من الزعيم الكوردي مسعود البارزاني وقوى كثيرة من الإطار ومستقلين أيضا، وتكون آماله بالحصول على أصوات أكثر وأقوى من الحلبوسي ممكنة جدا.
بل أن هناك من يرى أن الكثير من ناخبي الأنبار سيتحول ولاءهم للعيساوي ولتحالف الخنجر المستقبلي في الإنتخابات البرلمانية المقبلة 2025، وقد يفوز مرة أخرى ، إن تولى رئاسة البرلمان هذه المرة، وهو ما يفقد الحلبوسي عنصرا مهما من عناصر القوة ، بل ويفقد زعامة مكونه التي إستقتل من أجلها لسنوات، وهو نفسه من أضاع تلك الآمال الكبيرة ، بعد قرارات لم يحسب لعواقبها الحساب المفترض ، وأدت الى ما أصابه من تراجع كبير على المستوى السياسي ، أضرت به كثيرا ، الى الحد الذي تجعله (مرغما) على قبول (الخسارة الفادحة) شاء أم أبى ، بعد أن علا نجمه قبلها لسنوات وأصبح هو (الزعيم المنتظر) حتى بزغ دوره المؤثر والفاعل في الأنبار وبغداد ومحافظات أخرى ، وإذا به يفقدها بجرة قلم وبرمشة عين في نهاية المطاف.
وكم كنت قد نصحت السيد محمد الحلبوسي في مقالات عبر ملاحظات غاية في الأهمية ، قبل أشهر وحتى الى ما قبل أيام، نشرت بعدة مواقع مهمة ، بأن يعيد السيد الحلبوسي تصحيح مساراته ويتصالح مع الجميع، بضمنهم من يعتقد أنهم خصومه ، ويعترف بما إرتكبه من (قرارات إرتجالية) بحق نواب من بني جلدته في وقتها، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وإستغلها البعض للإنتقام منه وإبعاده عن رئاسة البرلمان بطريقة أقرب الى أن تكون (قرارات سياسية) من قبل أطراف في الإطار،ليس لها ما يبررها قانونا ، ولا في الدستور ، كما يؤكد أصحاب الإختصاص في القانون أنفسهم، وحتى (محكمة التمييز) التي أشارت الى صدور(قرارات سياسية) مؤخرا ، إستهدفت جهات وشخوصا، ربما كانت تقصد السيد الحلبوسي بصورة غير مباشرة ، أكثر من أي شخص آخر .
أجل.. لقد طلبت منه في عدة مقالات موجهة له أن يعيد (تصحيح) مسارات علاقاته مع الخصوم من محافظته ، بضمنهم نواب المكون والشيخ خميس الخنجر ومع الآخرين من تحالفات أخرى ، لكي يكون بمقدوره إستعادة مجده ، وهناك (مرشحون جدد من داخل قيادات حزبه) يمكنهم أن يكونوا (شخصيات بديلة لديها المقبولية وهي غير جدلية )، بضمنهم النائب عادل خميس المحلاوي ، وكل تلك النصائح والمؤشرات التي وضعناها في خدمته ، بالرغم من عدم وجود أية علاقة مباشرة تربطنا به ، والآخرين يعرفون مدى أهميتها وقدرتها الى تحويل التوجهات السياسية لصالحه ، لكن كل تلك النصائح والملاحظات (المجانية) ،التي قدمنها له ذهبت أدراج الرياح، وصم الحلبوسي كما يبدو أذنه ، ووضع على عينيه غشاوة ، ولم يكلف الحلبوسي نفسه ، هو أو نوابه ومستشاريه المقربين منه ، عناء السؤال عمن يضع بين أيديهم تلك الملاحظات والنصائح عبر تلك المقالات و(خارطة الطريق) التي وضعناها في خدمته ، وهو ما أوصل نفسه الى هذا المصير الذي لايحسد عليه وبـ (المجان) أيضا.
بل أنه حتى مستشاريه ومن يخرجون على الفضائيات وعلى الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي ، من محللين سياسيين ومن أنصاره التابعين له ، وهم كفاءات شبابية ومجربة أيضا ، لم يعد بمقدورهم الدفاع عنه، بعد أن (إستهلكت) طروحاتهم المكررة مضامينها، وهم أنفسهم قد أجهدوا أنفسهم في إيجاد (المبررات) لكي يقبلها الآخرون، لكنهم تعبوا فعلا في ترديدها ، ولم تعد تجد (المقبولية)، لا من الجمهور ولا من القوى السياسية المنافسة التي تتربص به الدوائر ، كما لم تجد طروحاتهم من يستسيغها أو يتناغم معها ، وهو ما أدى الى كل هذا الخلل الكبير الذي تعرض له السيد الحلبوسي وأصاب سمعته السياسية في الصميم .