الأكثر إثارة في المشهد السياسي العراقي اليوم ، بل الآن ، هو لقاء الغرماء الأشد عداوة منذ انتخابات عام 2010 التي سرقت نتيجتها المحكمة الاتحادية من أياد علاوي ، ويقال عن للمالكي الغريم التقليدي لعلاوي ، اليد العليا في حرف النتائج.
كان ذلك زمن مضى ، ففيما بقي علاوي والمالكي غرماء التحالفات ، يجلس الخنجر اليوم ملاصقا للمالكي فيما احتفى العامري بقدوم الخنجر ، وأقام علي الصجري من كرسيّه ليكون المشهد الثلاثي الأشد والأكثر تناولاً على مواقع التواصل !
أكاد أجزم إن هذا اللقاء المثير في عملية سياسية هشّة ، واجه إعتراضات ومايزال ، من قيادات في تحالف البناء وتشكيلاته الأهم ، دولة القانون والفتح ، ومن قيادات في حزب المشروع العربي الذي يترأسه الشيخ الخنجر ، وهي إعتراضات كانت متوقعة وطبيعية ، لكنّها لم ترق إلى مستوى تغيير مسار اللقاء الثلاثي القائم على تراث عميق من العداوات والإتهامات المتبادلة التي وصلت إلى حدود التخوين التقليدية في هذا المشهد..
وأكاد أجزم إن جمهوراً واسعاً لدى أطراف اللقاء الثلاثي ، هو الآخر ينظر بعين الريبة إلى لقاء الغرماء الثلاثة ، وهي ريبة قائمة على تأريخ من عدم الثقة في مسارات وتحالفات أقيمت لها المهرجانات ثم أفضت بالعودة إلى المربع الأول قبل أن يجف حبر تلك التحالفات !
سنترك ذلك جانبا ونتحدث بواقعية سياسية ، وكما يقول دارج الكلام العراقي الشعبي ” احنه أولاد اليوم ” .. ونسأل بواقعية أشد :
ما هو البديل عن التفاهم بين الغرماء ؟
ما الذي سنجنيه مستقبلاً لو إستمر النسق السياسي على حاله منذ خمسة عشر عاماً ؟
الطرفان ، البناء والمحور الوطني ، إعترفا مؤخراً ، أن إجترار الماضي نتج عنه الخراب العراقي الحالي ، وإن البديل هو تحالف الأقوياء !
فالعامري يكاد يكون الحاكم الفعلي في البلاد ، والمالكي يلعب بمهارة بكل الخيوط من تحت بالطاولة أو من فوقها ، فيما برز الخنجر كزعيم سني جديد ، يكاد يكون الأقوى في التمثيل السني والمدعوم من كتلة سنيّة قوية ( نحو 53 نائباً) ولعب دوراً مهما في تنصيب محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان ، بإعتراف فالح الفياض أحدد قادة البناء الأقوياء والذي تم تداول إسمه في الأوساط السياسية كمرشح لرئاسة الوزراء ، وإن كانت حظوظه قليلة ، الفياض إعترف في برنامج تلفزيوني وقال ، إن الخنجر لعب دوراً إيجابياً في العملية السياسية ، وأضاف ” الأخ خميس الخنجر يقوم الآن بدور وطني مهم وخلق التوافق الوطني، وساعدنا كثيراً بتشكيل رؤية وطنية بين السنة والشيعة”.
مع من أو ضد من ؟ ، ليس هو السؤال المحوري المطروح الآن حتى من قبل الجمهور الذي سينتظر النتائج ، نتائج التحالف الجديد ..
الجمهور السنّي ينتظر من الخنجر أفعالاً ونتائج ملموسة للخروج من المشكلات التي يعاني منها بسبب الدواعش وحروبهم ، مشكلات عميقة وبنيوية من طراز عودة النازحين ومصير المختطفين والمفقودين والأبرياء في السجون والإعمار.
فيما الجمهور الشيعي هو الآخر ينتظر من العامري والمالكي حلولاً لمشكلات مستعصية ، لعل أبرز تجلياتها إنتفاضة البصرة والاحتجاجات اليومية في بقية محافظات الوسط والجنوب الشيعية المنطلقة على إيقاعات بائسة من إنعدام الحياة الإنسانية وشروطها ومعاييرها في حدودها الدنيا ! ..
وأجزم ، إن كلا الجمهورين غير معني الآن بإستراتيجات التوازن والديمقراطية والمجلس السياسي ..كلا الجمهورين يبحث الآن عن حلول لمشكلاته اليومية التي حولت الحياة إلى جحيم حقيقي ..ملايين المشردين والنازحين يقابله الآلاف في البصرة التي تتسمم بالتلوث ، هذا غير غرق البلاد في مستنقع الفساد المالي وغياب حقوق الانسان والإنفلاتات الأمنية والإغتيالات المقيّدة دائماً ضد مجهول !
الصورة لم تكتمل بعد حقيقة ، بغياب التيار الصدري عن المشهد ، سنكون متجهين نحو أزمة بل أزمات القديمة منها والجديدة ، فالمشهد السياسي وتجلياته الإجتماعية ، أثبت بانه غير قادر على أن يقف على قدميه بجسد سليم على شعارات الأغلبية السياسية والوطنية والحكومة الابوية ، وهي شعارات تساقطت وسقطت في طريق بناء سياسي غير واضح المعالم حتى الآن !
الأهم سيكون الجواب على السؤال التالي :
هل يستطيع تحالف الغرماء هذا أن يجيب على أسئلة الجمهور بأفعال واقعية ليسكت الهواجس ويمنح أملاً في إن القادم من الأيام ليس تكراراً لما سبق ؟