23 ديسمبر، 2024 10:50 ص

الخليفة والمسيحيين

الخليفة والمسيحيين

أمر الخليفة العباسي المتوكل المسيحيين وأهل الذمة كلهم بارتداء وشاح طويل عسلي اللون، وشد حبل الطائفة (وهي جزء من الملابس التي طلب الذميون أي المسيحيون واليهود ارتدائها عند فتح الإسلام لبلاد الشام لإثبات هويتهم وتفريقهم عن المسلمين وهي كانت تقليد متبع في الماضي. واعتبر شرط ارتداء الزنار أو الحبل واحدة من أحكام “العهدة العمرية” التي عقدها الخليفة عمر بن الخطاب في القرن السابع كعهد سلام مع مسيحيي القدس). وأمر أن توضع كرتين من الخشب على مؤخر السروج، وبوضع أزرار (عددها اثنين) على قلنسوة المسيحي التي يجب أن تكون ذات ألوان مخالفة لألوان القلنسوة التي يلبسها المسلمون، وبوضع رقعتين من القماش على ملابس عبيدهم ذات ألوان مخالفة لألوان ثيابهم؛ وأن تكون إحدى الرقعتين عند الصدر، والأخرى خلف الظهر؛ وتكون كل واحدة من الرقعتين بقدر أربع أصابع، ولونهما عسليًا أيضاً، ومن لبس منهم عمامة فكذلك يكون لونها عسلي، وأن لا تخرج نساؤهم إلا في إزار عسلي، وأمر عبيدهم بلبس حبل الطائفة المشدود حول الوسط، وبمنعهم من لبس أحزمة عريضة كالتي يرتديها عبيد المسلمين، وأمر بهدم معابدهم التي بنيت حديثاً، وبأخذ ما مقداره العشر من قيمة منازلهم، وإن كان موضع الهدم واسع بين بيوتهم بني في مكانه مسجدًا، وإن كان لا يصلح أن يكون مسجدًا يبقى ساحة جرداء، وأمر أن يجعل على أبواب بيوتهم رسوم شياطين منحوتة على الخشب؛ تفريقًا بين منازلهم وبين منازل المسلمين، ومنع المسيحيين من  العمل في دواوين الحكومة، ومنع أن يتعلم أولادهم في كتاتيب المسلمين، ولا يعلمهم مسلم، ونهى أن يظهروا في عيد الشعانين صليبًا، وأن (يشمعلوا) في الطريق، وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض، لئلا تشبه قبور المسلمين. وفي هذا كتب الخليفة المتوكل إلى ولاته:
(( بسم الله الرحمن الرحيم؛ أما بعد؛ فإن الله تبارك وتعالى بعزته التي لا تحاول وقدرته على ما يريد؛ اصطفى الإسلام فرضيه لنفسه، وأكرم به ملائكته، وبعث به رسله، وأيد به أولياءه، وكنفه بالبر، وحاطه بالنصر، وحرسه من العاهة، وأظهره على الأديان، مبرءاً من الشبهات، معصومًا من الآفات، محبواً بمناقب الخير، مخصوصًا من الشرائع بأطهرها وأفضلها، ومن الفرائض بأزكاها وأشرفها، ومن الأحكام بأعدلها وأقنعها، ومن الأعمال بأحسنها وأقصدها؛ وأكرم أهله بما أحل لهم من حلاله، وحرّم عليهم من حرامه؛ وبيّن لهم من شرائعه وأحكامه، وحدّ لهم من حدوده ومناهجه، وأعد لهم من سعة جزائه وثوابه، فقال في كتابه فيما أمر به ونهى عنه، وفيما حض عليه فيه ووعظ: ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون “، وقال فيما حرم على أهله مما غمط فيه أهل الأديان من رديء المطعم والمشرب والمنكح (الزواج) ليزههم عنه وليظهر به دينهم، ليفضلهم عليهم تفضيلًا: ” حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة.. ” إلى آخر الآية، ثم ختم ما حرّم عليهم من ذلك في هذه الآية بحراسة دينه؛ ممن عند عنه وبإتمام نعمته على أهله الذين اصطفاهم، فقال عز وجل: ” اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم.. ” الآية، وقال عز وجل: ” حرّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم.. ” وقال: ” إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان.. ” الآية، فحرّم على المسلمين من مآكل أهل الأديان أرجسها وأنجسها، ومن شرابهم أدعاه إلى العداوة والبغضاء، وأصده عن ذكر الله وعن الصلاة، ومن مناكحهم (زواجاتهم) أعظمها عنده وزرًا، وأولاها عند ذوي الحجمى والألباب تحريمًا، ثم حباهم محاسن الأخلاق وفضائل الكرامات؛ فجعلهم أهل الإيمان والأمانة، والفضل والتراحم واليقين والصدق؛ ولم يجعل في دينهم التقاطع والتدابر، ولا الحمية ولا التكبر، ولا الخيانة ولا الغدر، ولا التباغي ولا التظالم؛ بل أمر بالأولى ونهى عن الأخرى، ووعد وأوعد عليها جنته وناره، وثوابه وعقابه؛ فالمسلمون بما اختصهم الله من كرامته، وجعل لهم من الفضيلة بدينهم الذي اختاره لهم، بائنون على الأديان بشرائعهم الزاكية، وأحكامهم المرضية الطاهرة، وبراهينهم المنيرة، وبتطهير الله دينهم بما أحل وحرّم فيه لهم وعليهم، قضاء من الله عز وجل في إعزاز دينه؛ حتمًا ومشيئةً منه في إظهار حقه ماضية، وإرادةً منه في إتمام نعمته على أهله نافذة ” ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة “، وليجعل الله الفوز والعاقبة للمتقين، والخزي في الدنيا والآخرة على الكافرين. وقد رأى أمير المؤمنين – وبالله توفيقه وإرشاده – أن يحمل أهل الذمة جميعًا بحضرته وفي نواحي أعماله؛ أقربها وأبعدها، وأخصهم وأخسهم على تصيير طيالستهم التي يلبسونها؛ من لبسها من تجارهم وكتابهم، وكبيرهم وصغيرهم، على ألوان الثياب العسلية، لا يتجاوز ذلك منهم متجاوز إلى غيره، ومن قصر عن هذه الطبقة من أتباعهم وأرذالهم، ومن يقعد به حاله عن لبس الطيالسة منهم أخذ بتركيب خرقتين صبغهما ذلك الصبغ يكون استدارة كل واحدة منهما شبرًا تامًا في مثله، على موضع أمام ثوبه الذي يلبسه، تلقاء صدره، ومن وراء ظهره، وأن يؤخذ الجميع منهم في قلانسهم بتركيب أزرة عليها تخالف ألوانها ألوان القلانس؛ ترتفع في أماكنها التي يقع بها، لئلا تلصق فتستتر ولا ما يركب منها على حباك فتخفى؛ وكذلك في سروجهم باتخاذ ركب خشب لها، ونصب أكرٍ على قرابيسها؛ تكون ناتئة عنها، وموفية عليها، لا يرخّص لهم في إزالتها عن قرابيسهم، وتأخيرها إلى جوانبها؛ بل يتفقد ذلك منهم؛ ليقع ما وقع من الذي أمر أمير المؤمنين بحملهم عليه ظاهرًا يتبينه الناظر من غير تأمل، وتأخذه الأعين من غير طلب، وأن تؤخذ عبيدهم وإماؤهم، ومن يلبس المناطق من تلك الطبقة بشد الزنانير والكساتيج مكان المناطق التي كانت في أوساطهم، وأن توعز إلى عمالك فيما أمر به أمير المؤمنين في ذلك إيعازًا تحدوهم به إلى استقصاء ما تقدم إليهم فيه، وتحذرهم إدهانًا وميلًا، وتتقدم إليهم في إنزال العقوبة بمن خالف ذلك من جميع أهل الذمة عن سبيل عناد وتهوين إلى غيره؛ ليقتصر الجميع منهم على طبقاتهم وأصنافهم على السبيل التي أمر أمير المؤمنين بحملهم عليها، وأخذهم بها إن شاء الله.
فاعلم ذلك من رأى أمير المؤمنين وأمره، وأنفذ إلى عمالك في نواحي عملك ما ورد عليك من كتاب أمير المؤمنين بما تعمل به إن شاء الله؛ وأمير المؤمنين يسأل الله ربه ووليه أن يصلي على محمد عبده ورسوله وملائكته، وأن يحفظه فيما استخلفه عليه من أمر دينه، ويتولى ما ولاه مما لا يبلغ حقه فيه إلا بعونه؛ حفظًا يحمل به ما حمله، وولاية يقضي بها حقه منه ويوجب بها له أكمل ثوابه، وأفضل مزيده؛ إنه كريم رحيم )).
الخليفة علي بن أبي طالب والمسيحيين
قال علي أبي طالب: (الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق). وروى الكليني في الكافي بسنده عن رجل من ثقيف وكان من عمال الخليفة علي بن أبي طالب قال:(استعملني علي بن أبي طالب على (بانقيا) وسواد من سواد الكوفة ـ إلى قوله ـ فقال لي: إذا أردت أن تتوجه إلى عملك فمر بي. قال: فأتيته فقال لي: إياك أن تضرب مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً في درهم خراج، أو تبيع دابة عمل في درهم، فإنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو). وفي (وسائل الشيعة): أن الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) كان يمشي في أزقة الكوفة، فنظر إلى رجل يستعطي الناس، فقال (عليه السلام): ما هذا؟ فقالوا: إنه نصراني كبر وشاخ ولم يقدر على العمل، وليس له مال يعيش منه، فيتكفف الناس. فقال الإمام (عليه السلام) في غضب: استعملتموه في شبابه حتى إذا كبر تركتموه؟ ثم جعل الإمام (عليه السلام) لذاك النصراني من بيت مال المسلمين مرتباً خاصاً ليعيش به حتى يأتيه الموت.