15 نوفمبر، 2024 5:23 ص
Search
Close this search box.

الخلل في الداخل قبل الخارج

الخلل في الداخل قبل الخارج

ليس بجديد ان قلت أن الجبان ينفرد بالتصيد في عكر المياه حين يخلو له الجو، فيبرع إذاك بالأعمال الخسيسة والدنيئة، ويبدع في أدائها وفق ماتمليه عليه نفسه الأمارة بالسوء، وما سلوكه مسلك الجبن هذا إلا لقلة حيلته في التوصل الى أعمال البطولة والمرجلة والشهامة والشرف، ذلك أن هذه القيم بعيدة عن نفسه وخلقه وفكره وعقيدته، وقد قالها المتنبي من قبل حين أنشد:
إذا ماخلا الجبان بأرض
طلب الطعن وحده والنزالا
فمنذ عام 2003 عام رحيل السياسة الدكتاتورية وأسلوب القيادة القمعي، والبلد يشق طريقه في مسارات الحرية والديمقراطية، وقطعا لم يكن هذا يريح فئات الشر الباغية والتي تضمر للعراق منذ عهود سابقة الضغينة، وتنصب الشراك وتحيك المكائد للنيل منه ومن شعبه. ومن المؤكد أيضا ان سياسة البطش والقمع التي اتبعها صدام لم تكن تفسح مجالا لهؤلاء في إبراز عضلاتهم، بل لم يكونوا يجرأون على العبث بمقدرات الدولة والشعب مادام هناك ظالم يفتك بهم، ويلاحقهم بأنظمته وأجهزته التي كانت رحاها تطحن كل ما يقع في قطبها، وتحرق أخضر الحق مع يابس الباطل على حد سواء.
ولو رجعنا الى عام 2003 وتصفحنا يوميات العراق منذ ذاك الحين، لأيقنا تمام اليقين أن موضوع الإرهاب وزج الإرهابيين داخل الأراضي العراقية، ليس وليد لحظة او حدثا جديدا، بل هو إرث قديم لم يتمكن وارثوه من التغلب عليه والتعامل مع العراق والعراقيين بحسن الجوار والنظر الى المصالح المشتركة بينهم، لما يحمله هؤلاء في نفوسهم من تعصب قبلي جاهلي طائفي، رسخه في أذهانهم شيوخ كانوا قد أتوا بفعل دهاقنة بني صهيون، بعد دراسة معمقة وتخطيط محبك لكبح عجلة العراق من الدوران مع الزمن، فسعوا جاهدين الى إدارتها عكس كل عقارب التقدم والتحضر والارتقاء مع باقي الدول، فكان مايحصل كله بهذا الدافع وعلى هذا الأساس، وقد سجل التأريخ أحداثا تثبت عدائية أطراف عدة لم يكن يحلو لهم تقدم العراق ورفاهية شعبه.
لكن، مالايعقل ولايمكن أن يصدقه ذو عقل، أن من السهل تنفيذ مخططات كهذه من خارج الحدود، إن لم يكن المتربص قد هيأ له خادما مطيعا وتابعا خاضعا وخنوعا يسهل له المهمة من داخل الحدود، فتم له ذلك بواسطة أحفاد أبي رغال في مدن البلد، والأخيرون حتما من أبناء البلد (أبا عن جد)، وقطعا أكلوا من خيرات أرضه، وشربوا من ماء فراتيه، غير أن الغدر والخيانة تشربت في نفوسهم فكانت لها الغلبة، حتى غدت سمة من سماتهم، وخصلة من خصالهم، وعادة من عاداتهم، وقد قال مثلنا؛ (عادة اللي بالبدن مايغيرها إلا الچفن)، أي أن إقلاعهم عن طبعهم هذا ضرب من ضروب المستحيل، وحديث من أحاديث الخيال. فاللوم إذن، ليس على العدو بل على الصديق الخائن، إذ أن فعل الأخير أكثر فتكا من الأول، ولولاه لما استأسد القادمون من فيافي الأرض وبقاعها -كما هو الحال في قطعان داعش- وتغلبوا على أهل البلد الآمنين في عقر دارهم. والأمر ذاته يتجسد في دخول قوات الجار الشمال تركيا أراضينا، فلولا الأحضان التي تلقتها وفتحت لها الحدود، ما تجرأت على الدخول والتوغل، ورحم الله رحيم المالكي حين أنشد: “عرفنا الباگنه ونعرف اليوميله”.
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات