24 نوفمبر، 2024 5:53 ص
Search
Close this search box.

الخلفية السايكولوجية والفكرية لتعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية رقم(188) لسنة 1959 التي انتهكت المرأة والأمومة

الخلفية السايكولوجية والفكرية لتعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية رقم(188) لسنة 1959 التي انتهكت المرأة والأمومة

تتواصل الأحتجاجات الشعبية الى جانب الحراك الشديد لمنظمات المجتمع المدني والاحزاب السياسية المدنية أثر جلسة البرلمان التي انعقدت في الاول من تموز الجاري والتي كرست لتعديل المادة 57 من قانون الاحوال المدنية المرقم(188) للعام 1959, وتركزت الانتقادات، على تعديل المادة، 57 والتي جعلت الحضانة للأم غير المتزوجة قبل بلوغ الطفل سن السابعة، فيما منح الأب حق حضانة ولده بعد ذلك، وفق عدة معايير. كما نصت تلك المادة على أنه إذا أتم المحضون السابعة من عمره، وكان أبوه متوفياً أو مفقوداً أو فقد أحد شروط الحضانة تنتقل الحضانة للجد الصحيح، ثم إلى أمه ما دامت محتفظة بشروط الحضانة دون أن، يكون لإقاربه من النساء أو الرجال حق منازعتها فيه لحين بلوغه سن الرشد” للأطلاع على تفاصيل التعديلات المقترحة انظر الرابط اسفل المقال”.  

 

 

لم يكن هذا الأجراء جديدا ولا وليد الصدفة بل انه يعبر عن عقلية متخلفة يجسدها الجزء الاكبر من احزاب الاسلام السياسي الطائفي في البرلمان العراقي والتي تعكس الموقف المتخلف من المرأة وحقوقها المختلفة, ومن ضمنها حق الأمومة ورعاية اطفالها, وقد انتهجت تلك الاحزاب ومنذ سقوط الدكتاتورية بعد 2003 نهجا معاديا لمبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات, ومما يثير غضب الشارع العراقي والنساء بشكل خاص ان هناك برلمانيات نساء يقفن مستميتات ضد المرأة وحقوقها ومعظمهن من كوتة الاسلام السياسي ويجسدن بالملموس الموقف المتخلف من المرأة وابقائها اسيرة لثقافة المجتمع الذكوري الذي يعيد انتاج اضطهاد النساء بواجهات ” مقدسة “.  

 

 

لقد تعرضت الاوضاع الاجتماعية للنساء والفتيات الى انتهاكات خطيرة على مر العقود الاخيرة جراء الحروب العبثية التي اقدم عليها النظام السابق وتركت آثارها في ظواهر عديدة, ابرزها الترمل بفقدان الزوج وتحمل الزوجة اعباء الإعالة وتضيق فرص العيش الكريم في التربية والتنشئة الاجتماعية للفتيات وللأسرة بصورة عامة, وأشد اوضاع المرأة تراجعا ما حصل لها بعد عام 2003 بدءا من الاحتلال ومرورا بصعود التيارات والحركات والاحزاب الدينية والطائفية الى السلطة, وصولا الى عودة أثر الاعراف والتقاليد القبلية والعشائرية, وكان للحروب الداخلية وما سببته من تهجير ونزوح وتشتيت للمكونات, وتدهور الحياة الاقتصادية وتدني مستويات العيش وانتشار البطالة على نطاق واسع وفي اوساط النساء المتعلمات وفي المجتمع بصورة عامة, أثره الواضح في تصدع منظومة الاستقرار القيمي وتدهور في المعايير وانحسار لخيارات التكافئ والتكافل الاجتماعي وقد جعلت من الحياة الاجتماعية أكثر قتامة. ويكفي ان نشير هنا الى حجم الكارثة الاجتماعية عندما نتحدث عن نسبة العوانس وقد بلغت اكثر من 80%, كما تجاوز عدد الارامل والمطلقات المليونين أمراة, وبلغ حجم الأيتام والارامل خمس السكان, وتصاعد نسبة السكان دون خط الفقر الى 40%, الى جانب زواج القاصرات دون 18 سنة, وبعضها لا يتجاوز 11, 12 سنة.

 

 

الأم هي الحلقة الأولى في حياة الطفل والأسرة، لما لها من دور عظيم في إعداد وتنشئة الأجيال ، ولما يقع على عاتقها من مسئوليات في إعداد الطفل وتربيته، وبعاطفة الأمومة التي لديها تمنحه مشاعر الدفء والحنان، لما تشكله من علاقة نفسية وبيولوجية بينها وبين أولادها وبناتها، والأمومة هي أكبر وظيفة للمرأة وهبتها لها الطبيعة في صراعها للبقاء لتكون بها الحياة، فهي رمز الحياة واستمرارها؛ وتعتبر أقوى الغرائز لدى المرأة وتظهر لديها من طفولتها المبكرة فنجد الطفلة ترعى أخواتها الذكور وتعتني بهم وتجد لديها العديد من الدمى والعرائس الت تمارس من خلالها دور الأم

الأمومة هى علاقة بيولوجية ونفسية بين امرأة ومن تنجبهم وترعاهم من الأبناء والبنات. وهذا هو التعريف للأمومة الكاملة التى تحمل وتلد وترضع (علاقة بيولوجية) وتحب وتتعلق وترعى (علاقة نفسية) . وهذا لا ينفى أنواعاً أخرى من الأمومة الأقل اكتمالاً كأن تلد المرأة طفلاً ولا تربيه فتصبح فى هذه الحالة أمومة بيولوجية فقط ، أو تربى المرأة طفلاً لم تلده فتصبح أمومة نفسية فقط. هذه الأدوار للأم عندما تلد وعلى المستويين البيولوجي والنفسي يجب ان تشبع بقدر هادئ ومعقول استجابة لأشباع غريزة الأم البيونفسية في رعاية اطفالها, وفي سياقات طبيعية ومقبولة قد تحل الخالة او العمة او الجدة نسبيا مكان الأم على المستوى النفسي او لصعوبات مؤقتة على المستوى البيولوجي”كالأرضاع”, وخلاف ذلك وعلى مستوى اكراه الأم لغير حضانة اطفالها فأنه أمر يهدد بمخاطر واضطرابات نفسية خطيرة وخاصة اذا كانت مؤظرة بكراهية من نوع خاص بين “الشريكيين ” وعدم قبول الآخر بفعل عوامل كثيرة ومتعددة.

يالتأكيد هناك عوامل تؤطر استقرار الأسرة ومنعها من التصدع, من بينها الاستقلال الاقتصادي للشريكين وخاصة عن أبوي وأم الشريكيين, وكذلك العمر المقبول للزواج حتى ما بعد 20 عاما, فالنضج الزمني يلعب دورا في انعكاساته على العمر العقلي وخاصة في تفاوت غنى البيئات المختلفة وبالتالي فالشراكة هي عقلية مقترنة بزمن مقبول. وفي عراق ما بعد 2003 ومنفتح على مصرعيه لمختلف التيارات الدينية وغير الدينية والانعتاق من العزلة العالمية التي كان يعيشها العراق مقابل انفتاح على الآخر غير مدروس وصراع قيمي على أشده بين العشيرة والمدينة وقيم الانفتاح التي تهواها النفس بفطرتها في صراعها مع دين سياسي يكرس ازدواجية الأخلاق ويحلل الحرام ويحرم الحلال ويتحالف مع قيم التخلف والردة وفي مقدمتها العشيرة ويتشبث بالسلطة السياسية, فلا نستغرب ان الوضع يؤسس لمختلف الأنهيارات والنكسات والمصائب, والمرأة كعادتها وبفع استفحال الذكورية وعدوانيتها هي من اسهل الضحايا في القتل والتنكيل وحرمانها من امومتها, الى جانب اصابتها بمختلف الأضطرابات النفسية والعقلية.

أن تقدم المجتمعات يقاس بمدى تقدم المرأة فيه ومساهمتها في الحياة العامة, لقد اصاب المرأة شتى صنوف الأذلال والقهر والأستعباد جراء الظلم الذي وقع عليها تاريخيا وحاضرا, والمرأة العراقية اليوم بين عاطلة عن العمل وأرملة ويتيمة ومطلقه وعانس وحبيسة المنزل, لا نستغرب من تداعيات ذلك على سلوكيتها اتجاه اطفالها, وخاصة عندما تبلغ الحال حدا مرضيا فأن الضحايا الأقرب هم الاطفال. أن حقيقة كون اللامساواة بين الجنسين وما يترتب عليه من اقصاء للمرأة هو نزوع ثقافي أولا, يكفي أن نرى عمق التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تجري في البلدان المتقدمة, والتي قامت على خلفية ظهور الفكر التنويري وانتعاش حركات الإصلاح والمساواة الاجتماعية, ولاحقا تعزيز التقاليد والاحترام والالتزام بقرارات وتوصيات المنظمات والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق المرأة, وعدم تجاهل مطالب الحركات التحررية النسائية اليومية منها والمستقبلية. ولا نقول أن ما يجري في البلدان المتقدمة بخصوص النساء هو نموذجي ولا يمكن الطعن فيه,لأن في ذلك هو مجافاة للحقيقة في الكثير من وجوهها, ولكن المقارنة مع ما يحصل في مجتمعاتنا هو الذي يضعنا في صورة التفاوت المريع.

اليوم قد يكون من السهل على التنظيمات السياسية الدينية المتطرفة في البحث عن مبررات لأقصاء المرأة من ميادين الحياة المختلفة وانتهاء ضربها في امومتها في ظل بيئات متخلفة تعيد انتاج عورة المرأة ودونيتها كثقافة ذكورية سائدة, وان التذرع بعدم كفاءة الأنثى تربويا في الأمومة والرعاية لغاية الثامنة عشر من عمر الطفل يشكل جزء من منظومة الارهاب الفكري والسلوكي لأضطهاد المرأة الأم وعدم السماح لها بأداء دورها التربوي في الامومة والاعداد الاولي.  

 

 

لقد فشلت البرلمانات العراقية ما بعد 2003 في التشريع لبناء أسس دولة المواطنة وبناء عراق آمن بعيدا عن المليشيات وقوى اللادولة كما فشل في التشريع لمحاربة الفساد الذي نخر الدولة وأهدر مواردها, واخفق في وضع حد للسلاح المنفلت الذي قتل الابرياء والسلميين في احتجاجات اكتوبر, ولم يشرع بما يضمن سلامة العملية السياسية والديمقراطية في البلاد ولم يستطيع وضع للأحزاب المليشياوية التي تقبع تحت قبة البرلمان وتسهم في صياغة اكثر قوانينه اجحافا بحق الشعب والدولة والمجتمع, ولكن البرلمان شاطر في التعبئة المشوهة لهدم الأسرة والمجتمع والعبث في الطفولة لتعزيز الثقافة الذكورية وبالأستعانة من البرلمانيات النساء ذات الثقافة الذكورية العدوانية اتجاه نساء من بنات جلدتها.  

 

 

قد لا نستغرب من وجود لوبي عصي ضد المرأة العراقية فأن مقترح تعديل المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 الذي قدم من قبل عضو اللجنة القانونية النيابية حسين العقابي (عضو كتلة الفضيلة النيابية) مطالبا فيه باسترداد الحضانة من الأم إلى الأب قد إنضمت اليه ابرز الشخصيات الذين خلقوا هذا الحراك البرلماني ضد حقوق الامهات وهم:

النائب الاول لرئيس مجلس النواب حسن كريم الكعبي
النائب الشيخ حسين اليساري رئيس لجنة الاوقاف النيابية
النائب هناء تركي الطائي نائب رئيس لجنة الاوقاف النيابية
النائب محمد الغزي نائب رئيس اللجنة القانونية النيابية
النائب حسن فدعم
النائب خالد الجشعمي
وسائر اعضاء اللجنة القانونية ولجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية (التي اساءت للمرأة والطفل) بأنظمامها الى لوبي استلاب الامومة, وتجدر الإشارة ان المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة ١٩٥٩ تُعطي الحق للأم المطلقة بالاحتفاظ بحضانة أطفالها بعد زواجها من رجل آخر ، كما سمحت لزوج الأم القيام بدور الولاية على الأطفال المحضونين ، والعيش معهم في بيت واحد.  

 

 

ولكن في العراق وبعد تجربة 18 عاما من الزمن من تجربة الأسلام السياسي في الحكم ان هناك وعي بديل دخل البيوت العراقية, تتجسد ملامحه في التوق الى المساوة بين الجنسين في مناحي الحياة المختلفة, ويصتدم هذا مع اجندة الأسلام السياسي في اعادة انتاج الثقافة الذكورية لأغراض بقائه, وبالتالي فأن كل التشريعات المتوقعة والمجحفة من قبل السياسين الذكور والسياسيات ذات الثقافة الذكورية لا تعني ابدا تغيرا سريعا في الوعي العراقي صوب الاستسلام بل ان الوعي التراكمي نحو دولة المواطنة والحق والمساواة بين الجنسين سيجد ضالته بعد ان شق طريقة بألاف الضحايا والسشهداء من اجل عراق صالح للجميع إلا القتلة !!!.

 

الروابط ذات الصلة:  

موقع الحوار المتمدن: حملات التمدن, كلا لتعديل المادة 57 من قانون الاحوال الشخصية المرقم 188 لسنة  1959  

وكالة ناس نيوز: جدل واسع بشأن تعديل قانون الاحوال الشخصية … قنبلة ذرية 

 

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات