28 يونيو، 2025 11:27 ص

الخلاني ونظرية البقاء الشيعي

الخلاني ونظرية البقاء الشيعي

تمثل ثورة الإمام الحسين عليه السلام صرخة في ضمير الشيعة، معادلة لإنتصار الدم على السيف، مما أرسى الشجون في قلوب العاشقين، لكن جاء محرم هذا العام، لا يشبه غيره، يحملُ القوة لا الحزن، وعلى أعتاب هذا الشهر الذي لا يُشبه سواه، تحت ظلال قباب الحسينيات والصوت المترجرج للطم الصدور، تحولت ساحة الخلاني في بغداد إلى ما يشبه المنبر الكبير، لفكرةٍ تزداد رسوخاً كل عام.. البقاء الشيعي؟!

لم يكن محرم هذه السنة مجرّد دورة شعائرية معتادة، فالمكان نفسه، الذي كان في العقود الماضية موطناً لجدل الهوية والهيمنة، بات اليوم علامة على تشكُّل جديد للقوة، خصوصاً بعد حرب الاثنى عشر يوم، الذي زلزل موازين الإقليم، الانتصار الإيراني ضد الكيان المحتل، الذي غير لغة الردع في المنطقة.

تجاوزت الحرب حدود الجغرافيا، لم تكن معركة حدودية بين طهران وتل أبيب، بل كانت معركة إثبات الوجود الشيعي في معادلة الشرق الأوسط، حيث كُسِر وهم التفوق الصهيوني، وتم إرساء معادلة جديدة لا تعتمد على الفعل، بل على المبادرة الفاعلة، ومن يكون صاحب الرصاصة الأخيرة.

هذا ما فعلتهُ الحرب.. فماذا فعلت ساحة الخلاني؟

الساحة التي كانت تفصل بين منطقتي النفوذ السياسي والاجتماعي لعقود، تحوّلت إلى ميدان لعرض القوة الناعمة للشيعة، الذي حمل رايته تيار الحكمة الوطني، بقيادة سماحة السيد عمار الحكيم، حيث لم يكن ظهور التيار مقتصراً على الخطاب الديني، بل بات يعكس رؤية سياسية مركّبة، تقوم على الدمج بين الانتماء العقائدي والوجود السياسي، وبين الحسينية كمؤسسة تربوية، والميدان كأداة ضغط مجتمعية.

الخلاني لم يكن يوماً ساحة عابرة، إنها الخيط الزمني الواقف على تماس، بين ماضي العاصمة العباسي، حيث كان “الرشيد” رمز القوة المركزية السنية، وحاضر العاصمة الشيعية، التي تحاول أن تُعيد تعريف دورها في ظل عراق ما بعد 2003، وبين الرمزيتين، ينهض السيد الحكيم بنظريةٍ جديدة للبقاء، ليست تلك النظرية التي تُعلي من شأن الطائفة بمعزل عن الوطن، بل تلك التي تؤمن بأن الوجود الشيعي لا يصمد إلا إذا تحول إلى مشروع وطني شامل، يسند الدولة، لا يتطفل عليها.

الخلاني.. جعلها الحكيم رمزية ليست للبكاء على الحسين فقط، بل هي رسالة إلى الداخل والخارج مفادها، أن البقاء الشيعي في العراق، لم يعد مرتبطا بمرحلة مابعد السقوط، بل بمشروع ما بعد التمكين الديمقراطي.

إن ما يُخطط له من ساحة الخلاني، هو إعادة ترسيم الفكرة الشيعية، على أنها مكوّن وطني أصيل، ليس طارئا أو مستوردا، ليس تابعاً او ذليلا، بل قائدا متجذرا في بنية العراق، وهذا ما يفسر تعاظم دور سماحة السيد عمار الحكيم، كزعيم يسعى لإعادة إثبات الوجود الشيعي داخل بغداد بعد حقبة الدكتاتورية، لكن ليس بالقوة المسلحة، بل بالخطاب الديني والسياسي، لأنه يؤمن بقوة الكلمة لا بهشاشة الرصاصة.

بعد ان اثبتت ايران قوة الشيعة، جعل الحكيم الساحة منصة لنظرية شيعية، ولدت من رحم البكاء والعزاء، لتكون قادرة على أن تثبت أن الشيعة ليس فقط متفوقين عددا، بل أنهم أمة لها مشروع، أفقٌ وعاصمة.. جعلها تنطق بصوت الحسين لا بسيف الرشيد.

أحدث المقالات

أحدث المقالات