إن السيد محمد باقر الصدر (قد) كما هو معروف لدى الجميع جهاده العظيم على كافة المستويات وكما عرفنا إن التحدي العظيم الذي واجهه هو التحدي لدول الاستكبار وكان هذا التحدي ليس منبعه شعور وطني أو قومي كأي شعور موجود الآن على الساحة السياسية وانما كان منبعه الحقيقي هو
أن الله سبحانه وتعالى هو مصدر السلطان جميعا.وهذه الحقيقة الكبرى تعتبر أعظم ثورة شنّها الأنبياء ومارسوها في معركتهم من أجل تحرير الانسان من عبودية الانسان .
وتعني هذه الحقيقة أن الانسان حر ولا سيادة لإنسان آخر أو لطبقة أو لأي مجموعة بشرية عليه وانما السيادة لله وحده وبهذا الوضع حد نهائي لكل ألوان التحكم وأشكال الاستغلال وسيطرة الانسان على الانسان .
وهذه السيادة لله تعالى التي دعا إليها الأنبياء تحت شعار (لا اله إلا الله) تختلف اختلافا أساسيا عن الحق الإلهي الذي استغله الطغاة والملوك والجبابرة قرونا من الزمن للتحكم والسيطرة على الآخرين فان هؤلاء وضعوا السيادة اسميا لله لكي يحتكروا واقعيا وينصّبوا من أنفسهم خلفاء لله على الأرض .
وأما الأنبياء والسائرون في موكب التحرير الذي قاده هؤلاء الأنبياء والأمناء من خلفائهم وقواعدهم فقد آمنوا بهذه السيادة وحرروا بها أنفسهم والإنسانية من عبودية وألوهية الإنسان بكل أشكالها المزورة على مر التأريخ لأنهم أعطوا هذه الحقيقة مدلولها الموضوعي المحدد المتمثل في الشريعة النازلة بالوحي من السماء فلم يعد بالإمكان أن تستغل لتكريس السلطة بفرد أو طبقة أو دولة بوصفها سلطة إلهية وما دام الله تعالى هو مصدر السلطات كانت الشريعة هي التعبير الموضوعي المحدد عن الله تعالى فمن الطبيعي أن تحدد الطريقة التي تمارس بها هذه السلطات عن طريقة الشريعة الإسلامية لذلك فان التنصيب للأنبياء والائمة على الأمة نابع من الله وذلك من قوله تعالى : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) وينبغي أن نلفت إلى حقيقة قد يتوهم المشككون بالأطروحة الإسلامية هي دولة أيضا فما داعي لنقض الدول الأخرى و الأشخاص وتعيين نفس الإنسان .
والجواب على ذلك ينبع من أن الله سبحانه وتعالى سنّ هذه الشريعة من منطلق فطرة الإنسان التي فطرها عليه وهي وجوب قيادته في مسيرته الطويلة عبر التاريخ أو جعله خليفة للأرض وهذه الخلافة نص عليها القرآن الكريم ( أني جاعل في الأرض خليفة) أي أن الله في تشريعه جعل الخلافة للإنسان أي بتعبير الفقهاء إن الحكم مجعول عند الله بخلافة الإنسان وهذه الفطرة هي التي دفعت البشرية إلى التطلع إلى القيادة والحكم وان الاعتراض الوارد على هذه الشخصيات أو الدول هو ليس نفيا للمفهوم بل نفيا للمصداق أي إن الخلافة للإنسان ثابتة عند الله لكن النقض هو أن الخلافة يجب أن تكون لمن يختاره الله أو من كان على المستوى الحقيقي لاستلامها , وهذا الاختيار يستند على أساس الإيمان بالله عز وجل لان الإيمان بالله هو القوة المحركة للروح الوطنية أو بتعبير أصح ينمي الشعور الداخلي بالمسؤولية وهذا الشعور يرتقي بالإنسان إلى الكمال وهذا الكمال يؤهل الإنسان لتسلم قيادة الناس لذلك كان التعبير الواضح على ذلك هم الأنبياء والائمة (ع) لأنهم أفضل من آمن بالله تعالى وكان هذا الإيمان هو مصدر حركتهم وكان منطلقهم بالوصول إلى الكمال وكانوا أفضل من قاد عبر مسيرة التأريخ بالمقارنة مع الأشخاص الذين قادوا البشرية من بدء التأريخ فلم يهتموا بمصالحهم الشخصية و إنما نفوها بل قدّموا أنفسهم تضحية أو قربان لله سبحانه وتعالى لتحقيق الغرض الأساسي من الخلق وهو الوصول إلى الكمال الحقيقي (وما خلقت الجن والإنس إلّا ليعبدون ).