23 ديسمبر، 2024 10:41 ص

الخلافة بين الواقع والخيال

الخلافة بين الواقع والخيال

يعد البعض سقوط الخلافة العثمانية في عام (1924) ، بداية النهاية للحضارة الاسلامية ونكبة كبيرة ولعنة اصابت الامة الاسلامية المعاصرة وهي تتعرض للانتكاسات المتواصلة والهزائم المستمرة منذ ذلك الحين ، وتعيش حالة من الانقسام والتشرذم العرقي والطائفي لم تشهد لها مثيلا من قبل ، وعلى اثر الهيمنة الغربية على العالم الاسلامي المقسم ، انكفأ المسلمون على انفسهم واكتفوا باجترار امجاد حضارتهم الغابرة لفترة من الزمن ، ثم ظهرت احزاب وحركات تحمل طابعا اسلاميا سياسيا معاصرا لمواجهة الحركات الليبرالية القومية الصاعدة التي قفزت الى الحكم نتيجة الانقلابات العسكرية بدعم غربي مباشر ( صرح”علي صالح السعدي” الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي واحد القيادات الاساسية لانقلاب 8 شباط عام 1963 على الزعيم عبدالكريم قاسم”بانهم جاؤوا الى الحكم بقطار امريكي” ) ، واستمر الصراع بين الحركات الاسلامية الطامحة الى تولي الحكم واعادة امجاد الخلافة الاسلامية}ولكن من دون ان يكون لها برنامج سياسي واضح واستراتيجية مكتملة لادارة البلاد رغم رفعها شعار”الاسلام هو الحل”دون ذكر التفاصيل المهمة التي لابد منها لاظهار جوانب من هذا الحل المطروح ، وظل هذا التخبط ملازما لاهم الحركات الاسلامية وهي جماعة الاخوان المسلمين حتى وهي تتولى شؤون الحكم في اكبر دولة عربية وهي مصر{ وبين الحركات القومية التي جاءت الى سدة الحكم عن طريق الانقلاب العسكري ، حتى وصل الصراع بين الطرفين الى اشده في زمن”جمال عبدالناصر”الذي نكل بالعديد من قيادات الجماعة ، واجهض احلامهم في قيادة البلاد ..اذن العالم الاسلامي انشغل منذ سقوط الخلافة ولفترة طويلة بنهجين سياسيين وفكريين مختلفين تمام الاختلاف ؛ نهج اسلامي يخوض صراعا مريرا من اجل الوصول الى الحكم ، ولكن من دون ان يمتلك برنامجا سياسيا واضحا ينسجم مع مستجدات العصر ، وبين نهج سياسي”انقلابي”يحكم بالحديد والنار ويكرس سياسة دكتاتورية في المنطقة ،
والصراع المرير الطويل بين الطرفين اهدر الكثير من طاقات الشعوب العربية والاسلامية واضاع عليها فرصة لمواكبة التطور المعاصر .. وان كان الصراع قد انتهى لصالح الحركات الاسلامية اخيرا عقب اندلاع ثورات شعبية سميت بالربيع العربي ، وتوليها الحكم في عدة بلدان مهمة في المنطقة كـ”تونس ومصر وليبيا”ولكن برزت نفس المشكلة الازلية التي عانت منها هذه الحركات طويلا وهي عدم وجود برنامج سياسي لادارة البلاد ! وهي نفس العلة التي صاحبت نظام الحكم والادارة في الدولة العثمانية في مراحلها الاخيرة وجعلته تحت رحمة ووصاية الدول الغربية لعقود طويلة قبل سقوطها الرسمي ، هذه الدولة التي حكمت اكثر من ستمئة عام (تأسست عام 1299)اصبحت عاجزة عن ادارة مدنها وولاياتها المترامية الاطراف والدفاع عنها من هجمات الاعداء الغربيين التاريخيين الذين استولوا على ممتلكاتها واقتسموها فيما بينهم وفق اتفاقية سميت باتفاقية “سايكس بيكو”، رغم ان سقوط الخلافة العثمانية جاء طبيعيا وبعد معاناة طويلة مع المرض والشيخوخة الحضارية والركود الفكري والاقتصادي استمر زهاء القرنين وفيها”فقدت الإمبراطورية العثمانية المقومات التي بنت على أساسها إمبراطوريتها الواسعة ، إذ أخذت بوادر الضعف تظهر عليها منذ أواخر القرن 16م، حيث تعرضت لهزائم عسكرية متتالية ، ففرضت عليها مجموعة من المعاهدات اقتطعت أجزاء مهمة من ترابها ..” ..واخيرا وبعد تفاقم الازمات في الداخل والخارج ، استسلمت الامبراطورية التي شغلت البشرية لمدة ستمئة عام لقدرها واعلنت عن نهايتها المحتومة بعد ان ظلت تقاومها لفترة من الزمن .. وفعل سقوط الخلافة فعله في نفوس المسلمين وشيوخ بعض الطرق الصوفية ، فقاموا بثورات شعبية ضد الحكام الجدد من القوميين الاتراك بزعامة”مصطفى كمال اتاتورك”ومن اهم هذه الثورات ، ثورة”الشيخ سعيد بيران الكردي النقشبندي عام 1925″في مدينة”دياربكر”التركية في مسعى لاعادة الخلافة الى الحكم ، ولكن الثورة فشلت واعدم زعيمها …
ومازالت بعض الحركات الاسلاميةالمعاصرة تعمل من اجل احياء فكرة”الخلافة”، وقد” فاجأ المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين”محمدبديع”الشعب المصري”وربما العالم جميعا”بإعلانه أن الجماعة صارت قريبة من تحقيق غايتها العظمى ، ألا وهي إقامة الحكومة والخلافة الإسلامية التي حددها حسن البنا مؤسس الجماعة”.. ومن جانبه اعلن تنظيم الدولة الاسلامية”داعش”عن دولة الخلافة بعد هيمنته على “الموصل”العراقية بالقوة ، ودعا العالم الى الاعتراف بالدولة الجديدة !

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، كيف يمكن لتلك الحركات والجماعات الاسلامية ان تفرض على شعوب المنطقة حكما شموليا وفضفاضا كالخلافة وهي اصلا لا تمتلك اي تصور واضح لفكرة الخلافة نفسها في زمن التداخل الحضاري والعولمة؟ فهل يمكن لتنظيم كـ”داعش”ان يحكم المجتمعات الاسلامية بالآلية الارهابية التي

ينتهجها ؟ او ان تفرض جماعة كالاخوان “الخلافة”على المصريين ، وهي لم تحصل الا على نسبة النصف من اصوات الناخبين؟!..