تُعدّ قوات الحشد الشعبي من القوى العسكرية الهامة في العراق منذ تشكيلها في عام 2014 لمكافحة تنظيم داعش. ورغم دورها المحوري في الدفاع عن العراق، فإن هذه القوات أصبحت اليوم تشكل تهديداً خطيراً للاستقرار الداخلي والسيادة الوطنية. في البداية، كانت قوات الحشد الشعبي تعتبر بمثابة قوة شعبية ومؤقتة تتصدى للإرهاب، ولكن مع مرور الوقت، تحولت إلى قوة شبه عسكرية ذات تأثير سياسي كبير، خاصة الفصائل المرتبطة بإيران. هذه التغيرات أثارت العديد من المخاوف بشأن مستقبل العراق في ظل هذه القوة المتنامية، وعلاقتها بالجهات الإقليمية والدولية.
في حين أن مهمة الحشد الشعبي كانت في البداية محاربة داعش، فإن دورها المتزايد أصبح يهدد سيادة البلاد واستقرارها السياسي. الحكومة العراقية، التي تعاني من الانقسامات الداخلية والصراعات السياسية، تبدو غير قادرة أو غير راغبة في فرض سيطرتها الكاملة على قوات الحشد الشعبي. ورغم أن الحشد تم الاعتراف به رسميًا كجزء من القوات الأمنية العراقية، إلا أن هذه القوات تعمل بشكل شبه مستقل. الفصائل المختلفة داخل الحشد الشعبي، كلٌ منها ذات توجهات سياسية وطائفية وفكرية مختلفة، كثيراً ما تتصرف خارج إطار الحكومة المركزية. هذا الواقع يثير تساؤلات حول قدرة العراق على حكم نفسه وحماية سيادته.
خطر دمج الحشد الشعبي في الجيش العراقي الرسمي
أصبح النقاش حول دمج قوات الحشد الشعبي في الجيش العراقي الرسمي محوراً للنقاش السياسي. يرى البعض أن دمج الحشد في الهيكل العسكري الرسمي قد يساعد في تقليص استقلاليته وجعله تحت إشراف حكومي أقوى. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة قد تحمل مخاطر قد تؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في العراق.
أولاً وقبل كل شيء، إن دمج الحشد الشعبي في القوات المسلحة سيعزز من دوره كقوة دائمة ضمن القوات العراقية، مما يمنحه مزيداً من السيطرة على المشهد الأمني في البلاد. وبما أن العديد من فصائل الحشد الشعبي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بإيران، فإن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تعزيز تبعية العراق لإيران، مما يرسخ النفوذ الإيراني في العراق. لقد أصبحت إيران الداعم الرئيسي لكثير من فصائل الحشد الشعبي، سواء من خلال الدعم المالي أو التدريب العسكري أو المساعدة اللوجستية. من خلال دمج هذه الفصائل في الجيش العراقي، فإن الحكومة العراقية ستسمح بتحول العراق إلى تابع للمصالح الإيرانية، وهو ما يعني تهديداً خطيراً لسيادة البلاد.
علاوة على ذلك، فإن العراق يعاني حالياً من ضعف هيكلي في النظام السياسي، مما يجعل من الصعب على الحكومة مواجهة قوة مثل الحشد الشعبي. حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أعلنت مراراً أنه لا توجد خطط لتفكيك أو حل الحشد الشعبي، إلا أن الانقسامات الداخلية في الحكومة لا تزال ظاهرة. لقد أصبحت قوات الحشد الشعبي قوة سياسية لها تأثير كبير، حيث تسعى بعض الفصائل إلى توسيع نفوذها داخل المؤسسة العسكرية، بينما تدفع فصائل أخرى نحو تقليص هذه القوة تحت إشراف حكومي مركزي. هذه التناقضات تعكس ضعفاً واضحاً في النظام السياسي العراقي، حيث لا يستطيع النظام اتخاذ قرارات حاسمة بشأن مثل هذه القوة العسكرية.
العامل الإيراني: تقويض السيادة العراقية
أحد أبرز المخاطر المرتبطة بنفوذ الحشد الشعبي هو التأثير الإيراني الواسع عليه. فمن المعروف أن إيران كانت الداعم الرئيسي لتأسيس الحشد الشعبي، حيث اعتبرته بمثابة نسخة مشابهة للحرس الثوري الإيراني. منذ نشأته، كانت إيران هي القوة الأساسية وراء الحشد، موفرة له التدريب العسكري، الدعم المالي، والمساعدة اللوجستية. هذه العلاقة ساهمت في تحويل الحشد إلى أداة تنفيذية لخدمة المصالح الإيرانية داخل العراق، مما يشكل تهديداً مباشراً لاستقلال العراق وسيادته.
إذا تم دمج الحشد الشعبي في الجيش العراقي الرسمي، فإن ذلك سيعني بقاء نفوذ إيران قوياً داخل المؤسسات العسكرية العراقية. سيؤدي هذا إلى تقوية الفصائل الموالية لإيران في الجيش، ما يحد من قدرة العراق على اتخاذ قرارات مستقلة. العلاقات السياسية والعسكرية مع إيران قد تؤدي إلى وضع العراق في موقف ضعيف في مواجهة مصالح القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة، التي طالما انتقدت وجود الميليشيات المدعومة من إيران في العراق.
إن الدعم الإيراني لحشد الشعب يعقد بشكل كبير العلاقات بين العراق والدول الغربية. إذا اختارت الحكومة العراقية دمج هذه الفصائل الإيرانية في الجيش، فسيؤدي ذلك إلى مزيد من العزلة الدولية. في المقابل، فإن السماح لهذه الفصائل بالحفاظ على استقلاليتها داخل القوات المسلحة العراقية من شأنه أن يعمق التوترات الطائفية والسياسية داخل العراق.
الضعف الداخلي: حكومة في أزمة
الانقسامات الداخلية داخل النخبة السياسية العراقية تسلط الضوء على ضعف الحكومة. إن الحشد الشعبي ليس كيانا واحداً موحداً، بل هو ائتلاف من الميليشيات التي تتنوع في توجهاتها السياسية والطائفية والأيديولوجية. وقد أدى نمو هذه الميليشيات إلى إحداث صراع داخلي في الحكومة، حيث تسعى بعض الفصائل إلى دمج الحشد بشكل كامل في القوات المسلحة، في حين يدفع آخرون نحو تفكيكه أو إعادة هيكلته ليكون تحت إشراف حكومي مركزي. هذه الانقسامات تعكس أزمة أعمق في النظام السياسي، حيث يعجز العراق عن اتخاذ قرار حاسم بشأن هذه الميليشيات.
عدم قدرة الحكومة العراقية على فرض سيطرتها على الحشد الشعبي يعكس ضعفاً شديداً، أو ربما يكون عدم رغبة من جانب بعض الفصائل الحكومية في مواجهة هذه القوة المتزايدة. إن الحشد الشعبي أصبح معضلة سياسية في العراق، يعكس العلاقة المعقدة بين السيادة الوطنية والسياسة الطائفية والنفوذ الخارجي. العديد من القادة العراقيين يعتمدون على دعم فصائل الحشد الشعبي، خاصة تلك المرتبطة بإيران، ما يجعل من الصعب عليهم اتخاذ خطوات جادة لتفكيك أو حل هذه القوات.
وصفة لعدم الاستقرار الإقليمي
وجود الحشد الشعبي في العراق لا يشكل تهديداً للاستقرار الداخلي فحسب، بل يشكل تهديداً للأمن الإقليمي أيضاً. العديد من فصائل الحشد، خاصة تلك المرتبطة بإيران، شاركت في أنشطة خارج حدود العراق، بما في ذلك في سوريا ولبنان واليمن، حيث دعمت المصالح الإيرانية. مشاركة الحشد الشعبي في هذه الصراعات الإقليمية أسهمت في مزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، إذ أصبحت هذه الفصائل بمثابة أدوات إيرانية في صراعات بالوكالة.
إذا سمحت الحكومة العراقية للحشد الشعبي بأن يصبح جزءاً من الجيش الرسمي، فإن ذلك سيزيد من احتمالية استمرار هذه الميليشيات في أنشطتها خارج العراق. ستصبح الحشد الشعبي امتداداً دائمًا للمصالح الإيرانية في المنطقة، مما سيزيد من تعقيد العلاقات الإقليمية ويؤدي إلى مزيد من التوترات. هذا الأمر سيضع العراق في مواجهة مباشرة مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، الذين يعتبرون الحشد الشعبي تهديدًا لأمنهم في المنطقة.
الخاتمة: طريق خطير أمام العراق
إن مسألة دمج الحشد الشعبي في الجيش العراقي ليست مجرد مسألة استراتيجية عسكرية، بل هي قرار سيحدد مستقبل سيادة العراق. السماح للحشد الشعبي بالاندماج في القوات المسلحة سيعني بشكل فعلي تسليم السيطرة على الأمن الوطني إلى الميليشيات الموالية لإيران، مما يعزز تبعية العراق لإيران ويزيد من تعقيد علاقاته مع القوى الغربية.
تواجه الحكومة العراقية مفترق طرق حاسم. عجزها عن فرض سيطرة كاملة على الحشد الشعبي، بالإضافة إلى الانقسامات الداخلية في الحكومة، يثير تساؤلات حول مستقبل العراق. سواء كان هذا الضعف ناتجًا عن عدم رغبة في المواجهة أو عن عدم القدرة على ذلك، فإن فشل الحكومة في السيطرة على الحشد يمثل تهديداً خطيراً لسيادة العراق واستقرار المنطقة. إن العراق أمام خيار صعب: إما أن يتخذ خطوات حاسمة للسيطرة على الحشد، أو يواصل السير في الطريق الذي يؤدي إلى مزيد من التفكك والهيمنة الأجنبية.