عاشت دول الخليج العربي في بحبوحة وترف لفترة طويلة من الزمن مسخرة ثروتها النفطية والاستثمارات العالمية لتطوير البنى التحتية ومواكبة العصر الحديث وتزامن مع هذه البحبوحة غفلة عن ما تخطط له دولة الجار إيران الطامعة في أرض الخليج العربي وتصوروا بأن الخطر عليها اذا ما كان فانه من خلال الهجوم و الاحتلال بالسلاح التقليدي الذي احترزت منه مقدماً بتحالفها مع الدولة العظمى أمريكا وحلفاؤها كالذي حصل على دولة الكويت من قبل العراق مطلع التسعينات لكنها غفلت عن احتلال واستعمار من نوع آخر هو أشد واخطر لما يسببه من تفكك وتخريب وتمزيق وحدة المجتمع ويهدد وجوده , فقد استخدمت ايران السلاح العقائدي والمذهبي حسب مفهومها المنحرف ووظفته لزرع الخلاف والاختلاف والتضاد بين أبناء البلد الواحد وتقليل أهمية المواطنة ان لم يكن سلخها , وقد نجحت ايران في عدد من دول المنطقة كلبنان والعراق والبحرين واليمن بتعبئة الكثير حرصت على دعمهم مادياً وزودتهم بأنواع السلاح يعلنون تمردهم علناً ضد الحكومات ويهددونها اذ ما انصاعت لأفكارهم واجنداتهم التي هي أفكار وأجندات الولي الفقيه فاصبحوا يمثلون دولة وسط دولة زعزعت الامن المجتمعي وخلخلت النظام العام في هذه الدولة واضعفتها من الداخل, ومع وضوح هذا التدخل الإيراني ومخططها في دول المنطقة وإعلانهم الصريح عن مشروعها الإمبراطوري ورغم ما كانت تمر به من ظروف اقتصادية خانقة بسبب العقوبات الدولية على خلفية برنامجها النووي ورغم تداعياتها من الداخل وحدوث الكثير من الأزمات , لكن دول الخليج لم تستغل هذه الفرص لتطهير نفسها ومجتمعها من الدّنس والسرطان الإيراني وبأقل الخسائر ,سوى محاولات متأخرة لم ترتقي للمستوى الذي يناسب حجم الخطر الذي يهددها , على عكس اليوم بعد أن كسبت ايران قوة اقتصادية جراء رفع الحظر على بعض أموالها المجمدة وما يتسبب عنه علاقات جديدة وفق المصالح المتبادلة كما حصل أخيراً من تغيّر المواقف بينها وبين تركيا وفق هذه الجزئية ! ولعل تحشيد ايران لقوة عسكرية للدفاع عن الحوثيين شاهد على ما نقول , لم تنتهي الحكاية بعد ! وأن أصبحت معقدة وتكاليفها باهظة نتمنى أن دول الخليج تستطيع ان تتدارك ما فاتها لأن المسألة مسألة وجود وكيان وشعوب وتاريخ وحضارة تهون من أجلها كل التضحيات , وللمرجع العراقي العربي السيد الصرخي الحسني وجهة نظر واقعية ومنطقية في هذه القضية منتقداً فيها موقف دول الخليج لتفويتها الفرص ومتسائلاً عن ما اذا كانت قادرة على المواجهة والصمود والتضحية وبخسائر أكثر للخلاص من العدو الإيراني الاقبح والابشع والاشنع , حيث قال في جواب استفتاء قدم له في 8-3-2016 ((وبعد… أولًا ــ لقد أضاعت دول الخليج والمنطقة الفرص الكثيرة الممكنة لدفع المخاطر عن دولهم وأنظمتهم وبأقل الخسائر والأثمان من خلال نصرة العراق وشعبه المظلوم!!! لكن مع الأسف لم يجدْ العراق مَن يعينُه، بل كانت ولازالتْ الدول واقفة وسائرة مع مشاريع تمزيق وتدمير العراق وداعمة لسرّاقه وأعدائه في الداخل والخارج، من حيث تعلم أو لا تعلم!!! ثانيًا ــ هنا يقال: هل يمكن تدارك ما فات؟!! وهل يمكن تصحيح المسار؟!! وهل تقدر وتتحمّل الدول الدخول في المواجهة والدفاع عن وجودها الآن وبأثمان مضاعفة عما كانت عليه فيما لو اختارت المواجهة سابقًا وقبل الاتفاق النووي؟!! فالدول الآن في وضع خطير لا تُحسَد عليه!!! فبعد الاتفاق النووي اكتسبت إيران قوةً وزخمًا وانفلاتًا تجاه تلك الدول!! وصار نظر إيران شاخصًا إليها ومركَّزًا عليها!! فهل ستختار الدول المواجهة؟!! وهل هي قادرة عليها والصمود فيها إلى الآخِر؟!! ثالثًا ــ إنّ الوقائع والأحداث والفرص تتغيّر بتغير الظروف وموازين القوى المرتبطة والمؤثرة فيها، وفوات الفرصة غصّة، ونذكر هنا: 1 ـ بعد التدخّل الروسي في سوريا اختلفت التوازنات كثيرًا، وامتدّ تأثير التدخّل إلى العراق!!! 2 ـ الأمور بمجملها تغيّرت سلبًا وإيجابًا بعد أزمة النفط وانخفاض أسعاره!!!
3 ـ المؤكَّد جدًا أنً إيران بعد الاتفاق النووي اختلفتْ كثيرًا عما كانت عليه، وقضيتها نسبيّة، فبلحاظ أميركا وكذا دول أوربا فإنّ إيران في موقف أضعف لفقدانها عنصر القوة والرعب النووي، مع ملاحظة أنّ رفع الحظر النفطي والاقتصادي عن إيران قد أدخَل العامل الاقتصادي كعنصر ممكن التأثير في تحديد العلاقات!! وأما بلحاظ الخليج والمنطقة فالمسألة مختلفة وكما بينّا سابقًا!!! ونسأل الله تعالى العزيز القدير أن يفرِّج عن شعبنا العراقي والسوري وكل المظلومين