قيل وكتب كثيراَ عن ايران مابعد الشاه وإنتصارأول ثورة إسلامية فى العصر الحديث، البعض قال ان ما حدث كان بسبب عوامل داخلية ‘ كانت ذات أثر أكبر من العوامل الخارجية في هذه التغييرات ، فقد شهدت ايران تحولات سياسية مهمة بعد التوجه الى بناء نظام تختلط فيه القيم الدينية والديمقراطية، نظام يتم بموجبه الوصول الى السلطتين التنفيذية والتمثيلية عبر صناديق الانتخاب، وهو أمر فرض مبدأ التداول على السلطة وحرية الصحافة وتعددها، وتشكيل منابر وجماعات سياسية، تطرح برامج وتوجهات عقائدية وسياسية متباينة، وهو الامر الذي يعبر عنه، الانقسام الكبير الظاهر في ايران بين التيارين الاصلاحي والمحافظ، وكل واحد من هذين التيارين يضم طيفاً واسعاً من الاتجاهات والجماعات والشخصيات ‘ويرى البعض أن النظام رغم هذا لم يقدم نموذجاً من الحرية والمواطنة وضمان لحقوق الإنسان داخل بلد متعدد الاعراق ‘ فالقومية الكردية والاذرية و طوائف مذهبية ودينية تواجه الاظطهاد بشكل واضح من الآكثرية الحاكمة ‘ بدل العمل لمعالجة هذه المشاكل ‘ ركز النظام ولايزال على بناء القوات وتطوير الاسلحة ‘ بذلك ليعطي إنطباع لدى دول المنطقة ‘ أن ماحدث فى ايران ‘ لم يغيير شيء جوهري في سياسة نظام الشاه بالنسبة لتوجهات الحكام الجدد تجاه الخارج ‘ والتوجهات والأطماع الاقليمية على وجه التحديد ‘ الشيء الوحيد الذي تغير من هذه الناحية هو : أن ايران الشاه كانت تتوجه إلى تحقيق طموحاتها في المنطقة بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية ‘ بحيث كان أعداء ذلك النظام يلقبونه بحارس المصالح الامريكية في المنطقة ولكن النظام الجديد يبحث عن طريقة لفرض الهيمنة أو تقاسمها مع القوى الاخرى ….‘
خلاصة القول ان السياسة الاقليمية الايرانية تقوم على الاحتياجات والمصالح والبحث عن الهيمنة الاقليمية بدل التعاون البناء ، بل وفي بعض الاحيان تمارس سياسة براغماتية، لاتخلو من تعارضات مع الايمانات الايدولوجية والشعارات السياسية المعلنة..
وفي ما يخص العراق كان من الواضح ومنذ بداية احتلاله من قبل امريكا ‘كانت ايران شبه مرحبة بهذا الحدث رغم عداوتها المعلنة لامريكا التي لقبها منذ سقوط الشاه بالشيطان الاكبر ‘ لان عند ايران (الحكام ) إضعاف العراق أمر لازم للإبقاء على توازنات القوى في المنطقة، ولكن الإضعاف بدون التقسيم بسبب التركيبة السكانية للإيرانيين والتي تتهدد في حالة إنشاء دولة كردية فى أقليم كردستان العراق ‘ ولكن الادعاء بأن خروج أمريكا من العراق يؤدي إلى تحول هذا البلد إلى إحتلالها من قبل الايرانيين كلام فيه مبالغة ‘
صحيح أنه في العراق تباع سلع إيرانية في كل مكان، ويمكن مشاهدة السياح والحجاج الايرانيين في كل مكان. كما يمكن مشاهدة العلم الايراني الذي يرفرف فوق مبنى القنصلية الايرانية من كل ركن في البصرة بجنوب العراق وفى أربيل عاصمة أقليم كردستان ‘ ولكن من الصحيح أيضاً أن عرب العراق ورغم أن أكثريتهم ينتمون إلى المذهب الشيعي ‘ رغم ذلك ثمة عامل واحد لا يزال قائما لحد الآن بوسعه إيقاف التوسع الايراني في العراق، وهو ليس القوات الامريكية بل النزعة القومية العراقية من جهة و الغطرسة ونزعة كره العرب في إيران نفسها من جهة اخرى ‘ وكان كثير من الساسة الحاليين الذين أمضوا بعض الاوقات في المهجر في ايران كانوا يشعرون بحماقة ايديولوجية وغطرسة قومية تأتي من جانب رعاتهم الايرانيين ‘ اذن بذلك سيكون من الثابت أن اكثرية العراقيين يدركونَ جيدا ان تغيير الامريكيين بالايرانيين هو ليس الحل الافضل ‘ هذا بالاضافة أن في العراق سياسيين وطنيين متنفذين يدركون أن تخويف الحس الوطني للعراقيين باحتلال وسيطرة الايرانيين ‘ صناعة أمريكية فى الاساس طريقاً لإبقاء العراق أولاً ومن خلاله المنطقة فى وضع قلق وغير مستقر تحت سيطرة طموحاتها
ورغم وجود إتفاقات أمنية مع واشنطن وقدرتها تتناسب مع حاجات المرحلة ‘ إلا أن التحرك الامريكى لأثارة دول الخليج وتخويفهم من الخطر الايراني بعد الانسحاب من العراق أخذ مكانه في خطط اثارت توترات وترهيب الاهل المنطقة ‘ خصوصاً وإنه من الواضح ‘ أن الإنسحاب ‘ ودون أية مكاسب يتركها خلفه يعني إنهيار الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة
قلنا في مقال أخر (نحن بين خطر أمريكا وإيران ) : خطورة تكمن في ‘ أن اذكاء مواقف إنهيار الثقة وعدم البحث عن المصالح المشتركة بين إيران ودول وشعوب المنطقة ليس إختيار إرادة الشعوب وإنما مخططاً له خارج هذه الإرادات ‘ حتى وعندما تأتي مقارنة بين خطورة القوى العالمية المهيمنة وقوة إيران ‘ تتم تلك المقارنة بتوجيهات الأول ومنسجمة مع مصالح أصحاب القرار في بعض دول المنطقة ‘ وعندما يوجه أحدهم سؤال إلى قارئ : هل أنت مع المشروع الأمريكي الذي يريد إعادة رسم خريطة المنطقة من الخارج ‘ ام إنك مع المشروع الإيراني الذي يهدف الى تقويض الدول الاقليمية من الداخل ..؟ ومع أن المنطق يقول أن لمواجهة المشروع الإيراني هناك أكثر من خيار وبأقل خسارة إذا أخذنا إعتبارات التأريخ وحقائق الجغرافيا ومصلحة شعوب المنطقة في الحرية والإستقلال والبناء ‘ ولكن الغربيين الهوى يعتبرون أن مسايرة المشروع الأمريكي هي أهون الشرين !وذلك من خلال العزف على بعض الاوتار العاطفية وإثارة الحماس تجاه قضايا لها حساسية تعرف القوى المهيمنة تأثيراتها على التحريك..وفي النتيجة يظهر أن تلك المواقف تعطي نتأئج معاكسة ولصالح تيار التعصب في إيران وفتح الطريق لتصالح الآضداد على حساب طموح الشعوب فى حرية الإختيار ومن ضمنهم الشعب الإيراني .
أن المصالح المشتركة أنية ومستقبلية بيننا وبين إيران كثيرة بحيث نستطيع من خلال التركيز على المشتركات بيننا ودعمها نكون معاً قوة لايستهان بها ضد الغرباء الطامعين في الإستغلال الحقيقي لشعوبنا ‘ ولكن نرى أن الغرباء وفي مقدمتهم أمريكا تشجع الحديث عن نقاط الاختلاف ومايبعث على التشنج وأن التركيز الأمريكي على خطر ايران على المنطقة عموماً وعلى العراق خصوصاً تدخل ضمن هذا البرنامج ‘ وحتى لو فرضنا وجود خطر ايراني في تصرفات النظام الحالي ‘ فأن الفرص لمعالجة ومواجهة هذا الخطر من خلال إرادات الخير لشعوب المنطقة أسهل بكثير وبأقل خسارة ‘ بل ممكن إنهائها لصالح الاستقرار الحقيقي للمنطقة دون تدخل طرف ثالث .