19 ديسمبر، 2024 1:55 ص

الخطة الامريكية في العراق واعادة توازن القوى

الخطة الامريكية في العراق واعادة توازن القوى

يعلم الأمريكان جيدا كيف يتابعون ميزان القوة للفواعل السياسية في ساحات الفراغ الاستراتيجي. فبعد ان مر وقت ليس بالقليل على تشكيل الحشد الشعبي في العراق وتطور مستوى الجهوزية لفصائله المختلفة، وامتداد هذه القوة إلى الفعاليات السياسية المختلفة وخصوصا الشيعية، كل هذا معطوفا على المتغيرات الداخلية والإقليمية المختلفة. وهنا كان لابد من إعادة تقييم وزن قوة الفواعل المحلية المختلفة اللاعبة بالساحة العراقية. واذا كانت الخطة الامريكية الحالية في العراق – المتزامنة مع انطلاق حملات المنافسة على منصب الرئاسة في الولايات المتحدة – هي (المحافظة على الوضع القائم)، مع منح مرونة في الحركة دون الانفلات او انتاج المعادلات الجديدة، وبدون شك هذه الخطة تضم في طياتها العديد من المراحل والخطط التي تتداخل وتمتزج مع الخطة الأكبر الخاصة بالشرق الأوسط – الجزء يصب في مصلحة الكل-، فبقاء الولايات المتحدة القوة المركزية في المنطقة مع العمل على منع بروز أي قوة محورية يمكن ان تؤثر على مرونة الحركية في تفاعلات القوى المختلفة هو جوهر هذه الخطة. وتأتي حركة (اقتحام مجلس النواب العراقي) من قبل الجمهور العراقي الذي يضم في اغلبه جمهور التيار الصدري، مع صمت واضح من السفارة الأمريكية، ودون ان تسمع شعار ضدها من قبل المتظاهرين، بعد ان كان شعار (كلا كلا أمريكا …) الشعار الرسمي للتيار أو دون وصول متظاهر واحد إلى مبنى السفارة الأمريكية. وهو ما يمكن تفسيره ان هذه الحركة لم تكن بعيدة عن علم او التنسيق العالي مع السفارة الأمريكية او الفواعل الرئيسة في العراق الرسمية وغير الرسمية، بصورة أو أخرى، والدليل لم تتعرض السفارة إلى أي فعل أو تهديد مادي أو معنوي، بل لجئ لها بعض النواب للحماية. ان هذا الحدث يطرح الكثير من الأسئلة عن دور أمريكا فيما حصل. لكن ليس هذا موضوعنا حاليا، ان ما يهمنا هنا هو ما ترتب على هذا الحدث من نتائج والتي يمكن اختصار أهمها بالنقاط الأتية: 1. يشكل اقتحام مجلس النواب العراقي بهذه السرعة والطريقة علامات استفهام عديده عن مستوى الأداء والجهوزية والتنسيق للقوات الأمنية المختلفة الماسكة لملف الأمن في العاصمة بغداد بعد مرور اكثر من 12 عام من إعادة تشكيلها، وما صرف عليها من أموال كبيرة، وما يثبت صحة هذا الضعف هو الاستعانة بقوة الحشد الشعبي لمسك بعض مناطق العاصمة بعد الاقتحام، ومن جهة أخرى، ان هذه الحدث هو دون شك موضع دراسة حاليا للقوى التي لا تؤمن بالعملية السياسية، للاستفادة عن إمكانية أعادته هذا السيناريو ودخول المنطقة التي تضم مؤسسات الدولة السيادية، بعد ان تبين ان هذا المنطقة ليست عصية بل ان اختراقها بسيط وتكمن الصعوبة بكيفية الاحتفاظ بها، وهنا يتطلب إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وإعادة النظر بالخطط الأمنية الخاصة بالعاصمة، ولا تخرج هذه الإعادة من طرح صيغة جديدة مثل: تشكيل قوات خاصة لحماية المؤسسات السياسية أو تشكيل قوات أخرى لحماية الديمقراطية أو إيجاد موقع بديل للحكومة في حال تم تعطيل أو احتلال الموقع الرئيسي. 2. ان الأعب الأمريكي يثبت لجميع الفواعل المحلية والإقليمية وخصوصا إيران ودول الخليج انه اللاعب المركزي في الساحة العراقية. رغم ان ملف العراق لم يعد الملف رقم واحد في مجلس الأمن القومي الأمريكي. 3. تعتبر هذه الحركة مقياس أمريكي لإعادة تقييم الفواعل العراقية وتحديدا فصائل الحشد الشعبي لتحديد حجم قوتها ومستوى التنسيق فيما بينها. 4. هذا المقياس سيحدد المستوى السياسي والعسكري للتيار الصدري بعد ان قدم نفسه على ان طريقة تعاطيه مع العملية السياسية قد تغيرت نتيجة لتغير وزن قوته من ناحية النضج السياسية واتساع القاعد الشعبية وقدرته على ملئ الفراغ بعد انسحاب
المرجعية الدينية نسبيا من التدخل بالعملية السياسية، وعدم قدرة أي من الفعاليات السياسية على تقديم خطة أو رؤية مقنعة للشارع، كما ان جهوزية سرايا السلام— الجناح العسكري الرئيسي للتيار الصدري، من حيث العدة والعدد وحجم الانضباط وتحقيق النصر في معارك شرسة، مع المقبولية التي تحظى بها في أوساط الساحة السنية، كل هذا جعل من الضروري قياس وزن هذه القوة من خلال زج التيار في امتحان سياسي وعسكري، وكان دخول الخضراء سيمثل أفضل امتحان يمكن من خلاله قياس وزن قوة التيار الجديدة. 5. يمكن لهذا الامتحان ان يعمل في نفس الوقت كمستنقع يعمل على عودة توازن القوى للساحة العراقية من خلال حصر التيار في معركة ذو جبهتين: سياسية مع الأحزاب الشيعية التي ينافسها على النفوذ وعسكرية مع فصائل الحشد التي ترفض تغيير المعادلة السياسية لحين إخراج داعش وتحرير كامل ارض الوطن. لكل ما تقدم يتضح لنا ان اكثر المستفيدين من هذه الأزمة الحالية هي الولايات المتحدة التي ستعمل من خلال هذه الأزمة إلى عودة التوازن في الساحة العراقية، وهنا من المرشح ان تنتقل الإدارة الأمريكية بعد تحليل النتائج إلى المرحلة الثانية من الخطة وهي (التقليم والتنحيف والشفط) للقوى التي زاد وزنها بعد تشكيل الحشد الشعبي، هذا اذا ما أظهرت النتائج زيادة وزن بعض القوى وهنا من المرجح ان نشاهد عزل سياسي لبعض القوى او الشخصيات او اشتباكات مسلحة بين بعض القوى، ويمكن ان تكون العاصمة ساحة لهذه الاشتباكات، ولا تبتعد المواجهة التي تحدث بين الحين والأخر بين البيشمركة وبعض فصائل الحشد من هذه الخطة. ان هذه الأزمة لا تبتعد من دائرة الصراع الإقليمي حيث تدفع الولايات المتحدة إلى فتح منافذ تنفيس للقوى الخليجية في دوائر بعيدة عن الدوائر الصامدة التي باتت خسائر القوى الخليجية واضحة فيها، ولا انسب وأقرب وأسهل من الدائرة العراقية، وقد مثلت شعارات “إيران برى برى …” بمثابة إعلان عن هذا التنفيس لزيادة حركية هذه القوة في مسعى لتسجيل نقطة في الساحة العراقية، بعد الخسائر في الساحة السورية واليمنية… إيران ليست بعيدة عن كل ما حدث فبعيدا عن الحسابات الداخلية العراقية، تمثل هذه الأزمة بمثابة جرس إنذار للاعب الإيراني الذي بات أكثر استرخاء بعد الاتفاق النووي الإيراني، وعدم انسيابية العلاقات الامريكية – الخليجية/السعودية، فالمطلوب هو عدم منح هذا الأعب أي فرصة للاسترخاء وتمثل ضرب المصالح الإيرانية في العراق بمثابة ضرب خاصرت هذا اللاعب وجعله يشعر بالقلق المستمر وهو ما يضعف حركته في الدوائر الأخرى…. علما ان هذا المقال نشر في جريدة العالم بتاريخ 2016/5/9

أحدث المقالات

أحدث المقالات