23 ديسمبر، 2024 1:47 م

الخطايا المميتة في السياسة ومبدأ النحر

الخطايا المميتة في السياسة ومبدأ النحر

كلمة سياسة مأخوذة من الفعل ساسَ ,أو ماخوذٌ منها وهذا مفهوم نحوي فيه خلاف وجدال بين النحويين.وتعني التصدي و رعاية شؤون الدولة الخارجية والداخلية وتعرف إجرائياً حسب (هاولد لازول ) بأنها دراسة السلطة التي تحدد من يحصل على ماذا (المصادر المحدودة ) ومتى وكيف. أي دراسة تقسيم الوارد بين المجتمع عن طريق السلطة(ديفد إستون) وعرَّفها الشيوعيون بأنها دراسة العلاقات بين الطبقات.وعرَّفها الواقعيون بأنها فنُّ الممكن ,اي دراسة وتغيير الواقع السياسي . وليس الخطأ الشائع وهوإن فن الممكن هو الخضوع للواقع السياسي, وعدم تغييره. بل التغيير يجري بناءً على حسابات القوة والمصلحة والوقت المناسب.والمفروض بالسياسة تحقيق الأهداف والمصالح ضمن خطط الأفرد والجماعات والمؤسسات والنخب حسب إيديولوجيا  معينة.فالسياسة تعني وتهدف القيام على الشيء بما يُصلِحه ,أي أن تكون الأجراءات والطرق ووسائلها وغاياتها مشروعة وليست السياسة هي كما يقول الميكافيليون الغاية تبرر الوسيلة, فاللعبة السياسية لعبة شريفة مشروعة وليست ألعاب قذرة, فهذا منطق المنافقين والأنتهازيين.ولا تقبل الأخلاق هذا ولا الشيم والمروءة.
أما الخطيئة فهيَّ الفعال التي تنتهك الأخلاق والقوانين الألهية والوضعية العامة وتعني الأفعال الحسية السيئة المادية الفعلية أو الفكرية السيئة المنفور منها  التي تضر بالإنسان والأمة .
والخطايا قسمان منها الخطايا المميتة المدمرة مثل القتل وإشاعة الفتنة والدفع للأحتراب الطائفي أو العرقي أو القبلي أو المناطقي وإشاعة الخطاب الفتنوي التحريضي.وثقافة النحر والتصفية الجسدية وإباحة دماء وأموال وأعراض الناس.وشرعنة العنف الشديد تجاه الآخرين,كما يجري اليوم في عديدٍ من أقطارنا العربية وخاصةً العراق وسوريا حيث يُنحر الأبرياء وخاصةً الفقراء يومياً بدمٍ بارد.
أما القسم الثاني من الخطايا فهو الطفيفة منها وتتمثل بالغضب والسرقة والأضرار بالعامة بالعام والخاص.وهذا يمكن معالجته بإشاعة ثقافة القانون والنظام وتفعيلهما وتعزيز السلطة المشروعة.
ظن الحكام ممن هيأت لهم الفرض الأستيلاء على مقادير البلاد والعباد إن الشعوب ليست سوى قطعانٌ من الماشية تسوقها رعاة إختاروهم وزمرة من رجال الأمن يمثلون دور كلاب الحراسة يعيدون من يخرج عن مسيرة القطيع التي إختاروها الى الحضيرة أو الطريق الذي يرتأون . يطعمون هذا القطيع وفق هواهم وحسب مزاجهم. يذبحون من يشاؤون ومتى يرغبون, يبعون به ويشترون وفي الأسواق التي يشاؤون  ولا حقوق لهذا القطيع إلا ما يرونه ولا قول لهم إلا  قول الحاكم الذي يعتقد إنه رب هذا القطيع. ويصدق هؤلاء الحكام السُذَّج أنفسهم وكلاب حراستهم ورعاتهم إن هذه الشعوب أصبحت ملكاً لهم عندما يرون مسيرات ينظمها هؤلاء الرعاة بعد إخراجهم طلاب المدارس وعناصر الأمن وزمر دوائر التجسس ومجاميع من الزمارين والطبالين تمجد القائد الرمز والضرورة وصاحب الكتاب الأخضر والأزرق والأحمر والحزب القائد.فيُحرِّمون الفكر المناوئ ويُجرمون من يخالف أو يقصر في الهتاف والتصفيق فيباد من يباد ويُهَجر من يهجر ويعاقب الأقارب للدرجة الرابعة على ما ُرتِّب لأقاربهم ولُفِق من تهم.ويظن هذا الحاكم إنه رب هذا الشعب وليس الله ربه وربهم وهم أمام الله سواء.فتنتفخ أوداجه ويزج شعبه في الأتون غير آبه لما يخفيه له الزمن من صحوةٍ لهذا الشعب .
وهذه من الخطايا المميتة في السياسة التي نتجت عن جهل هذا الحاكم ونزقه وخبث ناصحيه وضيق أفقه وبعده عن الوطنية والأنسانية بأبسط مفاهيمها.
ونتيجة لنهج هذا الحاكم التصفوي الديكتاتوري العنيف يجد الشعب نفسه محشوراً في زاوية ضيقة قاتلة, ولا أمل له إلا بتدخل أجنبي ينقذه. وهذا يجد أرضاً خصبة عند الطامع المتربص من خارج الحدود ويداً سياسية خسيسة غير شريفة من داخل الوطن تثقف لهذا الفكر والنهج القذر, لتحقق مآرباً دنيئة.والمؤلم أن الشعوب لعفويتها تُصَدق هذا,وتندفع معه وهذه الخطيئة لمميتة أيضاً.فالطامع الأجنبي لا يأتي مُحرراً لسواد عيوننا وحباً بنا لننال حريتنا وسيادتنا وإنما لحسابات مصالحه ومصالح حلفائه.ولكي يحقق هذا يشيع الفتنة والأنقسام ويؤجج الأقتتال.وفق حسابات ستراتيجية وتكتيكية وبعد دراسات مستفيضة.وخير مثال على الخطيئة السياسية المميتة هيَّ تجربتنا المريرة في العراق. وما تعرضنا له من صراعات طائفية وإثنية وفساد إداري ومالي وغموض دستور وتدهور أمننا وسوء إدارة دولتنا.ونفس الحال مصير مصر وليبيا وسوريا اليوم.فالحكام ظنوا إن الأمورقد  إستقامت لهم وآل لهم كل شيء, ومحال على الشعب تغيير حاله .فعميت بصيرتهم حتى جاء اليوم الموعود وإنفجر البركان. فركب الأنتهازيون الموجه ووجهوا السفينة الى غير ما يريد الشعب فسدّوا الأبواب أمام أي حوار يفضي للأنتقال السلمي للسلطة أو المشاركة بها فكانت خطيئة قاتلة  تجر لخطيئة مميتة.وبذات الوقت لا ننكر إن بعض الساسة في العراق قد حاولوا بجدية سلوك مبدأ الحوار كذهاب دولة رئيس الوزراء الى كردستان. لكسر الجليد وتقريب وجهات النظر, نتج عنها زيارة مماثلة لرئيس إقليم كردستان لبغداد وما تنتج عن هاتين الزيارتين من أمور إيجابية وإن كانت محدودة ودون الطموح, لتعقيدات المشاكل وغموض تفسير الدستور.ونأمل أن يحذو بقية الساسة هذا الأسلوب المتحضر الوطني .لا المقاطعة والهروب كالنعامة من المواجهة الشفافة وأمام الشعب على الفضاء مباشرةً أو اللجوء للتسقيط وخلق الأزمات وفرض الشروط والمطالب التعجيزية الأبتزازية .
إن التدهور الأمني الخطير مؤخراً في العراق وإستباحة دم العراقيين يومياً كان تنيجة لتداعيات فسادٍ إستشرى بمفاصل الدولة العراقية وإنعكاساتٍ لصراع على مغانم لا خلافٍ على نهج حكم أـو برامج تنموية. وتتحمل هذا كل الكتل السياسية دون إستثناء.لأنها وفرت المناخ الملائم لتصاعد الأرهاب وتبريره .ولابدَّ لها أن تصحح الأمر وإن لم تتمكن من الأصلاح فعليها ترك الأمر للشعب بعد أن عبثت بأمنه وإقتصاده ودمرت كلَّ شيءٍ جميل فيه.ولكننا لا نظن أن شيئاً من هذا سيحدث في العراق, فبريق المال وحب الإسئئثار بالسلطة من أجل المال والجاه والسلطان أعمى البصيرة وعطَّلَ العقول وشلها.وسيتدهور الأمن أكثر وستسيل دماء بريئة أغزر وسيتيتم أطفال وتُرمل نساء وتُحرق أسواق وتُعطل البلاد وتُستنزف إقتصادياً بعد دمرت إجتماعياً.والشعب مصاب بالدهول من هول ما يجري, عاجز عن التحرك لأنقاذ حاله والخروج من برك الدماء .
تمرُّ بلداننا وشعوبنا في أقطار عدة بحال من الأقتتال وإشاعة ثقافة النحر والذبح والقتل والدمار والأقصاء .ولا زال الساسة يرتكبون الخطايا القاتلة فهم بركونهم للحل الأمني وإستعمال السلاح ورفض كل حوار سلمي عقلاني يدمرون شعوبهم ويدفعونها للأنزلاق للحروب الأهلية.ونتائج هذا ليست خافية على كل ذوي البصيرة.
 فهل لنا من مخرج من هذه الخطايا المميتة في السياسة .ومتى نتعلم من الشعوب الأخرى وتجاربها فنحل مشاكلنا عن طريق الحوار و صناديق الأقتراع.ويقبل بعضنا البعض الآخر إنسانياً  وفق منطق الحضارة والأنسان.