23 ديسمبر، 2024 12:24 م

الخطاب السياسي والإعلامي  العراقي ..وخارطة الطريق المطلوبة

الخطاب السياسي والإعلامي  العراقي ..وخارطة الطريق المطلوبة

الكثير من المختصين بالشأن السياسي والإعلامي تراهم يتحدثون عن الخطاب الإعلامي وما يواجهه من تحديات ، ويسهب ( البعض ) في تناول أفكاره وتوجهاته ، دون أن يسبر أغوار مضامين هذا الخطاب وأسسه وكيف تكون لغته وصياغاته، وهنا نود أن نؤكد حقيقة أن ( الخطاب السياسي والإعلامي العراقي ) أمر منوط بالسياسيين أكثر مما هو منوط بوسائل الإعلام في مختلف أنشطتها، إذ ان الاعلام أداة عاكسة للرأي العام وللتوجهات السياسية للبلد ، ومن الخطأ تصور خطاب إعلامي لوحده بمعزل عن الخطاب السياسي ، الذي هو الأداة الذي يرسم لنا خطوط السياسة وانماط الحكم وبث الرسائل والتوجهات السياسية، أما وسائل  الاعلام  فهي مجرد أدوات ناقلة للأخبار وللتصريحات المختلفة، وان كانت لها ( تدخلات) في صياغة هذا الخطاب أو طرح مضامينه وتوجهاته على الرأي العام، فإن نسبة تدخلها هذه لاتزيد على عشرة بالمئة في أكثر تقدير.
وبهدف القاء الضوء على هذا المصطلح الذي يعنى بالخطاب السياسي والإعلامي العراقي فإننا نورد جملة من الملاحظات تخدم تطوير هذه الخطاب وإعادة صياغة لغته وفقا للمحاور التالية:
1.    مادام الخطاب الإعلامي العراقي هو حاصل نتاج السياسيين وما يروجونه من أنشطة وتوجهات ، فأن المعني بتحسين لغة الخطاب الإعلامي في المقام الأول هم السياسيون، فهم من يقودون الرأي العام وهم من يتحكمون في توجيهه وقيادته وفقا لرؤية كل سياسي أو نظرته السياسية ، وما دام البلد يعيش حالة تعددية سياسية وفكرية وتعدد في المنابر السياسية وتناقض الكثير منها وتحاملها على الآخر ، فلن يكون بمقدور من يهتمون بالخطاب الإعلامي ان يفعلوا شيئا بإتجاه الحد من تنافره وتقاطعه وتحريضه للمسمتع والمشاهد وفقا لأهواء السياسيين ودوافعهم في حشد التأييد كل لوجهة نظره، وان حجم تدخل وسائل اإلإعلام في كل الاحوال في صياغة الخطاب الإعلامي ، كما أشرنا قبل قليل ، لايتعدى العشرة بالمائة في أبعد تقدير، أي ان ما نريد ان نقوله ان الإعلام انعكاس لحال السياسيين وتوجهاتهم ورؤاهم، ومن الظلم تحميل وسائل الإعلام لوحدها مسؤولية تقاطع الخطاب الإعلامي أو تنافره وعدم انسجامه مع طموحات المواطن العراقي ولا مع رغباته، بل ان وسائل الإعلام أضحت للأسف الشديد أشبه بـ (ببغاء ) تردد ما تود صالونات السياسة ان تردده كلا على وفق أهوائها وشعاراتها ومطالبها وتوجهاتها، ويبقى رجل الاعلام في حيرة من أمره أزاء سفينة متلاطمة الأمواج، يريد ان يهديء من روعتها، لكن السياسيين يزيدونها ارتجاجا لكي ترتطم وتحدث فعل التصارع والتضاد ، بما يخدم توجهات السياسيين الرامية الى إستدراج شارعهم كلا على هواه وأمزجته ورغباته وطموحاته، في ان يكون هذا السياسي أو ذاك قد أوصل الرسالة التي يريد إشاعتها بين الجمهور، حتى وان تقاتل الشعب أو احترب، فالبعض من السياسيين يجد في حالات التنافر والاحتراب فرصته في الظهور بمظهر من يقود الأنشطة السياسية ، وهو من يوجه  أنظار الجمهور الى مايريد بما يخدم غاياته في النتيجة، ويبقى الإعلام في مثل هذه الحالة مجرد أبواق تردد تصريحات هذا القطب او ذاك رغم تنافرها وتعارضها، لكنه مرغم احيانا على نقل وقائعها لانها أصبحت جزءا أساسيا في تفكير السياسيين ، وهم أي السياسيون يجدون مبتغاهم في انهم ضمنوا ترويض الجمهور لمصلحتهم أو إثارته وفقا لرغباتهم وتوجهاتهم، وفي هذه الحالة يجد السياسيون انهم قد حققوا أغراضهم في الإثارة، أي ان الجانب الأكبر يتحمله السياسيون انفسهم وليس وسائل الإعلام.
2.    ان مهمة وسائل الإعلام الأساسية هنا تنحصر في تنقية هذا السيل العارم من التصريحات النارية وتشذيبها وتقليل حدة توجهاتها بما لاتؤدي الى التحريض والشحن الطائفي أو المذهبي أو السياسي ، أي بمعنى آخر ان مهمة الإعلام هي توجيه لغة الخطاب بما تتسق مع الذوق العام لا ان ترتد بالخطاب السياسي نحو حافات خطرة تزيد من انفعال الجمهور أو من ردة فعلهم السلبي ، والشارع العراقي متخم منذ سنوات بحملات يتهم الإعلام للاسف بأنه من يصعد من وتيرتها ، في حين ان السياسيين هم من يزيدون الاوضاع توترا وتصعيدا، لكن بعض وسائل الإعلام او شخصيات داخل وسائل الإعلام ممن ترتبط بهذه الشخصيات كل حسب ولاءاته ربما هي من تشجع هذه الشخصية على تصريحات الإثارة والصخب السياسي ، خدمة لاغراض هذا الداعية او ذاك، ولكي يظهر الإعلامي بدور المناصر له، وقد يقبض ( البعض ) من هؤلاء الإعلاميين ( ثمنا ) من جراء الدخول في لعبة الاثارة غير المرغوبة، واحيانا يدخل في إطار ( حب الظهور ) سواء للسياسي أو الإعلامي ، فكل لديه مصلحته في ان يبرز على الساحة ويؤكد حضوره بأية طريقة حتى وان كانت على حساب المتلقي والجمهور هو من يكون ( الضحية ) في نهاية المطاف، إذ تبدأ التناحرات والمناكفات تفعل فعلها في الشارع العراقي وكل يغني على ليلاه،أو وفقا ما تحققه له أغراضه من تمنيات، لكن على الإعلامي مسؤولية أكبر في أنه يرتقي فوق آمال السياسيين وتطلعاتهم ، وان يعمل على تصفية مضامين الخطب التحريضية وتنقيتها من الشوائب والأدران والمضامين الخطرة لكي لاتؤدي الى ان يصاب الشارع العراقي بأمراضها الخبيثة، وتنعكس سلبا على مجمل حياة العراقيين، وربما تؤدي الى تهديد وجودهم ككيانات سياسية ومجتمعية وتهدد السلم الأهلي ان بقي تناقل تصريحات السياسيين النارية على علاتها دون ان تدخل وسائل الإعلام دورا في التهدئة وتشذيب المضامين الهدامة وتلك التي تخرج عن السياقات المتعارف عليها او تخرج عن الأخلاق العامة وعن آداب وسلوكيات المجتمع وقيمه او تنحرف عنها أو تتعارض معها أو تتنافر، وهذه مهمة الإعلام فعلا ان يؤسس لخطاب يرتقي الى مستوى التفكير الإيجابي الخلاق ، وان يحاول قدر امكانه تخليص مضامين الخطب السياسية والتوجهات التحريضية ليعيد صياغتها بطرقة أخف وقعا على الجمهور واقل ضررا ، أما في حال بقي الإعلامي ( ببغاء ) يردد قول هذا السياسي او ذاك على علاته ، فانه يدخل البلد في متاهات وازمات خطيرة قد تنقلب وبالا على العراقيين، وهذا ما نلاحظه في الحملات الدعائية الصاخبة في عالم اليوم.
3.    لو تمعنا في توجهات الكثير من المتحدثين عن الخطاب الإعلامي العراقي نراهم يتحدثون بطرق غريبة عجيبة ، وكأن الخطاب الإعلامي هو واحد موحد، دون ان يدركوا ان لكل جهة سياسية او دينية خطابا يختلف عن الآخر او يتناقض مع الرؤية التي يتقاطع معها في التوجهات كل حسل اهدافه ومراميه، ويكون من الصعب الحديث عن ( خطاب اعلامي عراقي ) فمن يقصد بالخطاب الإعلامي العراقي هل خطاب التحالف الوطني مثلا، وفي داخل التحالف الوطني هل يعني خطاب التيار الصدري ام المجلس الأعلى ام دولة القانون ، وفي الخطاب الآخر هي يعني خطاب ائتلاف العراقية ام العربية ام متحدون أم خطاب الجماعات المسلحة التي راحت تعشعش في العراق وترعى أنشطتها الدولة، اضافة الى خطاب الدولة الذي هو انعكاس لكل كتلة او قائمة سياسية وكل يريد ان يروج لانشطته وتوجهاته حسب هواه ،هذه كلها لديها نوع من الخطاب يختلف كليا مع الآخر ان لم يتقاطع معه احيانا او يتعارض وان وجدت حالات التلاقي في بعض التوجهات فهي أقل بكثر من حالات الإفتراق والإختلاف في المضامين والتوجهات ، ولهذا فأن الحديث عن خطاب اعلامي عراقي يكاد يكون من الصعوبة بمكان، لكن مهمة قادة الإعلام ان يؤسسوا للاعلاميين العاملين في الفضائيات والصحف ومختلف قنوات الإعلام الطريقة التي يحاولون قدر امكانهم أن يؤسسوا لخطاب ( جامع شامل موحد ) وهي مهمة صعبة ومعقدة لكنها ليست مستحيلة ، غير انها بحاجة الى تفهم من كل الاطراف انها تقتنع بما تؤديه وسائل الإعلام من دور ايجابي كونها تهتم بتشكيل وبلورة الرأي العام وفق توجهات تقترب في المضامين والرؤى والعمل على اعادة صياغة بعض التوجهات لكي تظهر بمظهر ( المقبولية ) من الجميع، إذ ان من يسعى الى الحصول على  قطاع من جمهور معين ليكسبه الى جانبه فأنه لابد وانه يعرف انه سيخسر جمهورا آخر ، وهذه الخسارة تنحسب على السياسي ، فبدلا من ان يكسب قطاعات واسعة يأمل البعض فقط ان يحصل على قبول منطقته او جمهوره الطائفي المنضوي تحت لوائه، ويقود جوقتها بالاتجاهات التي تحرض الجمهور على التوافق مع هذه الطروحات أو تلك حتى وان اختلفت عن السياقات العامة  او وجدت رفضا من قطاعات اجتماعية واسعة، ولهذا ينبغي على من يقودون الرأي العام وقطاعات الجمهور ان يضعوا في اعتبارهم خطورة مكانتهم وهم من يكون لديه القدرة على تصحيح مسارات هذه التوجهات والعمل على إظهار تجانس المجتمع وتعايشه السلمي وعدم تعريض حياة أفراده او حتى مجموعاته الى المخاطر تحت ضغط التأجيج الإعلامي لخدمة أغراض هذه الجهة أو تلك ، دون ان يعرف ما تنعكس متغيراته على عموم الشعب وما تخلفه من محن ومآس ربما تنقلب وبالا على العراقيين وتقلب مستوى تفكيرهم وتؤجج روح الكراهية والعدائية فيما بينهم، وهذه ليست مهمة  أخلاقية للإعلام ان ينغممس في لعبتها او يشجع ظهورها، بل عليه ان يكون فلترا ومصفاة  تنقي هذه الخطاب وهذا السيل من الخطاب المتشنج الى الحالة التي تقلل من حالات التصعيد في المواقف ، وبالتالي تحفظ للمجتمع هيبته وتناسقه وتحافظ على ديمومة وجوده، وتسهم في تفعيل السلم الأهلي واشاعة اجواء من الامل والتفاؤل بين العراقيين.
هذه ملاحظات بسيطة وددنا تأشيرها لمن يتحدث عن إطار للخطاب الوطني العراقي ، وكيف يكون إطار هذا الخطاب، وسبل تشذيبه وتنقيته مما علق به من شوائب وأدران، خدمة لمصلحة شعبنا وإسهامة منا في وضع لبنة السلم الأهلي ضمن تفكيرنا الدائم، وان نسهم كل من جانبنا في وضع ( خارطة طريق ) تسهم في بلورة خطاب وطني عراقي ضمن أسس ومحاور والتزامات ومسؤوليات أخلاقية ،نحن الإعلاميين اولى بمن يحفظ لها هيبتها، لكي نحافظ على تماسك المجتمع العراقي ووحدته، ونعمل على تقليل حالات التنافر والإختلاف الى حدودها الدنيا ، بما يجعل حالة الإختلاف ( إيجابية ) وليست سلبية، وتسهم في تطوير المجتمع بدل ان تكون معولا لهدمه والسير به نحو أهوال لايعلم الا الله ما تخلفه من أضرار ومن تراكمات ثقيلة تحطم الكيان العراقي وتصيبه بأضرار بالغة.