23 مايو، 2024 1:39 ص
Search
Close this search box.

الخطاب الحر ..

Facebook
Twitter
LinkedIn

لا أعرف كيف يمكن أن نتحدث عن عراق جديد اذا لم يكن ثمة خطاب يجسد هذا التجدد الذي نتحدث عنه ؟
واذا كان الجديد هو تبدل الوجوه والمصالح لصالح ورثة آخرين يكررون ذات القصة فالويل للعراق والعراقيين ، وعلى ضوء هذا لا يمكن النظر الى إقالة الشاعر أحمد عبد الحسين أو غيره من الأصدقاء الذين يتبنون ذات الخطاب ، من جريدة الصباح على إنها مجرد إجراء وظيفي ، القضية في جوهرها ليست كذلك ، مايهمني هنا الخطاب الذي لم يجد فضاء يتسع له ، وكأننا بهذا نعلنها بشكل صريح أن مرحلتنا هي اجترار لتلك المفاهيم القديمة حيث يحبس الفكر الحر ، ليسود ذاك الخطاب الميت المعبر عن البلادة والركون الى السلطة بأشكالها المعروفة ، إن استبعاد هكذا خطاب ينفتح على المعرفة الإنسانية متجاوزاً كل الأطر الضيقة مؤشر خطير على اننا مازلنا نراوح في لحظة تاريخية أوهمنا انفسنا بأننا تجاوزناها ، لقد كان بوسع المؤسسة الإعلامية أن تقيم حجم الجهد الثقافي الذي قدمه الشاعر أحمد عبد الحسين ومجموعة المثقفين طيلة الفترة الماضية عوضاً عن إقالتهم ، لقد عملت في القسم الثقافي لجريدة الصباح لما يقرب من العام ، ويمكنني أن أقول بثقة إن القسم الثقافي للصباح كان يقدم خطاباً أقل ما يوصف به أنه يبشر بمرحلة قادمة تعي بشكل عميق معنى التجدد الحضاري ، والدور الذي يمكن ان يلعبه الإعلام في نشر مفاهيم الحرية والتسامح ، ولولا مخافة أن ينظر الى مقالي هذا على ان فيه بعداً ذاتياً لسردت مجموعة وقائع تتعلق بشخصية أحمد عبد الحسين وكيفية إدارته للقسم الثقافي ، تلك الوقائع التي تعكس خلقاً إنسانياً نبيلاً ونزيهاً يفتقر اليها الكثير من السياسيين في العراق ، ماهو الخطاب البديل الذي سيأتي به الينا الآخرون ؟ أخمن أنه سيكون بلا رؤية ، فما أسهل أن يؤتى بالكتبة ليمارسوا ذات العمل السقيم ، نعم هناك تقنية واحدة صالحة للموظفين في أية حكومة هي ان لا يقولوا شيئاً ، أن يرددوا مثل الصدى مايطرق سمعهم من المدراء لينالوا شهادة القبول ( وما أيسرها من مهمة ! ) ، وعندها يقال لك أنت رائع ومطيع ، لقد كانت هذه التقنية سبيل الكثيرين للبقاء في المناصب أيام النظام السابق ، أذكر أنني كتبت ذات يوم قصة في نهاية التسعينات عنوانها ( العهد القادم ) تتحدث عن كهل مثقف يحلم بعهد آخر تتحقق فيه أحلام الناس بعيداً عن الإستبداد ، وفوجئت عند نشر القصة بعنوان آخر لقصتي ، فقد ارتأى مسؤول الصفحة ممن يتبنون مبدأ لا تقل شيئاً أن يجعلها ( العهد السعيد ) ، ولم يكتف بهذا بل عمد الى تغيير جملة داخل السرد يدين فيها الكهل مايراه من مظاهر الظلم والقمع من حوله ، فهل هذا ما نسعى اليه في مؤسساتنا الإعلامية اليوم ؟ أن نكون بلا رؤية ثقافية تبشر بأفق انساني رحب ؟
واذا مضينا الى عرض الحقائق المتعلقة بالكفاءة فإنني أشك أن يأخذ مكان الشاعر أحمد عبد الحسين شخصاً يوازيه في قدرته المعرفية والإنسانية ، فقد إمتلك كمثقف وشاعر مبدع عمقاً لا يمكن أن نتجاهله ، فضلاً عن نبله الإنساني ، وفي وسطنا الثقافي الذي يقال فيه الكثير يصعب علينا أن نجد من يلم بتلك ألرؤية التاريخية والفكرية ، لتجمع بين التراث والحداثة بطريقة متوازنة وذكية ، فهل إرتأى المسؤولون في الإعلام أن يقيلوا كل من يتميز من العاملين في هذا المجال ليصبح الجميع متشابهين بلا ملامح ؟ لنصبح جميعاً أشباحاً في مرحلة شبحية ؟ ولا بد من التذكير هنا أنه لا يوجد في تاريخ التغيرات الكبرى في العالم الا أسماء مثقفون بشروا بها وأسهموا في ترسيخ مقوماتها ، واذا لم نعي جيداً معنى ذلك فإن حالة من والتراجع سوف توقف لحظتنا التاريخية عن التقدم متحررة من كل أمراض العقود الماضية ، وسوف نظل ندور في فلك الخطابات الهزيلة التي ستعيد ذات السياقات القديمة ، حيث تتحول الحياة الى مسرح للتناقضات اللا معقولة ، لأن غياب الحداثة والخطاب التنويري سيكون سبباً لإنتشار كل ماعداهما من خطابات ، الأمر الذي سيحرم العراق من فرصة أن يكون بلداً تسوده قيم التسامح والمعرفة العميقة ، إن الذين يخشون من الفكر الحر إنما يتاجرون ببضاعة فاسدة ، والا كيف نفسر العداء للرؤية التحليلية للواقع الذي نعايشه كل يوم ؟ هل تتطلب الرؤية الفكرية والمهنية أن يتخلى الإعلامي عن نزاهته وما يقرأه في الواقع لصالح الخطاب السياسي ؟ وياليتنا امتلكنا خطاباً سياسياً موحداً ؟ اذا كان هذا ماسيؤول اليه العمل الصحفي والإعلامي فإننا سائرون بواقعنا ولاشك الى وجهة مجهولة ، تكون فيها الغلبة للجهالة على المعرفة ، وإن سترنا ذلك بشتى المبررات والأقنعة ، فليس مع غياب العقل وحرية الرأي سوى الظلمات والمآسي ، وليس مع غياب العمق والمعرفة الحقيقية سوى التسطح والعماء .
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب