بصرف النظر عمّا إذا كانت الانتخابات الأخيرة قد شهدت، مثل سابقاتها، عمليات تزوير أم كانت نزيهة تماماً، وبصرف النظر أيضاً عمّا إذا كان التزوير – إنْ حصل فعلاً- كبيراً أم محدوداً، فالنتيجة الأهم في هذه الانتخابات أنّ الناخبين، الذين اقترعوا والذين لم يقترعوا، قد وجّهوا خطاباً شديد اللهجة إلى الطبقة السياسية المتنفّذة.
هذا الخطاب مفاده أنّ هذه الطبقة التي تحكّمت بمقادير البلاد وناسها على مدى العقد ونصف العقد الماضي، برموزها المختلفة، انقضت مدة صلاحيتها (هل كانت صالحة في الأساس؟!) ولم تعد مقبولة بأيّ حال، وساعة التبديل والتغيير فيها قد حانت.
القوى المتنفّذة لم تترك وسيلة شرعية أوغير شرعية دون اللجوء إليها لضمان بقائها في السلطة .. البعض منها أنفقت ما يصل الى ملايين الدولارات على حملاتها الانتخابية وجيوشها الإلكترونية لتزويق صورتها وتسقيط منافسيها. واشتمل هذا على شراء الأصوات الانتخابية وبطاقات الاقتراع، بيد أنّ ذلك لم يفلح في الحدّ من تدنّي نسبة عدم التصويت لها أو الاستنكاف عن المشاركة في الاقتراع احتجاجاً على تشبّث هذه القوى بالسلطة رغماً عن أنوف الناس بقانون الانتخابات غير العادل وغير المُنصف وبمفوضية انتخابات غير مستقلّة تشكّلها هذه القوى بنفسها، وفي ظلِّ نظام حكم يقوم على تقاسم السلطة ومناصبها ووظائفها في ما بينها وفقاً للمحاصصة الطائفية والقومية والحزبية، وخلافاً لقواعد الحكم الرشيد القائم على الكفاءة والخبرة وتكافؤ الفرص.
النتيجة التي انتهت إليها الانتخابات لم تكن مفاجئة، ففي العديد من المناسبات أعرب الكثير من الناس عن نقمتهم وسخطهم واحتجاجهم على تردّي أوضاعهم المعيشية وانهيار نظام الخدمات العامة وتراجع الحريات العامة والخاصة، بيد أنّ قيادات هذه القوى اختارت أن تصمّ آذانها بالطين والعجين، وأن توغل أكثر في عمليات الفساد الإداري والمالي التي دمّرت الاقتصاد الوطني وحالت دون تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية ظلّ العراق في حاجة ماسّة لها، فيما عاشت قيادات هذه القوى والطواقم القائمة على خدمتها في ظروف من الرفاه والبذخ على الطريقة التي كانت تحياها الطغمة الحاكمة في عهد صدام.
خطاب الشعب إلى حكّام هذا العهد يتعيّن قراءته جيداً كيما تتولّى الحكومة القادمة الشروع ببرنامج إصلاح حقيقي وليس كاذباً شأن البرامج التي تعهدت بها الحكومة الحالية وسابقاتها ولم تلتزم بها. هذا البرنامج يبدأ بتغيير اتجاه العملية السياسية بنبذ نظام المحاصصة واعتماد الهوية الوطنية، وليس الهوية الطائفية أو القومية أو الحزبية، في إدارة مؤسسات الدولة، ولا ينتهي بمكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين أيّاً كانوا وأينما وُجدوا، ومحاسبة كل الذين تسبّبوا في المحن والمعاناة التي كابدها الشعب على مدى السنين الماضية.
بخلاف هذا لا يتعيّن انتظار غير الطوفان، فرسالة يوم الاقتراع، أول من أمس كانت: لقد بلغ السيل الزبى!