17 نوفمبر، 2024 9:36 م
Search
Close this search box.

الخصوصية والحريات في العالم الافتراضي

الخصوصية والحريات في العالم الافتراضي

اختباء الإرهابيين سواء في كهوف وجبال.. مسألة قد تكون لها علاقة بالحريات والخصوصيات الفردية وحدود ممارساته، ما يستوجب التعرف بدقة إلى حدود حق المجتمعات والدول في العيش بسلام.

الجدل البحثي والسياسي والقانوني حول حدود العلاقة بين الخصوصيات والحريات الفردية من جهة، والقوانين من جهة ثانية قديم جديد، لا سيما إذا تعلق الأمر بحدود الحريات في العالم الافتراضي أو شبكة الإنترنت.

الخصوصيات والحريات الفردية مسألة تصونها وتحفظها القوانين والمواثيق الدولية، فضلا عن الدساتير والقوانين في غالبية الدول، لا سيما تلك التي تسعى إلى الحفاظ على مراتب تنافسية عالمية متقدمة في مؤشرات التنمية البشرية وحقوق الإنسان ومعدلات الرفاه وغيرها.

وقد قفزت العلاقة بين الحريات والقوانين مؤخرا إلى واجهة النقاش العالمي عقب الاعتداء الإرهابي في بريطانيا، حيث تسعى السلطات الأمنية في الدول كافة إلى الحصول على معلومات تساعدها في توفير الحماية والأمن للمواطنين، ولكنها تشعر بقلق شديد حين تبقى مساحات أو مناطق غائبة عنها حتى لو كانت في ساحات العالم الافتراضي.

اختباء الإرهابيين سواء في كهوف وجبال وغابات أو في الإنترنت، مسألة قد تكون لها علاقة بالحريات والخصوصيات الفردية وحدود ممارساته، ما يستوجب التعرف بدقة إلى حدود حق المجتمعات والدول في العيش بسلام وأمان وحماية نفسها من أي فكر إجرامي قد يختفي وراء جدار مادي أو افتراضي.

شخصيا، استغرب المزايدة من البعض، ولا سيما بعض منظمات حقوق الإنسان، التي تملأ الدنيا صراخا وضجيجا عند نشر معلومات حول طلبات بعض الدول من شركات تدير أو تمتلك مواقع إلكترونية ووسائل تواصل اجتماعي للوصول إلى معلومات حول حسابات شخصية لأشخاص يشتبه في علاقتهم بالإرهاب، علما بأن نسبة الاشتباه في حالات كهذه لا تكاد تذكر مقارنة بالأعداد المليارية لمستخدمي مواقع التواصل مثل فيسبوك وتويتر وغيرهما.

في الاعتداء الإرهابي الأخير في لندن لم تتمكن سلطات التحقيق من الوصول إلى رسائل دردشة إلكترونية مشفرة بعثها الإرهابي إلى شخص أو مجموعة يتواصل معها عبر برنامج واتساب، ما فتح مجددا بقوة ملف النقاشات حول حق السلطات المختصة في الوصول إلى المعلومات بما يوفر الحماية للناس، وحق مستخدمي هذه الوسائل في الخصوصية والحريات الفردية.

أدرك أن من الصعوبة بمكان وضع حد فاصل ورسم حدود قانونية وإجرائية دقيقة بين حق هذا وذاك، ولكن خطورة الظاهرة الإرهابية تقتضي ضرورة العمل الجاد على ذلك، لا سيما أن فكرة الحرية ليست مستهدفة في حد ذاتها، وعلما أيضا بأن منح صلاحيات الوصول إلى المعلومات قد يساء استخدامه في بعض الأحيان في بعض الدول، ولكن هذه الأمور تبقى استثناءات لا يجب أن تعطل حق الجميع في الحصول على أقصى درجات الحماية الأمنية.

الجدل بين الشركة المالكة للموقع الشهير والسلطات الرسمية في بريطانيا وغيرها من الدول حول هذه الجزئية له بعدان اقتصادي وتجاري لا يستهان بهما، ويكفي أن نعرف أن شركة فيسبوك المالكة لبرنامج واتساب قد اشترته عام 2014 في صفقة كانت هي الأكبر وقتذاك في عالم التكنولوجيا، حيث دفعت 19 مليار دولار لشراء البرنامج، وكانت هذه القيمة تفوق القيمة التقديرية لشركة فيسبوك نفسها وقت الشراء، وشكك بعض الخبراء في جدواها الاقتصادية لأن واتساب كان يحقق إيرادات لا تزيد عن 20 مليون دولار سنويا، وهي إيرادات لا تذكر مقارنة ببرامج أخرى، حيث لا مقارنة مطلقا بين قيمة الصفقة والإيرادات الحالية والمتوقعة، حتى أن بعض المتخصصين وصفوها بالصفقة “المجنونة” (شركة غوغل كانت قد عرضت نحو ملياري دولار فقط لشراء واتساب عام 2013)، ولكن مؤشرات صعود واتساب وانتشاره تشير الآن إلى أنها كانت صفقة ناجحة بكل المقاييس، إذ أسهمت في الحفاظ على فيسبوك في مواجهة منافسيها مثل غوغل وغيره، بل ضمنت لها استمرار السيطرة على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي بامتلاك البرنامج الأشهر عالميا.

المسألة في أحد أبعادها الحيوية إذا تتعلق بصراع عمالقة الإنترنت في العالم، واستثمارات هائلة بعشرات المليارات من الدولارات، وهي استثمارات ترتبط ارتباطا وثيقا بأمور حيوية مثل مستويات السرية والخصوصية في المكالمات والدردشات عبر هذه البرامج وغير ذلك.

ورغم ما سبق، يبقى خطر الإرهاب واختباء عناصره وسط مئات الملايين من مستخدمي البرامج مسألة تستحق الاهتمام، لكن كيف يمكن المواءمة بين حقوق هذه الشركات الاقتصادية والتجارية والإبقاء على قواعد حرية السوق والمنافسة الاقتصادية، وبين مقتضيات توفير الحماية الأمنية من جهة ثانية؟ سؤال محير، ولكن الشواهد تؤكد أن ثمة مخرجا ما من هذه النقاشات بما يحفظ للجميع حقوقهم وللأفراد أمنهم وسلامتهم.
نقلا عن العرب

أحدث المقالات