تعد اليابان من اكثر الدول الصناعية تقدما في العالم كما يمتاز الشعب الياباني بصفات متعددة منها الوفاء والتكاثر جعلته اشد التصاقا بحياته واخلاصا لأمته واستعداده للتفاني من اجله ، شعب مبدع لا يعرف الكلل او الملل ، مبتسم على الدوام يتمتع بروح عالية من التسامح والمغفرة ، لايحمل بقلبه اية ضغينة ، استياء ، عداء ، نكاية او تذمر اتجاه الاخر ويعتمد الاساليب العلمية والقانونية في حسم جميع نزاعاته داخلية كانت ام مع العالم الخارجي .
لقد جمعني يوم عمل ان اشترك مع أمرأة اسيوية الملامح لانجاز عمل ما وخلال فترة الاستراحة انتابنا فضول التعرف على خلفية واصول الطرف الاخر ، وعرفت بأنها امريكية المولد من اصول يابانية ، وصل اجدادها أرض الولايات الامريكية من جهة الساحل الغربي منه والشرقي بالنسبة لليابان في عشرينيات القرن الماضي اثناء هجرة الكثيرين منهم بحثا عن فرص افضل للعيش، والدتها امريكية المولد أيضا ، لاتتكلم اللغة اليابانية ولم تزور اليابان أرض اجدادها اطلاقا وتعتبر امريكا وطنها الأوحد الذي ولدت فيه ودرست وعملت طوال حياتها . بعد ان انتهينا من التعارف توجهت بسؤال مباشر للتعرف عن الكيفية التي تعاملت بها الحكومة الامريكية مع مواطنيها من اصول يابانية خلال الحرب العالمية الثانية . ذكرت زميلتي انه مباشرتا بعد تعرض القاعدة البحرية المعروفة بيرل هاربر الى التدمير بفعل قصف الطائرات اليابانية والذي اسفر عنه مشاركة الولايات المتحدة الحرب الى جانب الحلفاء ساد شعور من الذعر لدى الشعب الامريكي والسياسيين اتجاه المهاجرين اليابانيين والامريكان من اصول يابانية المقيمين في مدن الساحل الغربي والنظر اليهم كجواسيس او كمجاميع سكانية جاهزة للتعاون مع الجيش الياباني وتقديم العون لتلك القوات لأحتلال المدن الامريكية ولابد من ابعادهم عن تلك المناطق، عندها أصدر الرئيس الامريكي آن ذاك فرانكلين روزفلت الى وزير الحرب الامر الرئاسي المرقم 9066 في شباط من العام 1942 اعتبر بموجبه مدن ساحل الغرب الامريكي مناطق حرب وبالتالي الترحيل القسري للامريكان من اصول يابانية من أصل (نيكاي) من سكنة تلك المدن الى معسكرات
اعتقال خاصة بنيت لهذا الغرض مما أجبر أكثر من 120،000 مواطن إلى ترك منازلهم وأعمالهم والانتقال إلى واحد من عشرة مراكز اعتقال والاقامة فيها لسنوات وكان نصيب عائلة زميلتي الترحيل الى معسكر منيدوكا (Minidoka) بولاية ايداهو (Idaho) . كما حدثتني زميلتي عن ظروف الاقامة الصعبة والشعور بالظلم والحيف والتمييز بكافة اشكاله فضلاً عن الخسائر الاقتصادية المصاحبة للترحيل الذي أصاب اهلها وبقية المرحلين بسبب هذا القرار والذي اعتبر حينها على انه اكبر عملية ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية.
لقد صدمت عند سماعي القصة لأن المرحلين هم من حملة الجنسية الامريكية وكثير منهم مولودون فيها وبالتالي كيف تتجرأ امريكا على ترحيل واحتجاز مواطنيها وما ترتب عن ذلك الترحيل من مشاكل وخسائر لا لسبب فقط لكونهم من اصول يابانية .
ولكن بمراجعة سريعه للذاكرة عن تاريخ امريكا في تلك الفترة والمعروف بالعنصرية قد سهل عَلَيِّ فهم الحالة الذي اعتمدته الحكومة الامريكية حينها في اصدار الامر اعلاه والذي اعتبر أجراء احترازي ضد اية محاولة لتنامي العداء من قبل اصحاب الاصول اليابانية قد يدفع البعض منهم الى ارتكاب افعال انتقامية تعرض الامن القومي الامريكي للخطر.
فكيف قابل الامريكان من اصول اليابانية بعد اطلاق سراحهم سياسة الترحيل وما ترتب عنه من اضطهاد وظلم وعنصرية وخسائر اقتصادية . هنا تغلب الطبع على التطبع ، هنا اختلط التصاقهم بحياتهم واخلاصهم لأمتهم كشعب مبدع لا يعرف الكلل او الملل ، مبتسم على الدوام ، اختلط مع لغة التسامح والمغفرة وصفاء القلب من اية ضغينة ، استياء ، عداء ، نكاية ، تذمر اتجاه الامريكان من ابناء وشركاء الوطن الواحد ، فلم يطالبوا بعد اطلاق سراحهم وعودتهم الى مناطق سكناهم السابقة الى تشكيل اقليم خاص بهم والانفصال عن امريكا ، ولم يشكلوا هيئة السجناء المدنيين او السياسيين ولن يطالبوا برواتب او اراضي او عقارات كتعويض عن سنوات الاعتقال وعن الخسائرالاقتصادية ، ولم يشكلوا مليشيات لحماية الاقليات من اصول يابانية علما ان الدستور الامريكي يمنح بموجب التعديل رقم 2 الحق لتشكيل مليشيات وحمل السلاح
Amendment II
A well-regulated Militia, being necessary to the security of a free State, the right of the people to keep and bear Arms, shall not be infringed
إلا انهم عملوا على رسم هدف اكبر من كل ذلك والمتمثل في الاصرار على الانصهار بشكل اعمق داخل المجتمع الامريكي والعمل بجد ومثابرة حتى بلوغهم مواقع متقدمة في المجتمع الامريكي من حيث العمل ، العلم ورأس المال ، لذلك عملوا على الانتفاع من كافة الفرص المشروعة من تعليم وعمل والذي رافقه التطور الذي شهده المجتمع الامريكي بعد منتصف القرن العشرين على صعيد تعزيز الحقوق المدنية وتكافئ الفرص فكان لهم ما أرادوا ، فاليوم يشكل الامريكان من اصول يابانية جزءا اساسي من مكونات المجتمع الامريكي يتمركزون بشكل كثيف في ولايات الساحل الغربي ، يشغلون مواقع مهمة في معظم الشركات الامريكية وتحديدا شركات التقنية العالمية كمايكروسوفت وأمزون وفيسبوك وغوغل التي تسعى على الدوام الى توظيف الخريجين منهم بالنظر لكفائتهم وذكائهم ومهاراتهم ، وقطاع خاص منتج من أسواق ، منتجات متعددة ومطاعم يرتادها الامريكان من مختلف الاقليات بشكل دوري ، فهل المطلوب منا كعراقيين على اختلاف طوائفنا وقومياتنا نقيم على نفس الأرض منذ آلاف السنين يجمعنا تاريخ مشترك ودم واحد ان نجد المركب الكيميائي الذي يحول خصائصنا وسلوكياتنا الى خصائص وسلوكيات اليابانيين الواردة اعلاه لنتمكن من تقبل الاخر وتواصل العيش سويتاً بعد فشل جرعة التاريخ والدم أم سيكون التقسيم والتشظي بعد الدخول في المزيد من الصراعات الفرعية هو الحل لوطن كان يطلق عليه في يوما ما اسم العراق .