23 نوفمبر، 2024 4:29 ص
Search
Close this search box.

الخشيةُ على السُرّاق

الخشيةُ على السُرّاق

-1-
اذا كانت البشرية تنعم بوجود العباقرة والأفذاذ من أبنائها ، عبر امتداد العصور، وبهم تزدهي الحضارة ،وتنتشر أَشِعَّةُ العلم والمعرفة والثقافة ، وتتواصل الفتوحات والاختراعات …
فانها تشقى بالمقابل، باولئك المغفلين السذّج، ممن تبلغ بهم البلادة حدّاً قد يصعب تصديقُه ..!!
انّ الأبالسة والشياطين من المحترفين السياسيين انما يراهنون على هذه الشريحة بالذات ، شريحة البسطاء الذين يمكن خداعهم ، والضحك عليهم ، وتمرير ما يريدون عليهم دون عناء ولا مشقة …
وللأسف الشديد :
إنَّ الأذكياء ليسوا هم الطبقة الغالبة في كل المجتمعات ، وليس في مجتمعنا فحسب ….
وهنا تكمن الطامّة .
-2-
يحدثنا ابن عبد رَبّه الاندلسي في كتابه الشهير (العقد الفريد) ج7/182 ، عن (عامر بن عبد الله بن الزبير) فيقول :
” سُرقتْ نعلُه مرّةً ،فلم يلبس نَعْلاً بعدها حتى مات وقال :
أكرهُ أنْ أتخذَ نَعْلاً ، يجيء مَنْ يسرقها فيأثم “
انه يعاقب نفسه بالحرمان ، ويصّر على ان يبقى حافياً حتى الموت ..!!
ويكره ان يتسبب في إثمٍ يكتسبه من يسرق منه النعل ..!!
انها ليست منقبةً نابعة من صفاء النفس ..، بل انها مثلبة، تشي بانعدام القدرة على التمييز بين الخيط الأبيض والأسود ، والغث والسمين ، وبلادة مرفوضة بكل المعايير والموازين …
ويقول عنه ايضاً :
أُتي بِعطائِهِ ، وهو في المسجد ، فقام ونسيه في موضعه ،
فلما أتى البيت ذَكَرَهُ فقال :
ياغلام :
ائتني بعطائي الذي نسيت في المسجد !!
قال :
وأين يُوجد ،وقد دخل المسجد بَعْدَكَ جماعة ؟
فما كان من عامر الاّ أنْ قال :
{ وبقي أحدٌ يأخذ ما ليس له ؟! }
لم يكن لفرط بلاهته يحتمل وجود السّراق بين المسلمين أصلاً، ظنا منه أنهم ماداموا قد نهواعن السرقة شرعاً، فلن يُقدموا على مقارفتها قطعاً ..!!
لقد تردد غلامُه في الذهاب الى المسجد، للبحث عن (العطاء المنسي) فيه…، ذلك انه يعلم أنّ الملائكة وحدها ،هي التي تكّف عن الاستحواذعلى أموال الناس وتزهد فيها زهداً كاملاً …!!!
-3-
السؤال الآن :
هل يبقى أحدٌ ممن يحمل سمات (عامر بن عبد الله) السلبية ؟
والجواب :
نعم
ان هناك من يمتلأ غيظاً وانزعاجا، من حملات التصدي لكشف المفسدين والسارقين …!!
انهم يخشون على السُرّاق ولا يخشون على العراق ..!!
لقد قرأت بالامس تقديراً رهيباً لما اختُلِس من أموال العراق حيث بلغ (130) مليار دولار .
وهو ما يعادل موازنات دُول عديدة وليست دولة واحدة ..!!
ولو كانت هذه الاموال قد صُرفت بأمانة ، في بناء البلد وإعمارِهِ ،لتحوّل العراق الى واحة فريدة، ولكنها تسربت الى المصارف الأجنبية ،والحسابات السرية، بعد ان تواصل النهب ، وأمن الناهبون من العقاب .
لقد أُعْلِنَ مؤخراً ،أنَّ المملكة المتحدة، على استعداد تام لاعادة سّراق المال العام من العراقيين المقيمين فيها متى ما أعدّت الملفات القانونية اللازمة لذلك، فهل نَشْهَدُ صدقاً وحرارة وجدَية في انجاز هذه الملفات ؟!!
ان اهم الاسباب التي دعت اغلبية اعضاء مجلس النواب العراقي، لرفض قانون البنى التحتية، هي الخشية من ان تتسرب المليارات الى حسابات الناهبين، بَدَلَ أنْ تُبنى بها المشاريع المطلوبة …!!!
ولقد دلّت التجربة المرّة على وجوب الاحتراز والاحتياط .
ان المطالبة بتعقب المال العام المنهوب ، ومحاسبة القراصنة واللصوص والمفسدين ، تتقدم أهميتها على الغاء الرواتب التقاعدية لأعضاء مجلس النواب، وهذه الرواتب لاتشكّل الاّ رقما متواضعاً ازاء تلك المليارات ..!!
وان المطابة بتأمين الحماية اللازمة لارواح المواطنين تتقدم اهميتها على كل المطالب الأخرى ..
وهكذا يجب ان يكون سلّم الاولويات دقيقاً ومنطقيّاً .
ليست هناك عداوة شخصية مع جهة معيّنة ، وانما هناك موقف وطني ، وصوت شعبي، يجب ان يعلو للحفاظ على مصالح الوطن والمواطنين .
ان التذاكي على الناس، بالقاء تبعة المسؤولين على الآخرين ، لن يجدي المتذاكين نفعاً ، بل يضيف الى أخطائهم خطأ جديداً …
(وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون )

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات